[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

مجاهدو خلق.. وتهمة الارهاب (2)

كل شيء في هذا الكون نسبي، وغياب المطلق أمر يحتفظ به الله ليديم به الحياة ويحق به الآيات وفوق كل ذي علم عليم..

ويقال ان أهل مكة أدرى بشعابها وذلك عين الصواب فأهل كل محيط وبيئة معينة هم أدرى بما فيهما وما يجري عليهما وما تبقى من تاريخ ذي صلة هنا وهناك وصعب على أبناء الغرب أن يعرفوا أمور الشرق وخفاياه ويتعاملوا معها بقدر ما يتمكن منه أبناؤه.

لقد صعب على أبناء الشرق أنفسهم فهم طبيعة النظام الحاكم في إيران وكيفية محاكاته لعقود مضت وكذلك كان الأمر أصعب على الغرب الذي كان يحاور طهران بلغة وثقافة الغرب التي لا تقيم لها طهران وزنا ولا اعتبارا ومن مساوئ الموقف بين طهران والمجتمع الدولي أنها ملكت الكثير من أوراق الحوار والمساومة التي مكنتها من إخضاع الغرب لها ولو بالقدر القليل الذي وفر لها الوقت المطلوب لمراحل صراعاتها مع النظام العالمي فسلوك نظام طهران حكم بأنه خارج النظام العالمي وانه في صراع معه.

لقد كانت أوراق القضية الفلسطينية متأرجحة قلقة بسبب نظام طهران ولبنان مضطرب هش تحت أقدام ورغبات طهران ومن وجهة نظر عراقية رأى الغرب في أحداث انتفاضة العراق العام 1991بعد غزو الكويت أنها تقع تحت تأثير إيراني فلم يدعم محاولة التغيير آنذاك وأبدى مجرد مشاعر عاطفية إنسانية غير ملزمة بأدنى درجات الالتزام..

ووقعت المعارضة العراقية في مجملها تحت التأثير الإيراني في حين تنامت رغبة الولايات المتحدة والغرب في الخلاص من نظام صدام حسين ولم يكن بالهين على الولايات المتحدة جلب أطراف إسلامية شيعية عراقية إلى مشروعها بعد أن لملمت بقاياه وأصلحت ما أمكن من ثناياه بعد انكسارات المعارضة العراقية العام 1996 في شمال العراق..

وكان الغرب بحاجة إلى حوار مستمر مع طهران وكانت طهران مدركة لتلك الحاجة مستغلة إياها لصالحها ما أمكنها ذلك، ووزعت طهران أدوارها من جديد وبشكل جديد يمثل الانفتاح والبديل الإيراني للمحافظين فطرحت ورقة خاتمي والإصلاحيين الذي حملوا للعالم ما يحمله المحافظون ولكن بلباس وشكل جديدين وفي نفس الوقت كانت للولايات المتحدة حاجة في الحوار مع طهران فلا يمكن استمالة المعارضة الإسلامية الشيعية العراقية إلى المشروع الأميركي لإسقاط صدام حسين في حينها دون المباركة الإيرانية التي لن تتم من دون مساومة أو ثمن في الوقت الذي كانت ترغب طهران ببقاء النظام العراقي هشا ضعيفا محاصرا على صدام حسين أفضل من قيام نظام جديد لا تدركه طهران ولا سطوة لها عليه، كانت الستراتيجية الإيرانية في هذا الجانب أكثر عمقا ودراية ..

إلا أن طهران لا يمكنها أن ترفض مشروع إسقاط صدام بعد هدية قيمة حلمت بها كدرج عدوها اللدود منظمة مجاهدي خلق على لائحة الإرهاب الأميركية خصوصا أن حلفاءها العراقيين سيكون لهم سطوة كبيرة على المشروع وستدلي هي بدلوها فيه كما تشاء من خلالهم وبالتالي فإن ورقة الإصلاحيين وخاتمي قد أتت أُكلها في حوارها الأولي مع الغرب واستطاعت استدراجه إلى خطيئة ستراتيجية كبيرة كإدراج اسم مجاهدي خلق في قائمة الإرهاب..

ومهما كان الخلاف والاختلاف مع مجاهدي خلق فإنه من الخطأ وضع اسمها في قائمة الإرهاب إضافة إلى إجراءات أخرى مقيدة ومربكة للمنظمة وكان بالإمكان خلق ملفات أخرى للتحاور مع إيران بخصوصها والإبقاء على مجاهدي خلق كورقة رابحة في معادلة الصراع السياسي فإدامة المفاوضات بنمطها الغرائزي وأجوائها القتالية مع نظام طهران خاسرة لا محالة بوجود اسم المنظمة في قائمة الإرهاب..

فذلك يبقي الغرب بأيدي فارغة وتبقى إيران بعدة أوراق في فلسطين ولبنان والعراق والخليج وأفغانستان ولا يعد ما يبديه الإصلاحي خاتمي في حينها برأسمال يعتمد عليه ولم يصل ما حمُل به خاتمي إلى الغرب إلى مستوى المعاهدة ولا يمكن أن يصل إلى مستوى المعاهدة، فلا يوجد قرار مطلق بيد رئيس الجمهورية في إيران وأيضا لم يكن خاتمي بحجم القدرة التي كان يتمتع بها رفسنجاني في حينه ومع الفارق الكبير بين الاثنين فإنهما وفي نهاية المطاف لن يقرا إلا ما سيقرره الولي الفقيه صاحب السلطة المطلقة والمهيمن على الحرس الثوري الإيراني والولي والحرس أمران يقترن وجودهما وحالهما ببعضهم البعض وما داما قائمين بخير يبقى النظام الإيراني مديرا لصراعاته مفعلا إياها..

وإبقاء منظمة مجاهدي خلق حرة طليقة بالإضافة إلى شرعية نضالها فإنه يحد من قدرة النظام على إدارة مفاوضاته ومناوراته بنجاح مع الغرب والعكس ولو كان للغرب معلومات شفافة ودراسة سليمة حول النظام الإيراني ومعارضته مع شيء من الثقة والثبات لما وقع في فخ خاتمي وجعل مجاهدي خلق في قائمة الإرهاب ثم يأتي القضاء الأوربي ويقول انها تهمة لا تستند إلى شيء والعبارات أكثر حدة في الوصف ويليها القضاء البريطاني ثم يليها القضاء الأميركي...

وفي هذا المجال أيضا يجب أن نشير إلى طريقة الغرب في قراءة الملفات العالقة أو المتداولة التي تختلف عن طريقة الحكومات سواء كانت في إيران أو في العالم العربي.. يقرا الغرب ملفاته متأثرة بالقادة الذين يتحملون المسؤولية في هذه المرحلة وباجتهاداتهم الخاصة وسرعان ما يتم التغيير في مسؤولي الملفات ووجهات النظر..

أما إيران والعرب ومن على شاكلتهم فوجهات النظر ثابتة والقرار ثابت ولا مجال للاجتهاد أو التغيير فيحملون ملفاتهم إلى المفاوضات بتوصياتها غير القابلة للمناقشة وقد يحتاج تغيير همزه إلى الرجوع إلى القائد الزعيم.. وقد نستطيع القول ان حالة من الإفلاس وعدم الثقة في التفاوض بين طهران والغرب قد تدفع إلى بعض التنازلات المرحلية أملا في تحقيق نجاح ما..

إلا أن هذه التنازلات لم تكن في مكانها في التفاوض مع نظام طهران وكان الضحية مجاهدي خلق والغرب معا وخير دليل على خسارة الغرب هو تساؤل الجماهير الإيرانية المنتفضة على النظام في جملتها الواضحة: (اوباما ..اوباما .. أمعنا أنت أم معهم)؟ بمعنى أمع الشعب الإيراني ورغبته أم النظام وتوجهاته، المهم أن الشعب الإيراني أراد أن يستوضح الصورة ويلقي الحجة وكثير من المنتفضين من أنصار مجاهدي خلق والكثير منهم أبناء شهداء ومن معدومين والسجناء والمعارضين ومقطوعي الايدي والمرجومين والمشردين والمعوزين وغير ذلك.

وذهب سولانا ولم يفلح مع طهران وذهب غيره ولم يفلح أيضا، لقد كان ملف حقوق الإنسان كافيا جدا لإدامة حوار قاسٍ وموفق مع طهران دون تقديم أي تنازلات .. وتشرق الشمس كل يوم بجديد وعينها الساطعة الكاشفة لا تغطى بغربال.

كاتب عراقي
[email protected]

الحلقة الأولى:

مجاهدو خلق.. وتهمة الارهاب

زر الذهاب إلى الأعلى