أرشيف الرأي

تجليات المتاح

إذا أرادت المصالح الخاصة أن تكون أكبر من هذا المشروع فهي التي تتحمل بمفردها ما يصيب هذه الدولة من انتكاسه هذا هو المتاح اليوم أمام اليمنيين..

حرصت وأنا أفسر هذا العنوان أن يكون حديثا مرتبطا بتجليات الوحدة بمعنى أن تلك التحديات التي نعيشها اليوم والتي هي امتداد لمظاهر وتجليات عاشتها الوحدة في فترة مبكرة ولذلك حرصت أن أتحدث في هذا الموضوع في ثلاث مراحل على طريقة (فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) فواقع الوحدة اليوم لا يمكن تقييمه باعتباره أمرا مطاعا أو بالنظر بصلته أو قطيعته مع التاريخ ولكن ونحن نتحدث اليوم ونستعرض ولو بإيجاز هذا المتاح كيف تحول هذا المشروع بالأمس من مشروع عاطفي إلى مشروع سياسي وهل سار بشكل طبيعي بدون تحديات وصعوبات وتضحيات هذه الثلاث المراحل حتى عام «67م»..

وحتى لا نذهب بعيدا بشكل موغل في التاريخ وسنبدأ بفترات المعايشة التي عاشها جيلنا في الخمسينيات والستينيات وما هي التحديات والتحركات وكيف واجه هذا المشروع في هذه الفترة من 62-67م ولثورة سبتمبر وأكتوبر.

في هذه المرحلة نستطيع أن نقول أنه لم يكن قد تبلور مشروع الوحدة على الأقل سياسيا وكان اليمن بشماله وجنوبه غارقا في همومه تحت حكم الأئمة وتحت الاحتلال في عدن وتجزأت أكثر مناطق الجنوب إلى 23سلطنة ومشيخة ومستعمرة والتي كانت تسمى محميات في تلك الفترة ونستطيع أن نتحدث عن الدور الذي لعبته عدن في بلورة مشروع الوحدة من الناحية السياسية والثقافية المحلية التي كانت ترد إلى عدن مع القادمين من مختلف مناطق الجنوب أو بعض مناطق الشمال سواء البعيدة أو القريبة، كلها تأتي إلى عدن وكان هذا الملتقى الذي تتلاقح فيه الثقافات المحلية التي كانت تنتج وفي هذه الورشة التي بدأت بصورة مقدمات سياسية واقتصادية ونقابية وثقافية وفكرية تصنع هذا المشروع الوحدوي في إطاره السياسي، صحيح أن الناس كانوا يتحدثون بانتماء بهذا القدر أو ذلك وكانت تتشكل على الصعيد الآخر فجوات هائلة كبيرة وكان الآتي من مناطق الشمال يطلق عليه يمني ومن مناطق الجنوب الداخلية يطلق عليه بدوي، هذه التقسيمات التي عكستها الثقافات المحلية التي كان لعدن بحكم الإرث الثقافي والاقتصادي والعمالي إنتاج هذا الوضع الجديد الذي نشئ وأنتج المشروع الوحدوي من صفته العاطفية إلى صفته السياسية.

في عدن تشكلت الجمعيات والأندية التي كان لها طابع اجتماعي وسياسي في صورتها الاجتماعية والثقافية وإن أخذت بعض الأحيان الواجهة أو العنوان المحلي لعبت دورا فاعلا في تلاقح الأفكار في الحوار وتقارب الثقافات المختلفة وهنا لابد أن نتحدث عن مسألة غاية في الأهمية وهي المتعلقة بتشكيل هوية الجنوب وفي الشمال لم تكن هناك مشكلة في الهوية فالوضع يمني معروف ففي الجنوب ونحن نستعرض اليوم التاريخ نتحدث عن الوحدة كمشروع وكحاضر لم تكن متمثلة بهذه السهولة كان يتنازع الجنوب هويات مختلفة وكانت تضع علامة فارقة ما بين الهوية اليمنية التي جاءت كمشروع سياسي مع الهويات المحلية «اللحجي والعدني والعوبلي والحضرمي... الخ كانت الهوية مرتبطة بالإطار الجغرافي والسياسي للسلطنات المختلفة والإمارات ثم بعد ذلك بدء الانتقال من الحديث عن الدور الذي لعبته عدن في هذا التلاقح وعن هوية الجنوب العربي يومها وكانت أعلى قليلا من الهويات المحلية المختلفة عادت المحاولة مع الهويات في الجنوب في إطار العمل السياسي المستمر في إنتاج هوية أكبر لهذا الجزء من البلد وانتهى بمشروع الاتحاد الفدرالي الذي قدمه الإنجليز عام 59م وكان هذا المشروع يراد له أن يكون بديلا للهوية اليمنية للجنوب ولكنه ووجه بقوة وبسياسة وطنية واسعة وخرجت المظاهرات من كل أنحاء عدن وزحفت على ما يسمى آنذاك بالمجلس التشريعي في عدن وكانت المظاهرة الطلابية وسقط شهداء وكانت المقاومة ليس لدمج الجنوب في هذه الهوية لاعتقاد الناس وإيمانهم بأن هذا التشكل السياسي كان الهدف الأساسي منه هو إحلال الهوية اليمنية للجنوب وتشكيل قطيعة سياسية وطنية مع الجزء الآخر من البلاد وأفشل المشروع بانتصار ثورة أكتوبر واستقلال الجنوب في 67م.

كان مشروع الوحدة يتبلور في الجنوب وسط النخب السياسية والثقافية في صور صراع مع مشاريع أخرى أقامها الاستعمار والسلاطين وبينما مشروع الوحدة الذي كان يتبلور في وجدان الناس «وكان صورة فعلا للوحدة الوطنية اليمنية يعايشها الناس في عدن» برغم محاولات السلطات الاستعمارية وسياستها التفريقية بوسائل مختلفة بين ما هو شمالي وعدني وجنوبي وكان في ثلاث فئات «عدن والآتين من المحميات في الجنوب وأبناء الشمال» أتحدث عن مشاهد تبلور هذا المشروع داخل الوجدان الشعبي في مقاومة كل هذه المحاولات لإيجاد التواصل.

> أولا: انخراط الجماهير في النضال السياسي الوطني المقاوم للاستعمار ومشاريع التجزئة ومنها مقاطعة الانتخابات التشريعية في عدن التي كانت تستثني أبناء الشمال من المشاركة سواء بالترشح أو التصويت مثلا الانتخابات التشريعية 56-58م وما بعدها وصدور قانون يمنع أبناء الشمال من التصويت أو الترشيح حصلت مقاطعة واسعة لدرجة أن هذه الانتخابات أفشلت وكانت هذه واحدة من التغيرات السياسية وليس الوجدانية فقط التي بدأت تنقل بالوعي الاجتماعي للوحدة ونجحت هذه المقاطعة في أكثر من مناسبة بصورة عبرت عن تبلور الموقف السياسي والجماهيري الرافض للتجزئة

> ثانيا: انخراط الجماهير في النضال السلمي المقاوم لمشروع الاتحاد الفدرالي عام 59م ولعبت النقابات العمالية والاتحادات الطلابية والمهنية والمرأة في هذه الفترة دورا مهما وأخرجت قيادات نسائية رائعة كانت همزة الوصل للعمل الاجتماعي النسوي والعمل النسوي وكانت هذه واحدة من النقاط التاريخية الهامة في الصمود أمام المخطط “وسقوط شهداء أمام المجلس آنذاك للتعبير عن هذا الرفض”

> ثالثا: انخراط أعداد كبيرة من أبناء قبائل الضالع والصبيحة وردفان ولحج وحضرموت والمهرة وشبوة، للدفاع عن ثورة سبتمبر وتشكيل كتائب الدفاع عنها ومن أهم المشاهد لبلورة مشروع الوحدة السياسية قيام المئات من أبناء هذه المناطق للالتحاق بالكتائب عندما كان الاستعمار يقوم بترحيل أبناء الشمال من الشوارع بسيارات فكانوا يلتحقون بها ليجدوا مواصلات لإيصالهم إلى تعز ومنها الالتحاق بتلك الكتائب وشكلوا كتائب لوحدهم وضرب العديد منها في نقيل “يسلح” واستشهد أكثر من 30من أبناء الجنوب حينها لمحاولتهم فك الحصار عن صنعاء من الناحية الجنوبية.

> رابعا: انخراط أبناء الشمال في ثورة أكتوبر في الجنوب بالعمل الفدائي على وجه الخصوص ضد الاستعمار وكان أول شهيد فيه (عبود) من شرعب سمي يوم استشهاده (11فبراير) يوم الشهداء.

شكلت تعز الخلفية اللوجيستية لانطلاق 14أكتوبر وباختصار يمكن القول أن هذه المرحلة شهدت صراعا مصيريا بين العوامل التي أنتجت شروط الوحدة وبين عوامل أخذت تدفع نحو التجزئة.

> خامسا: المشاريع التي كان يدعمها الاستعمار ومنها المشروع الفيدرالي.

> سادسا: غياب موضوع المشروع السياسي في برنامج النظام الحاكم “الأئمة” ناهيك عن أن هذا النظام أنتج وضعا تفكيكيا على مستوى اليمن بشكل عام.

> سابعا: انشغال سلطة الحكم في صنعاء بعد الثورة بتحديات لم تمكنها من مشروع سياسي للوحدة لدرجة أن الوحدة لم تكن بالنسبة لها غير خطاب تحريضي لمواجهة بعض التحديات التي كانت تأتيها من الجنوب وظل الخطاب يتحدث عن إلحاق الجنوب بالوطن الأم وظل هذا الخطاب السائد في مرحلة معينة لم ينتج مشروعا سياسيا حقيقيا واستمر خطاب السلطة في صنعاء حتى بعد ثورة سبتمبر وكان يتحدث عن إلحاق الفرع بالأصل بالتالي أحدث ردة فعل للنخب السياسية والثقافية في الجنوب في مرحلة معينة في حين كان يتبلور مشروع الوحدة على قاعدة التكافئ بين شطرين، كانت هذه النخب قد جاءت بعد ثورة سبتمبر بطرح عودة الفرع للأصل وحدث نوع من التباعد بين النخب التي كانت مرتبطة بفكر ثقافي وسياسي موحد من حركة القوميين العرب والبعث وقوى اليسار هذه القوى التي بدأت تنتج فكرا سياسيا استطاعت في الأخير أن توازن وبالتالي تخترق هذا التباعد الذي كان تنابزا بالألقاب بين من يرى أن الجنوب هو جزء من الشمال وردة الفعل بأن الجنوب ليس له علاقة بالهوية اليمنية وهذه المواقف بدأت تطرح هذه المشاريع السياسية لمواقف مختلفة

> ثامنا: التجزئة الثقافية المحلية في سلطنات الجنوب والتي كانت عقبة حقيقية أمام مشروع الوحدة.

تاسعا: النخب في الشمال كانت تنظر فقط لتحرير الجنوب لضمه للأم ولم تكن تهتم بالتفاعلات السياسية والاجتماعية التي كانت تجري في الجنوب من أجل تثبيت الهوية اليمنية وهذه أهم قضية في قضية الصراع من أجل الوحدة والتي لم يعشها الشمال بقدر ما عاشها الجنوب ولم تنظر النخب السياسية والثقافية في الشمال إلى القيمة الفعلية في هذا الصراع الذي كان يدور من أجل تثبيت الهوية اليمنية في الجنوب في تلك المرحلة.

