[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

دور الأمن القومي المصري.. إلى أين؟

كما قالوا مصر هبة النيل ... واقع لمسناه، تكدست على أثره الحياة بأشكالها المتنوعة على ضفاف هذا النهر من الصعيد حتى أقصى الشمال ، وتركز على مساحة لا تكاد تقارن مع باقي الأرض شبه المهمشة.

ولا يخفى على أحد مكانة النيل بالنسبة لمصر ، وأثره على مجمل حياة المصريين ، ومن هنا كان تهديد ليبرمان بضرب السد العالي في وقت سابق له أبعاد ومعان كبيرة،ويعلم الجميع أن مصر ترتبط مع دول منابع النيل باتفاقية محاصصة منذ عقود، حدد من خلالها حصة كل دولة من هذه الدول غير أن بعض هذه الدول ونظراً لفهمهما لمدى حاجة أجيالها القادمة ، وأثر ذلك على استقرار أمنها القومي، عملت مؤخراً على تعديل هذا الواقع من خلال عقد اتفاقية جديدة دون توافق مع مصر والسودان ، علماً بأن ما يمر به السودان من أحداث وظروف صعبة تهدد مستقبله، كان لأسباب عديدة من أهمها رفضه لتخصيص جزء من مياه نهر النيل ل(إسرائيل).

الغريب في الأمر أنه سبق هذا الاتفاق عقد لقاء في مدينة شرم الشيخ المصرية لبحث هذا الأمر والانتهاء دون توافق على نسب المحاصصة الجديدة، تلا ذلك قرار جريء من دول المنبع بإعلان اتفاق رفضته كل من مصر والسودان دون أن نسجل موقفاً مصرياً يلائم ضخامة الحدث، الذي تم خلاله تهميش واستخفاف شديد لمصر وأمنها القومي، كما لم نسمع تهديداً من وزير خارجيتها كما سمعناه بكل وضوح بعد دخول أهل غزة المحاصرين إلى سيناء مهدداً بكسر أرجل الفلسطينيين إذا حاولوا دخول أراضيه متعللاً بحماية الأمن القومي المصري.

هذا المصطلح الذي نسمعه يتكرر وبكثرة من الساسة والإعلاميين المصريين عندما يتعلق الأمر بحدود غزة مع مصر والذي لا يتعدى بضع كيلومترات وما تطلب من بناء أكبر مشروع قومي للنظام المصري الحالي وهو الجدار الفولاذي وتحرك سلاح الهندسة وآليات الجيش المختلفة لبناء هذا السد السفلي المنيع مع قطاع غزة لتشديد الحصار وإسقاط الكيان الجديد المجاور، وهنا نتساءل عن ذلك المصطلح الذي لم نسمعه عندما يتعلق الأمر بقضايا ومصالح مصر الجوهرية والخطيرة فنقول للساسة في مصر:

إن الأمن القومي المصري يتحقق بالعمل على مواجهة (إسرائيل) العدو الحقيقي لمصر، والذي يهدد بقصف السد العالي ، ويمتلك أكبر منظومة نووية في الشرق الأوسط والمحافظ على تفوقه النوعي، لا أن يكون مكبلاً باتفاقيات تمنع تواجد أي جندي على جبهتها الشرقية بل وتمده بالغاز المصري بثمن بخس وتحرمه على غزة المحاصرة ، وتسمح لتجوال عملاء (إسرائيل) بكل سهولة ويسر على أراضيها تحت مسميات مختلفة، كما أن الأمن القومي المصري يتطلب جبهة فلسطينية قوية مجاورة لمصر وممانعة ل(إسرائيل) لا أن يتم محاربتها ومحاصرتها وتشديد الخناق عليها وملاحقة المقاومين وسجنهم وتعذيبهم وقتلهم والتحري عن أسلحتهم وعن الجندي الإسرائيلي الأسير شاليط.

إن أبجديات الأمن القومي المصري تتطلب العمل الجاد والسريع لإنجاز ملف المصالحة الفلسطينية ، والوقوف على مسافة متساوية من حركتي فتح وحماس وعدم الضغط على حماس لتلبية شروط الرباعية والتوقيع على ورقة المصالحة المجحفة بحقها.

كما أن الأمن القومي المصري يتطلب تحقيق الاستقرار لكافة جيران مصر لتعزيز أمنها القومي ، ولكن للأسف لم نجد أي بصمة للسياسة المصرية في السودان الذي يعاني أزمات تهدد مستقبله فتارة حرب الجنوب ، وأخرى أزمة دارفور ، وثالثة محاولة انفصال الجنوب.

كذلك فإن الأمن القومي المصري يتحقق باستمرار توفير الأمن لممر قناة السويس، حيث لم نر أي دور مصري لمحاربة القرصنة الصومالية والتي تهدد سلامة استخدام هذا الممر المائي المهم والحيوي لمصر كما لم نجد أي موقف سياسي مصري يسهم في إنهاء الصراع الداخلي في الصومال ، والذي يعتبر استقراره جزءاً من الأمن القومي المصري.

أما اليمن بوابة باب المندب المؤدي لقناة السويس، فعلى مدار أشهر الحرب الطويلة لم نجد أي موقف مصري فاعل لإنهاء الحرب إضافة لعدم الاكتراث لمخاطر الانفصال المتمثل في الحراك الجنوبي.

إن الأمن القومي المصري يتحقق من خلال سياسة راشدة تعي مصالح مصر والعمل على استيعاب الآخرين ، وليس من خلال السياسة المتمثلة في معاداة الأخوة.

يا سادة ، إن الأمن القومي المصري يكون بتشديد عرى التلاحم مع الأمة العربية والإسلامية لا أن يتم إنشاء غرفة عمليات إعلامية ضد الجزائر في حرب كروية تحشد طاقات مصر من أقصاها إلى أقصاها.

إن الأمن القومي المصري يتعزز باستقرار لبنان الذي لم نجد أي دور مصري في اتفاقية المصالحة بل على العكس كانت الحرب الإعلامية شرسة من مصر على قطر التي قادت هذه المصالحة ، وانتزعت زمام المبادرة للعديد من القضايا المهمة على المستوى العربي.

كذلك فإن الأمن القومي المصري يتطلب التقارب مع الدول الوازنة في المنطقة لا أن يتم معاداتها لمصالح أجندة غربية.

وقبل هذا كله نقول إن الأمن القومي ينبع من أمن المواطن ذاته ومنحه حريته لا أن يتم إرهابه وتكميم أفواهه وزجه في المعتقلات وتنصيب ثلة من الفاسدين وتسمينهم على حساب باقي الشعب ومقدراته.

وأخير نقول إن الأمن القومي المصري بحاجة إلى ساسة تفهم متطلبات هذا الأمن واحتياجاته وتقدر المصالح وتحدد الأولويات والخيارات لتكون جديرة بالريادة المزعومة.

زر الذهاب إلى الأعلى