[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

السائق الأديب والمقالح

كنت ومازلت أعتقد أن الدكتور عبد العزيز المقالح يمثل ظاهرة عبقرية فريدة واستثنائية في حياة اليمنيين، فهو السهل الممتنع، والكبير جدا بعلمه وفكره وثقافته وأدبه، والبسيط جدا في تواضعه وإنسانيته وقربه من كل الناس وهمومهم وتطلعاتهم، معبرا عنهم في كتاباته، متحيزا لهم في كل مايصدر عنه من نتاجات أدبية أو فكرية.

ومن ملامح عبقرية أديب اليمن الكبير قدرته على الوصول إلى مناطق مختلفة من العالم دون أن يُغادر مكتبه في شارع بغداد بالعاصمة صنعاء، وأن يطلع بشكل دقيق على كل ماتشهده ساحات الأدب والفكر والسياسة من تطورات في كل مكان، وأن يصل بالمقابل جديده الأدبي والفكري إلى كل مُحبيه ومُعجبيه وأصدقائه في أرجاء الوطن العربي والعالم.

ولطالما أدهشني الدكتور عبد العزيز وأنا أحمل منه أو إليه بعض الرسائل والهدايا من الكتب والمطبوعات بينه وبين أصدقائه في العديد من العواصم العربية بقدرته الهائلة على وصف الأماكن، وكيفية الوصول إليها، وعبر من، وما الذي يستطيع أن يقدمه إلي الأشخاص الذين ألتقيهم.

ومازلت أذكر زيارتي الأولى لبيروت عام 1993، وأنا أحمل رسائل عديدة من أستاذي المقالح إلى أصدقائه هناك من المفكرين والأدباء أمثال: رضوان السيد، ومعن بشور، وسهيل إدريس، ويمنى العيد، وكيف أنه وضع لي خارطة طريق شديدة الوضوح للوصول إلى الأماكن والأشخاص فساعدتني على تأدية مهمتي بنجاح كامل.

وهذا الأسبوع أدهشني سائق أجرة لبناني اسمه محمد خروبي، وأنا أستقل سيارته من شارع الحمراء إلى الجامعة اليسوعية في بيروت بسؤاله عن المقالح وأخباره وجوائزه.

وحين رأى الدهشة بادية على وجهي لملاحظتي بساطة مظهره ومحدودية تعليمه كما أخبرني هو نفسه، قال: لا تندهش فأنا مثل المقالح لديكم.. لا أسافر، ولا ألتقي الأدباء وجها لوجه، ولم أغادر لبنان.

لكنني في منزلي وحين أعود كل مساء أطوف العالم، وأتعرف على الأدباء والمثقفين، وقد صنعت قراءاتي واهتماماتي الأدبية، ومعاناتي الشخصية مني أديبا وفنانا تشكيليا وخطاطا، وإن كانت أعمالي لاترى النور إلا بصعوبة شديدة بسبب إمكاناتي المحدودة.

ثم أخرج من درج سيارته كتابا يتضمن واحدة من مجموعاته القصصية ويحمل عنوان "سيمفونية الدم" وأهداني إياه، قائلا إن هذه المجموعة هي من وحي معاناته مع زوجته الراحلة المتوفاة بسرطان الدم.

حدثني عن الكثير من الأسماء التي عرفها أو قرأ لها من اليمنيين كالبردوني، وزيد مطيع دماج، وعدد من كتاب القصة، وكيف أن كتاباتهم نقلت إليه عالم اليمن بكل تفاصيله دون أن يُغادر مجلسه، لكنه ختم حديثه بطلب السلام على المقالح إذا رأيته، وإخباره بأن رجلا بسيطا من جنوب لبنان يُحبه ومعجبٌ به ومتأثرٌ بشخصيته التي ألهمته فكرة السياحة الفكرية، والانتقال إلى العالم عبر الكتاب والمطبوعة.

وأن المثقف والمفكر والأديب الكبير يمكن أن يكون بسيطا ومتواضعا، وبأن الإنسان البسيط المتواضع يمكن أن يكون أديبا ومبدعا.!

*إعلامي ومدير المركز الثقافي اليمني بالقاهرة

زر الذهاب إلى الأعلى