[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

توضيح رابع للحراك

بعد اكتمال ردود الافعال على خطاب الرئيس بالذكرى العشرين للوحدة كما يقولون، والذكرى العشرين لاسقاطها كما يقول الواقع، وبعد مؤتمر اللجنة التحضيرية للحوار الوطني الشامل وما سمعناه عنها، كان لابد من توضيح التالي:

أولاً: قبل خطاب الرئيس اتصل بي بعض الاخوان عن توقعاتي لما يمكن ان يأتي به الرئيس حول القضية الجنوبية. وقلت لهم لا اتوقع ان يأتي بجديد، لان النظام برمته لا يفهم من الوحدة غير اسمها، والاسم بدون المضمون لا يعني وجودها. فكما قلت سابقا بان اسم والدي رحمه الله موجودا، ولكنه غير موجود.

وطالما والنظام لا يفهم من الوحدة غير اسمها، فان فاقد الشيء لا يعطيه. فدعوة الرئيس للحوار مشروطة بدستور الحرب وقوانينه ومؤسساته، وفي هذه الحالة على ماذا يحاور الجنوبيين؟؟؟. فهو ينطق بكلمة الوحدة لغويا ويرفضها عمليا. فعندما يصر على واحدية اليمن الجنوبية واليمن الشمالية، وعلى واحدية تاريخيهما وثورتيهما ويقول بان الوحدة بينهما هي وحدة وطنيه وليست وحدة سياسية بين دولتين، فانه بذلك ينكر الوحدة منطقيا ويرفضها عمليا. حيث ان الوحدة لا يمكن ان تكون وحدة الواحد.

كما ان كذبة الواحدية هذه تجعل من المستحيل فهم القضية وفهم حلها، ثم ان هذه الكذبه قد جعلت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تكون شمالية بامتياز. فقد اصبح الاقتصاد شماليا والثقافة شمالية والسلطة شمالية والمعارضة شمالية والاحزاب شمالية ووسائل الاعلام شمالية، وحتى مراسلي الاعلام الخارجي شماليين..... الخ.

وهذا ما أدى إلى التعتيم الاعلامي الشامل على ما يجري في الجنوب، باستثناء بعض الصحف الاهلية ومنها صحيفة الوسط المحترمة. وفي هذه الحالة اين هي الوحدة التي يتحدثون عنها؟؟؟. فقد ظللنا خمسة عشر سنه نحاول اقناعهم بان الحرب عطلت مسار الوحدة، وانه لا بد من ازالة اثار الحرب واصلاح مسار الوحدة ولم يقبلوا، واليوم عليهم هم ان يقنعونا بقبول ذلك. واذكر ان الاخ العزيز يحيى الشامي قد اتصل بي اثناء التحضير للانتخابات النيابيه عام 1997م وقال: الرئيس طلب لقاء مع الاحزب وسأذهب انا وانت، لان مقبل وجار الله غير موجودان. وقلت له اذهب انت واحمد علي السلامي، لانني كنت اريد اللقاء يكون شمالياً خالصاً.

وعند عودتهما من اللقاء جاءني، وقال: اعطوا لنا العدد الذي طلبناه في اللجان. فقلت له: عندما كنتم تناقشون هل فكرتم من اين انتم؟؟؟. فقال: من كل الاحزاب. فقلت: اقصد جغرافيا. فغضب وقال: انت لا تعرف شيئا عن الحركة الوطنية. فقلت له: سنحوّل بيوتنا إلى مدارس لتوعية اولادنا بقضيتهم. فغضب اكثر وغادر منزلي، مع انه من افضل اصدقائي في الحزب حتى الان. فلم يخطر في بالي بان اي انسان لديه ذرة من العقل في السلطة أو المعارضة ان يذهب إلى الانتخابات بدون المصالحة مع الجنوبيين، ناهيك عن الحزب الاشتراكي الذي كان يقود الدولة في الجنوب وكان طرفا في الأزمة والحرب.

فقد صدمت اكثر من صدمة الحرب وتأسفت على ما قدمه الجنوب للحركة الوطنية في الشمال وبالذات حزب الوحدة الشعبية (حوشي) والجبهة الوطنية. فقد اكتشفت باننا خُدعنا منذ استقلال الجنوب، لانهم ظلوا لمدة 30 عاما يقنعونا بزوال نظام صنعاء واصبحوا بعد حرب 1994م يقنعونا بقبوله في الجنوب، رغم انهم ظلوا معززين مكرمين في الجنوب وكانوا يعيشون في بحبوحة كما قال الاخ الرئيس علي ناصر محمد، بينما المعارضة الجنوبية الهاربة في الشمال لم يسمح لها حتى بنصب خيمة للسكن.

ثانياً: ان خطاب الرئيس الذي نحن بصدده هو اصلا موجه للخارج اكثر منه للداخل، وهو محاولة مكشوفة للهروب من القضية الجنوبية ومحاوله لدفنها. فبحكم ان النظام يعتقد بانه ذكي وغير غبي، فانه يريد ان يقول للعالم بانه ادى ما عليه ورمى الكره في ملعب غيره. وبالتالي يكون ذلك مبررا امام العالم لقمع الاحتجاجات السلمية في الجنوب، مع العلم بان الاجهزة الامنية والعسكرية الشمالية مشبعة بالحقد ضد الجنوب.

ولهذا وحتى نكشف حقيقة النظام ونسقط مبررات القمع الامني في الجنوب، فاننا نطلب من الاشقاء العرب وفي المقدمة دول الخليج بان يقنعوا النظام بالوحدة فعلا لا قولا، بحيث يسلم بانها وحدة سياسية بين دولتين وليست وحدة وطنيه بين اطراف من دوله واحده، وان يسلم بان اليمن ككل كانا يمنين، هما: اليمن الجنوبية واليمن الشمالية، وانهما كانا بدولتين وهويتين وطنيتين وبتاريخين سياسيين كما كان في الواقع وكما هو موثق في المنظمات الدولية إلى يوم اعلان الوحدة، وان يسلم كذلك بان الجنوب ملك لاهله وليس ملكا لغيرهم، وان يجلس للحوار مع الجنوبيين على هذا الاساس.

فاذا ما نجحوا في ذلك فانهم يكونوا قد حلوا القضية واوجدوا الاستقرار في اليمن، واذا ما فشلوا، فاننا نطلب منهم ادانة النظام وتأييد مطالبنا. واذكر بانني قد تناولت هذا الموضوع مع معالي وزير الخارجية العماني الاخ يوسف العلوي عندما هُزمنا في الحرب وخرجنا إلى سلطنة عُمان، واستقبلني وكل من الاخوه: عبدالعزيز الدالي، ومحمد سعيد عبدالله ( محسن ) وصالح عبدالله مثنى، وسالم جبران، ومصطفى العطاس، ومحمد سالم كده، وقلت له: لسنا مختلفين حول الوحدة من حيث المبدأ، وانما مختلفين على مفهومها. فهم يرونها وحدة وطنيه وكأنها بين أطراف من دوله واحده، اي عودة الفرع إلى الاصل كما جاء في رسالة علماء دين صنعاء اثناء اعلان الوحدة وكما تأكده الممارسة العملية، ونحن نراها وحدة سياسية بين دولتين كما جاء في اتفاقيات الوحدة التي تم اسقاطها بالحرب، والان وبعد كل ما جرى وبعد معرفة نواياهم ليس هناك من حل غير الحل الفيدرالي. وقال الاخ يوسف: هذا الذي سيكون ولكن ليس وقته، فقد كان امام علي عبدالله صالح عقبتان، واجتاز الاولى وباقي الثانية، ونحن واثقون من قدرته على اجتيازها. هكذا قال الوزير العماني.

ثالثاً: ان الجديد بالنسبة للرئيس تجاه الداخل هو فقط في موافقته على اتفاق فبراير 2009م مع اللقاء المشترك والذي بموجبه تم تأجيل الانتخابات خوفا من فشلها في الجنوب. وهذا الاتفاق يتضمن احتواء الحراك الوطني السلمي الجنوبي من قبل اللقاء المشترك والوصول إلى حوار يكون طرفاه السلطة والمعارضة وليس الشمال والجنوب. ومثل هذا الحوار الذي ظهر باسم مؤتمر الحوار الوطني الشامل هو دفن أبدي للقضية الجنوبية، لان أي حوار يأخذ صفة السلطة والمعارضة وليس صفة الشمال والجنوب، هو طمس للهويه والتاريخ السياسي للجنوب وشرعنه لنهب ارضه وثروته وحرمانه منها. كما ان مثل ذلك يعتبر تنازلا عن قراري مجلس الامن الدولي أثناء الحرب وعن تعهّد صنعاء للمجتمع الدولي بعد الحرب.

ثم ان مثل ذلك ايضا يعفي النظام وحزب الاصلاح من مسئولية الحرب ونتائجها ومن مسئولية الفتوى الدينيه التي بررت الحرب وأدت إلى اسقاط الوحدة بالحرب. وفوق ذلك مازال علماء دين صنعاء يستخدمون الدين لصالح الشمال على حساب الجنوب وأصبحوا الان يفتون بان الوحدة فريضة. حيث تناسوا تعدد الدول الاسلامية وتعدد الدول العربية، وتناسوا تأييدهم لترسيم الحدود فيما بينها وآخرها حدود اليمن مع السعودية.

رابعا: ان ما يجري في الجنوب منذ حرب 1994م يشكل انقراضا لشعب كان دولة ذات سيادة، وعملية الانقراض هذه مارستها السلطة وعلماء دين صنعاء واحزاب اللقاء المشترك خلال السنوات الماضيه كلا بطريقته. وقد سبق وان قلنا في حينه بان تشكيل مجلس التنسيق الاعلى لاحزاب المعارضة سابقا، واللقاء المشترك لاحقا دون ان يعتذر حزب الاصلاح لشعب الجنوب على الحرب التي خاضها ضده، ودون ان يلغي فتواه الدينية التي بررت الحرب وأباحت الارض والعرض وحولت الجنوب إلى غنيمة على طريقة القرون الوسطى ومازالت باقية، هو لشرعنة الحرب ونتائجها ودفن القضية الجنوبية.

فلو لم توجد القضية الجنوبية لما وجدت مثل هذه التكتلات بكل تأكيد. واذا ما حلّت القضية الجنوبية أو دفنت لا سمح الله، فان هذه التكتلات لن تبقى قائمه الا بتحويل الاسلاميين إلى علمانيين أو العكس، وهذا دليل كافي على ذلك. وكما سبق ايضا وان قلنا بان مشاركة الحزب الاشتراكي في الانتخابات بدون ازالة آثار الحرب واصلاح مسار الوحدة، هي لتطبيع الوضع السياسي في الجنوب وشرعنة الحرب ونتائجها ودفن القضية الجنوبية ايضا. وقلنا كذلك بانه لا يجوز استخدام الحزبية في القضايا الوطنية، لان الحزبية تتعارض موضوعيا مع الوطنية بالضرورة.

خامساً: ان هذه التكتلات السياسية التي ظهرت بعد حرب 1994م قد وجدت بوجود الحزب الاشتراكي فيها كمحلل لقهر الجنوب، ولولا وجود الحزب الاشتراكي فيها لما وجدت مثل هذه التكتلات. فعلى سبيل المثال في الانتخابات الرئاسية عام 1999م حاول الرئيس علي عبدالله صالح، عبر احمد حيدرة سعيد واحمد عوض المحروق ولاحقا بن عرب، إقناع ((مقبل)) بترشيح نفسه كمنافس للرئيس باسم الحزب أو حتى بأسم المعارضة، ولكنه رفض. ومن جانب مجلس التنسيق الاعلى لاحزاب المعارضة في ذلك الوقت اجمع على ترشيح ياسين سعيد نعمان كمنافس للرئيس وهو مازال باقيا في دولة الامارات، ولكنه ايضا رفض.

وبعد ذلك استطاع جار الله عمر اقناع مجلس التنسيق الاعلى لاحزاب المعارضة بترشيح ((مقبل)) وهو في لندن للعلاج وطلب منه قطع العلاج والعوده فورا لتقديم طلب الترشيح قبل اغلاق باب الترشيح، وهذا ما جعل الرئيس يشك في عودة مقبل وفي قبوله للترشيح بعد ان كان رافضا، ووجه مجلس النواب باسقاطه وانجاح نجيب قحطان الشعبي كمنافس للرئيس وهو من حزب الرئيس، مما يدل على ان السلطة والمعارضة معا كانا يبحثان عن منافس جنوبي يعطي شيئا من الشرعية للوضع غير الشرعي في الجنوب. وفي الانتخابات الرئاسية عام 2006م أستأجر اللقاء المشترك الفقيد فيصل بن شملان رحمه الله كمنافس للرئيس من خارج اللقاء المشترك لنفس الهدف.

وهذا ما أكده بن شملان نفسه في حملته الانتخابية وفي الصحف. ففي مقابله له مع صحيفة النداء بتاريخ 18/1/2010م العدد (220) مثلا، قال: ان ما كان يزعجني اثناء الحملة الانتخابية هو حديث الرئيس عن الوحدة، لانه يوحي وكأنها لا تزال محل شك، وهذا شيء مؤلم رغم مرور هذا الوقت على قيام دولة الوحدة، وقال ايضا وهو مرشح اللقاء المشترك ويمثل سياسته: ان حديث الرئيس عن الوحدة بدا وكأنه يشكك في وجودها، وقال كذلك: انا دخلت الانتخابات من اجل التأكيد على ان الوحدة اليمنية يجب الا تكون موضع نقاش. وفي الاخير قال: انا أديت مهمة. هكذا قال بن شملان.

ولكونه قال هذا الكلام فقد خلق اللقاء المشترك له هاله اعلامية حتى اليوم. وبالتالي ماذا نسمي هذا العمل بالنسبة للقاء المشترك، وماذا نسميه بالنسبة لبن شملان رحمه الله؟؟؟. أفلم يكن الاول مؤامرة والثاني خيانة؟؟؟.