المرحلة الثانية:

منذ عام 67م وما الذي حدث منذ استقلال الجنوب وجعل الناس في تلك الفترة يتوقعون أن يطلق على الدولة الجديدة اسم الجمهورية اليمنية لاسيما وقد جرى تكثيف هذا الاسم في الوعي السياسي وحملت الجبهتان من الجبهات التي ناضلت من أجل التحرير وهي الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل «لاحظوا هذا الاسم»، ثم جاءت في ما بعد جبهة التحرير أيضا لتحرير الجنوب المحتل ثم تكريس تسمية الجنوب اليمني في الوعي السياسي إذ توقع الناس ليلتها تسمية الجمهورية الجديدة ب «جمهورية جنوب اليمن» وماذا حدث، سميت الجمهورية اليمنية الجنوبية الشعبية ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السبب الرئيس وراء هذه التسمية حقيقة كان له صلة بهذه المفاهيم التي كانت حول موضوع الوحدة.

وهنا جانب سياسي في الموضوع أنه عندما أطلق على جمهورية اليمن الديمقراطية بمعنى أن مضمون الوحدة القادم يكون متكافئا بين الشطرين وأن هذه الوحدة لا يمكن أن تقوم بدلالة اللفظ القديم على أساس إلحاق الجزء بالكل وطبعا بدأت هذه المشكلة تجر نفسها من جديد بين النخب السياسية بين السلطتين فيما بعد وبعدها بدأت مرحلة مختلفة من مراحل بلورة مشروع الوحدة في إطار الصراع لأن هناك من قال لماذا لم تتحقق الوحدة مباشرة بعد الاستقلال لأن اليمن واحد ووحدوية الثورة كما يقال، ومحاولة البعض أحيانا تسريع هذه المواقف ببراهين سطحية، وبالنظر للوضع القائم يومها في اليمن يضعنا أمام إشكاليات منها:

السلطة في صنعاء قبل الاستقلال في سباق الصراع القائم بين الجبهة القومية وجبهة التحرير انحازت لجبهة التحرير وهو موقف ملحق بالموقف المصري وحقيقة التباعد بين الجبهتين القوميتين اللتين كانتا تقود النضال المسلح في الجنوب ونخبة الحكم في صنعاء لم تسمح بأي تقارب سياسي في مرحلة معينة من تلك المراحل.

الوضع في الشمال كان الملكيون محاصرين صنعاء 67-68م وكان الوضع ينذر بسقوط صنعاء في أيدي القوى المعادية وبالتالي وضع مربك نظرت له السلطة الحاكمة في الجنوب في إطار تحقيق الوحدة بأنه مستحيل.

عندما نتحدث في هذا الموضوع لكل طرف من الأطراف السياسة التي عاصرت المرحلة وفي ظل ذلك الوضع السائد آنذاك له مبرراته ولكن لأبد لأي محايد أو مؤرخ أن يقرأ الواقع كما كان آنذاك.

بعد أن أخذت الأوضاع في الاستقرار تشكلت جمهوريتان الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وبدأ النظامان يتجهان في مسيرات مختلفة لاستقطاب الوضع السياسي في المنطقة بشكل عام وبدلا من أن يتكاملا باتجاه الوحدة كان كل طرف يرفع شعار الوحدة ولكنه كان يريد تحقيقها بخياراته السياسية الأيدلوجية بمعنى أن هذا المنطق يقول « لن تتحقق إلا بإسقاط أحد هذين النظامين» ففي المرحلة الأولى كانت مواجهة عسكرية بين الشطرين في عام 72م والجميع يرفع شعار الوحدة وانتهت بلا شيء بل بمزيد من الفرقة والتباعد والحروب وبعدها تم التوقيع على اتفاق القاهرة وبيان طرابلس وبعد كل حرب كان يتجه اليمنيون نحو الوحدة حيث كانت الملاذ- هروب اليمنيين إلى الوحدة طبعا كان على ورق وكانوا شعوريا يجدون أن المخرج الوحيد هو الوحدة.

المواجهة الثانية عام 79م وهي الحرب التي انتهت باتفاقية الكويت كانت أرقى من حيث الشكل والمضمون من بيان القاهرة وطرابلس في هذه الاتفاقية في الكويت 79م حيث لم تأت بخيار سياسي وعسكري مفتوح ولكن عبر إنتاج مصالح مشتركة للشعب اليمني في الشمال والجنوب هذه النقطة في غاية الأهمية كانت تقول: لكي نبني قواعد متينة للوحدة لابد من بناء هذه القواعد في داخل مصالح الناس ونشأت شركات مشتركة في مجال النقل البري ومجال الزراعة ومجال التجارة من خمس إلى ست شركات وبدأت تؤسس نظرة جديدة بشكل جديد، حقيقة شهدت الأوضاع نوع من الاستقرار وبدأ الحديث عن موضوع إنتاج مصالح ولو بشكل بسيط هذه الفترة استمرت فترة طويلة من عام 72 إلى عام 86م عندما حصلت الأحداث في عدن وأخذ الشمال موقف خصم للسلطة التي جاءت بعد 86م وتوقفت الاتصالات والعلاقات 3سنوات فما الذي حدث في محطات الوحدة؟

تحديات الوحدة..

كانت تحديات الوحدة تنشئ من حسابات الدولتين القادمتين حين كانت إرادة الشعبين شيئا معادلا لمسار الوحدة واتجاهها وصيرورتها وكانت مصالح النظامين تتجه في اتجاهين مضادين للوحدة وكل يوم كان هناك تباعد لكن هذا التباعد بشيء من الوجدان الشعبي كان الناس يتجهون لمزيد من التقارب ربما لفشل النظامين السياسيين في إنتاج تنمية حقيقة في الشمال والجنوب وكان الناس يؤمنون أن الوحدة هي المخرج من المأزق وبذلك خرجت الوحدة من حساب النظامين وخاصة بعد أن اتضح أن من الصعب تحقيقها إما بالضم أو الإلحاق وعودة الجزء إلى الكل كما كان يقال في صنعاء أو بخيارات النظام السياسي في الجنوب.

المواجهة الأخيرة في هذه الحقبة هو الصراع حول حقول النفط بعد انتهاء نفط مأرب بعد اكتشافه عام 84م وبدء الشمال ينتبه للنفط الموجود في الجنوب وخاصة المناطق التي كانت تسمى مناطق الحدود وكانت نزاعات كثيرة بدأت باكتشافات كثيرة في المناطق الشرقية في بيحان ووادي جنة عبر تشكل مناطق تماس ومواجهات عسكرية يومية، كانت تسير جنب إلى جنب مع المفاوضات والمباحث بشأن الوحدة: هذه الفترة توقفت بين الشطرين من 86م حتى 89م وكان الوضع في حالة استقطاب وتنافر مستمر وفي 89م جاء الرئيس علي عبدالله صالح في زيارة لعدن بعد خصومة امتدت لسنوات كانت عبارة عن تشاورات عديدة للمواجهات العسكرية والنفط وتناولت طائفة من الموضوعات السياسية والفكرية والنفطية أي لم يكن الموضوع الأساس هو الوحدة كما كان يقال، وكانت الاتصالات قبلها أن كل طرف وضع رؤى «كنفدرالية وأشياء أخرى» والهدف الأساس هو إيجاد حل لمشكلة النفط في مناطق الأطراف والصراع الذي كان يؤجج على قاعدة أوسع للحرب السابقة قيل أن الشمال جاء وطرح مشروع فدرالي والجنوب طرح الوحدة الإندماجية والحقيقة هناك مبالغة في هذا الطرح، الإخوة في الشمال عندما طرحوا توحيد القوات المسلحة في أربع قطاعات سياسية يفهم منها مشروع فدرالي لكنه يتضمن مشروعا سياسيا واقتصاديا متكاملا بقدر ما كانت فكرة مطروحة والجنوب كان لديه مشروع بهذا المستوى لكنه كان يميل للكنفدرالية، حصل أثناء التعايش تقارب كان ينتج كل يوم في العقل السياسي والمواقف بعد ذلك تذكرته الأطراف كلها والذي هو من نتاج اتفاقية الكويت حينها تشكلت لجنة لصياغة الدستور اليمني الموحد واللجنة مشكلة من قانونيين وسياسيين من الشمال والجنوب وقيل حينها أن هذا المشروع الذي صيغ من هذه اللجنة لا يجوز التعديل فيه، وإذا قبله المجلس اليمني الأعلى المطروح من رئيسي الشطرين عليهم أن يقبلوه بكل ما فيه وبمجرد القبول به يعني إعلان الوحدة هذه هي اتفاقيات الكويت، استعجلت اللجنة وانتهوا من المشروع بسرعة وظل مجمدا عشر سنوات والناس نسوه، فهذا المشروع إنتاج عمل لفترة زمنية طويلة فكانت الموافقة على الدستور موافقة على الوحدة هكذا كان يقال بين الناس وفي عام 89م تم التوقيع على هذا الدستور من قبل المجلس اليمني الأعلى وبدأ الترتيب بعد ذلك لإجراءات الوحدة هذا للتذكير.

وبعد التوقيع برزت بعض الملاحظات وبعد المواد وكان واضحا أن أي تعديل سيفضي لتعديلات شاملة لكن في حينها ظل الدستور كما تم الاتفاق عليه في الفترة الانتقالية وبدأ إعلان الوحدة في 22مايو 1990م وتوحد اليمن وهتف الجميع للوحدة ورفعوا أيديهم لله سبحانه وتع إلى أن يعين البلد ومن قاموا على الوحدة.

ثم ماذا حدث؟

حققنا الوحدة ولكننا فشلنا أن ننتج الحامل السياسي لدولة الوحدة، فهذه القيادة التي تصدت للوحدة فشلت في إنتاج حامل سياسي لدولة شراكة وطنية لهذه الوحدة هذه هي جوهر المشكلة صفيت دولة الجنوب باعتبار انتقال حصل إلى صنعاء باعتبارها العاصمة وتمسك صنعاء بدولتها.

باختصار: التاريخ يعيد نفسه، وهذه المشكلة الوحدة كانت تحتاج لحامل سياسي حقيقي ينتج الشراكة الوطنية القائمة على أساس شراكة في الحكم والثروة لكل أبناء الجنوب والشمال، فالشمال كان دولة والجنوب أنتج جوهر المشكلة التي هي قائمة لليوم.

فيما يخص هذا الموضوع نقول باختصار: في ضوء ما هو متاح لليمنيين مع الأزمة القائمة التي تهدد البناء وتعيد التفكك الثقافي والسياسي هل يقدر الناس أن يتنازلوا لمصالح الوحدة، وبناء الدولة القادرة على أن تحميها؟

نستطيع أن نقول أن هذه الوحدة مصانة كما صانها الناس في وجدانهم طوال الحقبة الماضية باعتباره مشروع الأمل الذي ناضلوا من أجله، لا توجد صعوبات حقيقية في أن تُنتج هذه الدولة، إلا إذا أرادت المصالح الخاصة أن تكون أكبر من هذا المشروع فهي التي تتحمل بمفردها ما يصيب هذه الدولة من انتكاسه هذا هو المتاح اليوم أمام اليمنيين.

.............................

(8 ) مداخلة قدمت في ندوة «الوحدة... إلى أين» التي أقامتها دائرة المرأة بالإصلاح

زر الذهاب إلى الأعلى