كتب يوسي بيلين، وزير العدل الإسرائيلي السابق، مقالا مثيرا في ال«نيويورك تايمز» دافع فيه عن المشروع النووي الأردني وانتقد موقف الحكومة الإسرائيلية المعارض له، ولام أيضا الحكومة الأميركية على مسايرتها طلب إسرائيل.
الأردنيون لم يخبئوا نيتهم بناء سلسلة مفاعلات نووية، فقد أعلنوها في مناقصة دولية لبناء المفاعل الأول. والهدف الوحيد الأكيد منه هو مد الأردن بالكهرباء، ولاحقا بيع الطاقة على الدول المجاورة. أما سر الاهتمام الأردني الطارئ بالطاقة النووية، رغم تكلفتها العالية، أنه اكتشف كميات هائلة من اليورانيوم تحت ترابه، التي وضعته في المرتبة الحادية عشرة عالميا بين دول العالم. وما دام أنه يمتلك اليورانيوم فإنه أولى به من غيره، باللجوء إلى الطاقة النووية. لكن الحكومة الأميركية قررت أن تضغط على الأردن لإجباره على شراء اليورانيوم المخصب من الخارج. تفكير غريب في أن يشك الأميركيون في الأردن تحديدا، بعد أربعين عاما من الخط السلمي، فهل يعقل أن ينفق الأردنيون مبالغ ضخمة لبناء قنبلة نووية وهم الذين لا يسمحون بسيارة مفخخة تكلفتها ثلاثة آلاف دولار لعبور الجسر نحو إسرائيل؟!
منع الأردن من بناء مفاعلاتها النووية - كما قال أيضا بيلين - عدا أنه يحرمها من حقها الذي تسمح به الاتفاقيات الدولية، أيضا يحولها من دولة داعمة دائما للسلام إلى بلد يشعر بأنه مثل بقية الدول الشريرة. فالأردن ليس إيران ولا كوريا الشمالية. منع إيران من بناء مشروعها النووي سببه سجلها السياسي الرديء جدا. مزاعم الحكومة الإيرانية ببناء طاقة نووية معروف للجميع بأنه غطاء لإنتاج سلاح ذري، يعززه سجلها الداعم للفوضى والإرهاب، ومع هذا من حق إيران استخدام الطاقة النووية بشرط أن تقبل برقابة كاملة وينزع منها حق التخصيب.
هذه الشروط والشكوك لم تلاحق دولة مثل باكستان، رغم أنها تحدت الجميع وبنت سلاحا ذريا. السبب أن السجل السياسي المسالم لنظام باكستان جعل بقية دول العالم تسكت عليها. وكذلك يفترض ألا يلاحق الأردن. وإذا كانت هناك دولة أخرى غير إيران يفترض أن يحال بينها وبين السلاح النووي أو حتى الطاقة النووية السلمية بسبب سجلها السيئ جدا في استخدام القوة، وإصرارها على رفض مشاريع السلام المتعددة، إلى جانب كونها الدولة الوحيدة في المنطقة الرافضة لتطبيق قرارات مجلس الأمن، فهي إسرائيل. ولو منع الأردن من حقه بناء مفاعل نووي فإن المجتمع الدولي مطالب بأن يعوضه بإمداده بحاجته من الطاقة مجانا. فالأردن لا يملك نفطا، ولا مالا، ولا يستطيع أن يستمر متكلا على مساعدات العراق والسعودية، عندما يتكرم عليه البلدان بنفط رخيص. ولا تزال مشتقات النفط هي أغلى فاتورة تدفعها الحكومة الأردنية في ميزانيتها اليوم. وما دام أنه يجلس على مخزون هائل من اليورانيوم، فمن حق الأردن ليس فقط إضاءة مصابيح بيوت الأردنيين بالطاقة النووية، بل أيضا بيعها إلى دول المنطقة كمصدر دخل إضافي لتحسين وضعه الاقتصادي. وليس من المنطق أن يفرض على الأردن أيضا، مثل السعودية والإمارات اللتين تزمعان بناء طاقة نووية، شرط شراء اليورانيوم المخصب من السوق الخارجية بدلا من تخصيبه داخليا. فالأردن يملك يورانيومه، فلماذا يشتريه من السوق؟
وبيلين محق عندما حذر من أن التضييق على الأردن، إرضاء لإسرائيل، سيحول هذا البلد المسالم إلى اتجاه سياسي آخر. ولقد رأينا كيف نجحت إسرائيل في تهشيم الأنظمة المعتدلة. فقد ضيقت على السلطة الفلسطينية في رام الله أكثر مما فعلت ضد غريمتها حماس في غزة، رغم النحيب الذي نسمعه. وعلى الحكومة الأميركية أن تدرك قيمة هذه الأنظمة المعتدلة وتدعمها، لا أن تسير في ركاب الإسرائيليين الذين يريدون تخريب المنطقة اعتقادا منهم بأن ذلك يعطيهم دورا عالميا أكبر.