[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

فرصة أخيرة سانحة للإنقاذ

للحوار السياسي في الذاكرة اليمنية القصيرة ذكريات غير سعيدة، فهو يستخدم كمخدر موضعي للمشاكل التي تواجه الاطراف السياسية اليمنية، ولا يفضي إلى حلول نابعة من نتائج تلك الحوارات..

ومنذ مايو 1990م خاضت الاطراف السياسية جولات من الحوار السياسي حول قضايا مفصلية،لكن نتائجها كانت كارثية ويحضر هنا الحوار حول وثيقة العهد والاتفاق والتي وقعتها جميع الاطراف السياسية اليمنية برعاية دولية في العاصمة الاردنية عام في فبراير 1994م، إذ بدلا من ان تطوي تلك الاتفاقية صفحة الصراع السياسي، فاحت الباب على مصراعية باتجاه حرب شاملة بين الاطراف اليمنية التي انقسمت على نفسها في إعادة لفرز مناطقي يستند على ما قبل 1990م لتدخل اليمن في دوامة حرب صيف 1994م،والتي لا زالت البلد تعاني من تبعاتها الكارثية.

الحياة السياسية في اليمن معطلة تقريبا منذ أخر انتخابات برلمانية اجريت في 2003م أسفرت عن امتلاك الحزب الحاكم لاغلبية مطلقة في البرلمان اتاحت له الانفراد في الساحة السياسية،وجعلت المعارضة في موقف المتفرج السلبي،فاقدة للقدرة على القيام بخطوات كبيرة باتجاه العودة للحياة السياسية،وتصحيح الاختلال الذي افضى إلى نتائج مروعة في العملية السياسية،حيث شهدت البلاد ست حروب كبيرة في صعدة نجمت عنها خسائر تفوق قدرة الخزانة اليمنية على دفع ثمنها هذا على الصعيد المادي، بينما ستظل الاثار النفسية والمعنوية والاجتماعية عصية على العلاج لفترة غير منظورة.

وفي الطرف الاخر من اليمن تسربت خيوط السيطرة من بين اصابع السياسيين وفقدت الاحزاب السياسية قدرتها على الامساك باي من خطوط تلك العملية التي بدأت شرارتها عندما رفضت السلطة الاستماع للاصوات المنادية بضرورة معالجة أثار حرب 1994م،وأسهمت الاحزاب السياسية خارج السلطة في تفاقم المشكلة بسبب تخليها عن القيام بواجبها تجاه قضايا المواطنين،وانشغال تلك الطرفين في دخول معارك جانبية بهدف تحقيق مكاسب صغيرة ومحدودة، في تجاهل واضح لمسئولية الاحزاب تجاه المواطنين بمختلف انتماءاتهم ومناطقهم الجغرافية، وظهر موقف المعارضة متباينا ولا أخلاقيا في مواجهة تلك التحديات حيث ظهر اللقاء المشترك مثقلا برصيده من التباينات السياسية التي سيطرت على علاقات تلك الاحزاب في مراحل سابقة.

وفي مواجهة الغياب الحزبي لجأ الناس في صعدة وعدد من المحافظات الجنوبية للتعبير عن انفسهم خارج تلك الأحزاب، وكان الاتجاه نحو العنف عنوانا لدفاع تلك الحركات عن نفسها كبديل لتخاذل الأحزاب عن الوقوف إلى صفها.

أفرزت تلك التحولات واقعا مغايرا عن ما كان مألوفا ونجم عنها فرض تلك الأطراف لنفسها كأرقام يصعب تجاهلها على الواقع وليس من الطبيعي استثنائها في أي حوار سياسي تقدم عليه الأطراف السياسية، فهى ترى ان الأحزاب الموجودة لا تعبر عنها ويجب الاستماع لمطالبها التي أصبحت أمرا واقعا.

ومن أجل نجاح أي حوار لا بد لوجود الثقة بين الإطراف اليمنية معززة بقبول جميع أطراف الحوار بنتائج الحوار والعمل على تنفيذه .

قد يكون الحوار اليمني – اليمني بوابة الاصلاح السياسي في اليمن ومدخلا لخروج البلد من دوامة أزماته التي تنبئ بمستقبل قاتم الملامح، لن ينجو منه أحد.

وهو طريق الخلاص الاقل خسارة بدلا من وضع البلد تحت الوصاية الدولية، واسناد مفاتيح اللعبة السياسية لاطراف خارجية بالتأكيد ستكون لها اجندتها الخاصة التي قد لا تناسب طموحات التكتلات السياسية اليمنية، والتي أظهرت مؤشرات تدل على انها ستنحاز للطرف القادر على حماية مصالحها أولا، وإبقاء الأوضاع تحت السيطرة ولو على حساب الممارسة الديمقراطية والحريات العامة.

التصرفات السياسية التي نجمت عن دعوة الرئيس علي عبد الله صالح قد لا تبدو مشجعة أو مثيرة للتفاؤل فاستمرار إسناد الحوار من قبل اللقاء المشترك للجنة فرعية برئاسة حميد الاحمر الذي لايمتلك شرعية سياسية وحزبية تخوله من تمثيل المعارضة في حوارها،أنطلق من هنا ان الحوار يأتي بين احزاب سياسية على مستوى القمة وليس على مستوى تكوينات فرعية لا تمتلك القدرة على جعل الاحزاب بمختلف مكوناتها تلتزم بنتيجة الحوار، لذا على اللقاء المشترك ان يدخل في حوار مباشر مع الحزب الحاكم على مستوى القمة.

دعوة الرئيس ليست هي الاولى منذ اتفاق فبراير 2006م كما ان استجابة المعارضة لها ليست هي الاولى، لكن تلك الدعوات سرعان ما تتعطل بسبب خلافات إجرائية ظاهريا، وبسبب إنعدام الجدية والرغبة الكاملة لدى الحزب الحاكم والمعارضة في الدخول في حوار يفضي لحلول، وبسبب تطرف وتصلب الطرح والرؤى السياسية.

اذا اقتصر الحوار على مسودة اتفاق فبراير وتم تجاهل القضايا الاخرى التي تضمن اجراء تسويات سياسية للملعب السياسي اليمني من شماله إلى جنوبه فإنه لن يصمد طويلا على الواقع العملي.

إجراء الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات ووضع اللجنة العليا لا يجب ان تكون محور الحوار وغايته، فهناك قضايا أكثر حساسية وعمقا بحاجة للوقوف ورائها .

يظل الرئيس هو اللاعب الاكثر اهمية في هذا الحوار فهو الطرف الممسك باكثر أدوات الفعل السياسي ويمتلك غالبية مفاتيح الاداء واتخاذ القرار على مستوى الحزب الحاكم أو أداء أجهزة السلطة بموجب صلاحياته الممنوحة له دستوريا وقانونيا وحتى بحكم خبرته الطويلة التي بموجبها إنفرد بالتحكم بغالبية مفاتيح إدارة اليمن وادارة التحالفات فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى