[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

إب .. صائدة السحب

إليكم محمد فارس ومحمد الحبيشي وفهد الحسني.

إب, أغنية المطر, محظية الصيف, إليها يؤوب مشتاقاً بهداياه وعطاياه الغزار, أفقها مهوى الغيم, مسرحُ الأمزان.

مهرجانٌ ماطرٌ, لا تخلف فيه السماء الهطول.

إب, سحبٌ ضامئةٌ إلى الأرض, ومدينةٌ إختارت مكانها كي تمارس إصطياد السحب.

هي إبُ.. لك فيها ما تحبُ, ولي فيها سماوات من محبة, وحقولٌ من ودادٍ, لي فيها أحبابٌ يمطرون في كل المواسم.

هم بعضُ روح إب الندية, بعضُ روح إب الخضراء, لطالما تخطفوا دهشتي الموزعة بين السفوح.

إب مدينةٌ يصنعُ شخصيتها المطر, يمنحها الهوية.

في كرنفال الخصب من كل عام, توزع إب محبتها على مدائن اليمن, دعوات ليست كالدعوات, دعوات للإخضرار, تدعونا إلى أفق آخر مختلف, نحاور فيه الجمال والنداوة والبهاء لنقيم علاقة حميمية مع الأرض مع الطبيعة الآسرة, لنستنطق خطاباتها المزهرة المخضلة بالندى.

وحدها إب تدعونا لكي نكون أكثر جمالاً ومحبة, هناك حيثُ نكتشف كم نحن أحياء وكم في إب من وعود حياة مخبئة لم تكتشف بعد.

في العام المنصرم أقلتني إليها سحابة عشق كي أشهد مهرجانها السياحي السنوي والذي تنظمه قيادة المحافظة كتقليد سنوي شفيف, كان المطر رفيقي على طول الطريق.

في أعالي سمارة, لأب ألف رسولٍ ورسول يؤدون واجب الضيافة.

«في الزهر ألفُ قصيدةٍ يوحي بها...
لونٌ فتسرح بالقلوب وترتعي

وسناً يروعك من ثنايا برعم...
كشروق وجه في جوانب برقعِ»

«سُمارة» أول الحجاب في بلاط المليكة إب, إنها إب لا يخطئ أنفاسها القلب.

مازلت مسكوناً بعبق المقيل في ضيافة المحافظ القاضي الأستاذ أحمد عبد الله الحجري, رفقة عديد من الزملاء الصحفيين, كانت القلوب خضراء, وكانت إب كلامنا الأخضر, لا أنسى تعليقات ذكية وملاحظات مهمة من بعض الزملاء, كاستغراب الزميل عبد الله الحرازي من أسماء كثير من الفنادق التي لا تعبر عن خصوصية إب, إلتفاتات كثيرة صبت في إتجاه أهمية إيجاد نوع من الإتساق والموائمة في الأسماء والمسميات.

كنت ممن أكد على أن إب ما تزال أرضاً سياحية عذراء, وأنها لم تخدم بالشكل المطلوب, وأن إمكاناتها الجمالية أكبر بكثير من الجهد المقدم, قلت نحن لا نتحدث عن إب هي من يتحدث عنا, هذا الجمال وهذا الخصب يقدم نفسه ويقدمنا, نحن نتحدث عن دهشتنا البسيطة وبكلامٍ ربما أبسط مما تقتضيه الدهشة, قلت إب لم تنجز تعبيرها بعد, لأن المكان الملهم الخصب يحتاج إلى عقول وخيالات أكثر خصوبة, أكدت على أهمية إغراء الأدباء والفنانين الكبار بالسفر إلى إب كي يكتبوها ويرسموها بما تستحق, ومن على ربوةٍ بعيدةٍ آسره تهادى صوتُ عاشقٍ صب ببيتٍ يسكن الذاكرة :

وقفةٌ في ذراكِ يا إب تغني.... عن كمانٍ وعن نديمٍ وحسنِ

استدعى الحديث ضجر ما بعد المغرب, إحساسٌ لطالما دهم العابرين, اعتبرته امتيازاً لإب, مدن أروبية عديدة لها مزاج إب الوادع, الميال للمبيت وللسكون المبكر, لهذا يشعرُ العابر بالوحشةأروبية, وربما ببعضٍ من الكآبة, إب مدينة تنعس باكراً لا تسهر طويلاً كتلك المدائن الصخابة التي لا تنام.

تذكرت غدائي بمشورة في الفضاء المفتوح مع الأولاد ذات سفر, حيثُ خشيتُ أن نغدو وليمة للنسور المحومة, كم هو جميل المكان, كم هي جميلةٌ الإطلالة, غير أننا لا نحب الأمكنة التي تعاملنا كعابري سبيل, أنت في العادة تحب المكان الذي يفسح لك مجالاً لكي تقيم علاقة معه وتسجل على صدره ذكرى حميمة, تحب المكان الذي يحتضنك بحب ويربّت عليك ويغريك بالإسترخاء وربما بمقامٍ يطول.

لم أكتب بعد دهشتي يا إب, ما زلتِ نصاً في القلب, نصاً أخضر كقلبك, كوجهك الجميل, ما زلت في صدري سحائب عشق لم تهطل بعد، وطقوس كتابة راعدة.

زر الذهاب إلى الأعلى