[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

مع اقتراب ذكرى الوحدة: انسوها حتى تبقى!!

إن نسيان تأريخ أمة من قبل أبنائها يعتبر نوعا من العقوق لها،وبابا من أبواب قطع الأمة عن جذورها وأصولها وجحودا بحقها.

لذلك ليست دعوتي من باب أن ننسى هذا المنجز أو أن نتجاهله وأن ننكر عظمته وأهميته فهذه جريمة في حق الأمة قبل أن تكون في حق صاحب الإنجاز أي كان.

لكن الذي أقصد بنسيان الوحدة أن نترك الحديث عنها والدندنة حولها والاتكاء عليها في تبرير الأخطاء وتعريض الناس للامتحان بها من خلال إما أن يرضى بنا وبوضعنا وبحالنا وبأخطائنا وإلا فهو ضد الوحدة.

نعم نرفض من يرفض الوحدة ويحاربها ويعارضها وبالمقابل نرفض من يعرّض مواقف الناس للامتحان من باب الوحدة.

إنها قضية نالت الإجماع من الجميع وعُمّدت بالدماء، ولكنها إذا وصلت للمحك فسوف تتعرض هذه القضية للاختلاف وتتداخل فيها الآراء.

ما زلت لم أدخل في الموضوع:

الذي أريد بنسيان الوحدة : ترك المقارنة بينها وبما قبلها من وضع وألا حاجة للتذكير بعوامل قيامها ولا بالمعارك التي قامت للحفاظ عليها، وكل هذا من أجلها، وذلك لأمور:

1- إن جيل الوحدة وهم شريحة الشباب في المجتمع لا يعرف إلا الوحدة فهو وإن قامت الوحدة وهو ابن سبع أو عشر سنين فضلا عمن ولِد مع الوحدة أو قامت في سنين عمره الأولى لم يعرف إلا الوحدة وعلى هذا فغالبية الشعب لا يعرف إلا عهد الوحدة، وعليه فإن الحديث عن الوحدة وعن عهد ما قبل الوحدة سيجعله يحمّل الوحدة سلبيات وأخطاء قائمة ولأنه لا يدري ولم يعش الحالة التي قبل الوحدة ومع وجود من يصطاد في الماء العكر فيذكر له صورا إيجابية للعهد البائد ويزين له تلك الحياة ويغرس فيه أن الوحدة هي سبب الحالة البائسة التي يعيشها فهنا لا يُستغرب منه أن ينكر الوحدة وأن يرفضها وأن يعلن التأييد للانفصال وأن يخرج في مسيرات لأجل ذلك ويشارك في اعتصامات.

إن تكرار الحديث وبشكل استفزازي أحيانا عن انجاز الوحدة بل والتركيز على من أنجزَ أكثر من المنجَز نفسه، إن ذلك يعزز نبرة التسخط ويقوي نزعة الرفض والخروج عن الإجماع.

شباب الوحدة لم يذوقوا مرارة عهد ما قبل الوحدة ولم يكتووا بنار التشطير، وصاروا يتهمون من يعرّفهم بحقيقة ذلك العهد ويرفضون كلامه،ولذلك بسهولة تجد في كبار السن - طبعا من غير أصحاب المصالح والشهوات وطلاب الرئاسات ممن يدعون إلى الانفصال – من يعرف قدر الوحدة فلو سألت المواطن العادي أو المنصف من غير العادي الذي عاش قسوة ما قبل الوحدة عن الوحدة لحمدَ الله وأثنى عليه على ما هو فيه - على ما فيه - إذا قارنه بما قبل الوحدة.
انسوا الوحدة ولو مؤقتا حتى تمر العاصفة وتهدأ نزعة الانفصال، بمعنى أنسوا الوحدة لتبقى، ولا حاجة للاحتفالات ولا المهرجانات ولا حتى الأمسيات والسهرات بل ولا حتى إعادة لقطات تلفزيونية لإعلان الوحدة لا حاجة لها إذا كان ذلك يذكي نار الانفصال، واشغلوا الناس باليوم وبالتحدي الحضاري الذي يواجهنا من البناء والتطوير والارتقاء بهذه الأمة المسكينة والشعب المغلوب على أمره.

2. الإنسان بطبعه إذا لم يجد في وطنه وبلده ومن قيادته أقل مقومات الحياة الكريمة من الرخاء الاقتصادي والعدل والأمن فأي انتماء سواء كان لوطن أو لجماعة أو مجتمع لا يوفر للعضو المنتي إليه ما يرجوه من هذا الانتماء فلن يتردد في تركه بل ربما الوقوف ضده فلا تستغرب أن يستجيب البعض إلى أي قوة خارجية أو داخلية تدعوه لمحاربة هذا الوطن والإساءة إليه إذا كان يشعر أو يشعره المغرضون أن هذا الوطن هو سبب شقائه ومصائبه، وهذا أمر في غاية الخطورة إذا استمر من جهة وإذا غفل عنه أصحاب القرار في البلد من جهة أخرى، ومن هنا ولو بجزئية معينة أدخل المغرضون فكرة الانفصال في أذهان شريحة تشعر بالغبن والظلم وأنها خسرت من الوحدة ولم تربح، وما زال البعض يصر على إعطائهم المبررات بتصرفاته العوجاء وغير المسئولة وإن كان مسئولا.

3. المقارنة بين القول والفعل أمر يقوم به العقل السليم بشكل طبيعي وبمجرد أن يرى حدثا أو يسمع كلاما يجري العقل عمليات تفكير سريعة ويقارنها بواقع هذا الكلام خاصة إذا كان من جهة أو شخص صاحب موقع أو قرار، والحديث عن الوحدة وما حققته الوحدة إذا وصل إلى حد المبالغة كما يحصل كثيرا من بعض الكتاب أو الإعلاميين يجر إلى مقارنة خاسرة لسببين : الأول : مطالبة الوحدة بتحقيق المعجزات والمستحيل فالناس لا تقف مطالبهم عند حد. الثاني : القصور الواضح في الخدمات والأثر المؤسف للفساد في كثير من جوانب الحياة ولذلك الحديث عن منجزات وإنجازات يوضع في طاولة المقارنة مع الواقع فكثيرا ما يخسر بحق أو بجحود.

أنسوا الوحدة من كلامكم وقصائدكم ومهرجاناتكم وأقيموها وأحيوا ذكرها في واقعكم ومن خلال الخدمات والمشاريع والأمن والعدل ومحاربة الفساد فإن لهذه ألسنة فصيحة تتحدث عن الوحدة وتُسكت كل صوت يعارضها ولن يجد مغرض مكانا له إذا تحدثت هذه وسيصمت إلى الأبد لأنه يعلم أن حتفه بكلامه.

أنسوا الوحدة لتبقى، ولا أخالكم تفهمون ِأني ضد الوحدة فأنا وجمهور الشعب اليمني نريد بقاءها ومستعدون للتضحية من أجلها، لكننا مللنا من التصرفات غير المسئولة من بعض المسئولين والتي تسيء إلى الوحدة وتهددها، فأعينوا الوحدويين على موقفهم ولا تشاركوا الانفصاليين في دعوتهم من خلال فعل ما يبرر انفصالهم.

زر الذهاب إلى الأعلى