سادساً: ان نجيب قحطان الشعبي الذي رشحه الرئيس لمنافسته في الانتخابات الرئاسية عام 1999م، ومقبل وياسين اللذان رشحهما مجلس التنسيق الاعلى لاحزاب المعارضة سابقا لنفس الانتخابات، والفقيد فيصل بن شملان الذي رشحه اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسيه عام 2006م، واستاذنا الكبير محمد سالم باسندوة الذي تم احضاره قبل سنه لرئاسة اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل..... الخ، لم يكونوا جميعهم افضل ما في اليمن ولا اعتقد انهم ذاتهم يعتقدون ذلك ولا من رشحهم يعتقد فيهم ذلك، وانما لانهم جنوبيون يمكن ان يعطوا شيئا من الشرعية للوضع غير الشرعي في الجنوب. وبالتالي الم يكن هذا ضحكاً عليهم؟؟؟.

فلا نجيب صانع قرار لدى من رشحه، ولا مقبل وياسين صانعان قرار لدى من رشحهما، ولا فيصل بن شملان صانع قرار لدى من رشحه، ولا استاذنا الكبير محمد سالم باسندوة صانع قرار في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، ولا أي جنوبي في اي حزب صانع قرار باستثناء السيد عبدالرحمن الجفري في حزب الرابطة. وهذا ايضا ينطبق على كل الجنوبيين الموظفين مع السلطة. ومع كل ذلك وغيره الكثير فاننا نرحب باي صحوة ضمير لدى المعارضة أو لدى السلطة تجاه القضية الجنوبية ونمد ايدينا لهم من اجل ذلك.

سابعاً: ان اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني التي اختتمت مؤتمرها في الاسبوع الماضي قد حاولت ان تقول كلمة حق تجاه القضية الجنوبية، ونحن نرحب بذلك ونشكرهم عليه. كما اننا نبارك انضمام الحركة الحوثية وانضمام مجلس التضامن وحركة التغيير إلى مسيرة الحوار الوطني التي يقودها الشيخ حميد الاحمر، ونأمل بان يكون هذا الاصطفاف الشمالي للمعارضة عاملا مساعدا لإجبار النظام على الاعتراف بالقضية الجنوبية كقضية شعب كان دوله ذات سيادة، وذلك باتجاه الحوار مع الجنوبيين من اجل حلها على قاعدة الشرعية الدولية بموجب قراري مجلس الامن الدولي أو على قاعدة الشرعية الشعبية بموجب استفتاء شعب الجنوب على تقرير مصيره. وأقول لكل المنحدرين من الشمال والجنوب في الداخل والخارج بأنه لن يكون الا هذا الكلام شاءوا أم أبوا رغم ظروفي الصحية والمادية التي لا تسمح لي كثيرا بالحركة. فلا يمكن ان يكون غير ذلك الا في حالة واحة، وهي انهيار الدولة وصوملة اليمن فقط ولا غير وبالضرورة.

ثامناً: انني في الختام أقول لجميع الجنوبيين في الداخل والخارج بان القضية الجنوبية قد اصبحت حاضرة بقوه في الميدان، ولكنها ليست كذلك في الفكر والسياسة والاعلام. وهذه المجالات الثلاثة لابد من التركيز عليها في الايام القادمة حتى تواكب ما يجري في الميدان. ولابد من تطوير الحراك الوطني السلمي الجنوبي وتحويله إلى حركه سياسية تكون من حيث التنظيم مثل الحركة الشعبية في جنوب السودان. فلم تكن الحركة الشعبية في جنوب السودان تابعه للمعارضة في الشمال ولم تراهن عليها في حل قضية الجنوب، لان المراهنة عليها تجعل القضية تكون قضية سلطه ومعارضة بدلا عن قضية شمال وجنوب، وتجعل حاميها حراميها، رغم ان جنوب السودان لم يكن دوله قط ولم يدخل في وحدة سياسية مع الشمال كما حصل عندنا.

ناهيك عن الاختلاف الجذري بين آليّة حل أزمات السلطة وآليّة حل أزمات الوحدة. فآليّة حل أزمات السلطة هي في صناديق الاقتراع وليس غيرها، وآليّة حل أزمات الوحدة هي في الحوار بين طرفيها وليس غيره بالضرورة أيضاً. وبالتالي على الذين يعتقدون بأن الأزمة في اليمن هي أزمة السلطة بأن يعيدوا حساباتهم على هذا الاساس.

*نائب سابق لرئيس الوزراء

زر الذهاب إلى الأعلى