[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

كارثية اكتساء الحراك باللون الأحمر

جاءت التصريحات الأخيرة الصادرة عن قائد ما يعرف ب"كتائب سرو حمير" طاهر طماح، لتسجل نقلة فارقة في مسار الأحداث والتفاعلات التي تشهدها المحافظات الجنوبية في اليمن، فهو أكد أن كتائبه التي تنتشر في أرجاء متفرقة من الجنوب، قد قامت بعدة عمليات استهدفت قوات الأمن المركزي وغيره، وهي التي اختطفت جنديين - السبت الماضي- احتجاجاً على اعتقال السلطات اثنين من أفراد "الكتائب"، في وقت سابق.

وقال إذا كانت السلطة حريصة على حياة الجنود -كما هي إسرائيل حريصة على حياة الجندي شاليط- فعليها إطلاق سراح أسرانا.

وأضاف أن حياة الجنديين ستكون في خطر في حال عدم استجابة السلطة لطلبات الإفراج عن الأسيرين بسام السيد وهاني المشوشي.

وقال إن كتائبه المسلحة عبارة عن حركة مسلحة منفصلة عن الحراك، وإنها تتبنى خيار العمل المسلح لتحرير الجنوب. مضيفاً: نحن نريد تحرير بلادنا بالسلاح، ونؤمن أنه لا يتم التحرير إلا بالسلاح وليس بالنضال السلمي، لأننا في دولة متخلفة استولت على الثروة والسلطة.

واستدرك: لم نلجأ إلى العمل المسلح إلا بعد أن قامت السلطة بقتل العشرات من الأبرياء العزل، وزجت بالكثيرين في السجون واعتقلتهم من بين أطفالهم. لافتاً إلى أن اثنين من أبنائه معتقلان لدى الأمن السياسي؛ أحدهما عمره 16 عاماً، والثاني 15 عاماً، حسب المصدر الأمين.

وبقطع النظر عن تزامن عملية الاختطاف الأخيرة لكتائب طماح، وتصريحاته بعدها، مع بيان الحكومة الذي صدر بنفس اليوم، وربما في نفس اللحظة، وطالبت فيه الحكومة أحزاب المشترك بتسليم طماح ضمن 50 من "الجنوبيين" المطلوبين أمنياً على ذمة قضايا جنائية، باعتبارهم حلفاءهم، فإن الأوضاع في الجنوب مرشحة إلى الانزلاق إلى جحيم دوامة العنف والاحتراب والتمزق، ويتوهم من يعتقد بأن مسرح الكارثة سوف ينحصر في حدود ساحة المحافظات الجنوبية، فالجنوب أكبر من ذلك بكثير، وكذلك الحراك الجنوبي وإن صار ينحو، مع الأسف، إلى الاكتساء باللون الأحمر: الدم.

ولا شك أن هذا المنزلق الناتج عن استمراء السلطة في صنعاء اللعب بالنار، صار ينذر بتحول النار إلى إعصار جارف دفعت إليه سياسة الاستخدام المفرط للقوة والتقتيل والإفقار والحصار وتقطيع أوصال المحافظات، وما يمكن أن يدفع إليه التلويح بفزاعة الإرهاب، وربط معطى الحراك الجنوبي بالقاعدة، أو محاولة اختزاله بقائمة من المطلوبين أمنياً بقضايا جنائية.

إن هذا التهوين من شأن الحراك الجنوبي الذي يتحدى الوضع السياسي الراهن في اليمن، ويهدد بمفاقمة عدم الاستقرار، ينم عن قصور فادح وقاتل لما يعنيه الحراك الجنوبي، بعد أن ارتقى إلى مستوى المعضلة العنيدة لواضعي السياسات، وبعد أن تفاقم إلى مستواه الانفجاري، وصار يهدد بخلق بيئة ملائمة لتحرك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ولتجذره ونموه بقوة إذا ما أصبح الحراك الجنوبي أكثر راديكالية.

في هذا المنحى كان الخبير الأكاديمي المختص بالشؤون اليمنية ستيفن داي، قال إن الحراك الجنوبي يستحق اهتماماً أكبر من قبل الجهات الفاعلة دولياً، فهو أكثر بكثير من مجرد تهديد أمني مرتبط بتنظيم القاعدة. إذ هو أولاً، وقبل كل شيء، حركة سياسية تسعى إلى التعويض عن فشل عملية التوحيد في التسعينيات، والعجز عن معالجة المشكلات الكامنة والمتفاقمة في الجنوب.

وزاد: "من المهم تحقيق قدر أكبر من الثقل الاجتماعي السياسي خلف الحراك الجنوبي، لأنه يمثل تظلمات الناس الذين كانوا يسيطرون، حتى وقت قريب، على أراضٍ واسعة تمتد من أطراف شبه الجزيرة العربية إلى الحدود مع سلطنة عمان.

هكذا فإن الحراك الجنوبي يمثل مشكلة على عكس المعارضة المحلية الأخرى في البلاد، وهو يتطلب حلاً سياسياً لا عسكرياً أو حلاً على طريقة محاربة الإرهاب".

وفي السياق، قال داي إن على الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المعنية ألا تساعد صالح في حملة عسكرية موسعة على الجنوب (راجع "التحدي السياسي للحراك الجنوبي في اليمن"، ستيفن داي، أوراق كارنيغي، مارس 2010).

وكان لافتاً من الباحث الأمريكي استدعاؤه تجربة انهيار الدولة في العراق وتحوله إلى ساحة لاجتذاب عناصر الإرهاب الدولي، رغم أن الشيء الأجدر بالذكر كان تجربة الصومال الذي تقطع إلى أوصال بين أمراء وميليشيات الحرب، فهي الأقرب والأكثر شبهاً وقدرة على إغواء "الدولة" في اليمن بمجاراتها بالفشل الذريع والمرتبط بعمق بالحراك الجنوبي، وقضية الجنوب هي أكثر ما يستدعي ما آل إليه الحال في شمال الصومال.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى