[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اليمن: حذار الحلول الأمريكية

أخيراً، إذاً، قررت واشنطن اعتبار اليمن أولوية، بعد أن تأكدت أن التهديدات “الإرهابية” في هذا البلد “لاتقل خطورة عن تلك الموجودة في باكستان”. حسناً . ولكن كيف تنوي الإمبراطورية تنفيذ هذه الأولوية؟

عبر السلاح الأكثر تفضيلاً لدى الأمبرطوريات كافة: استخدام القوة العارية . وهكذا، تشي المعلومات المتواترة بأن واشنطن تنوي استخدام “الدرونز” (الطائرات القاذفة من دون ربّان)، وعمليات الكوماندوس الاستخبارية السرّية، ومواصلة القصف بصواريخ كروز التي أودت العام الماضي بحياة عشرات المدنيين في اليمن.

هذا التطور يجب أن يقرع أجراس الإنذار بقوة في أرجاء مجلس التعاون الخليجي، لأنه سيعني أن الولايات المتحدة على وشك اعتبار “الجبهة اليمنية” جزءاً لا يتجزأ من حربي أفغانستان وباكستان، الأمر الذي قد يدوّل الصراع ويؤبّده . لماذا؟ لسببين رئيسين:

الاول، أن هذه الخطوة العسكرية - الاستخبارية ستُعزز إلى حد كبير وجود “القاعدة” بدل إضعافه، لأنها ستحوّل اليمن إلى نقطة جذب ساطعة لكل القوى المتطرفة المسلحة، أسوة بما جرى في العراق . وبما أن اليمن أصبح، أو يكاد، دولة فاشلة، لن يُسفر الانخراط الأمريكي في الحرب سوى عن تزايد الفرص أمام الفوضى الأمنية المؤاتية لانتشار القوى المتطرفة وتجذّرها.

والثاني، أن الانخراط الأمريكي في الحرب سيغلق أي إمكانية لإصلاح النظام اليمني سياسياً واقتصادياً . وهذا بدوره سيسد الأبواب والنوافذ أمام احتمال إيجاد حلول سياسية للأزمات المتراكمة في صعدة والجنوب وصنعاء، والتي يكمن سببها الرئيس في الأوضاع السياسية والاقتصادية الاجتماعية المحلية لا في الصراعات الإقليمية والدولية العامة.

النظام اليمني ستكون له قراءة وحيدة لمثل هذه الخطوة الأمريكية، خاصة إذا ما اقترنت (وهذا هو المتوقع) مع مضاعفة المساعدات العسكرية الأمريكية له: ضوء أخضر دولي وإقليمي له كي يواصل محاولة فرض الحلول بالقوة.
صحيح أن الدول المجاورة تشعر بقلق لايقل عن ذلك الذي تعيشه الولايات المتحدة حيال تحوّل اليمن منصة انطلاق للعمليات “الإرهابية”، لكن حساباتها يجب أن تكون مختلفة جذرياً عن حسابات هذه الأخيرة . وربما تكون العمليات المرتقبة لطائرات “الدرونز” تجسيداً عملياً مثيراً لضرورة وضع هذا التمييز: فهذه الطائرات ستأتي وتذهب بعد أن تُفرغ حمولتها الصاروخية، من دون أن تشكّل أي تهديد لأرواح المواطنين الأمريكيين . هذا في حين أن الدول المجاورة وشعوبها هي التي ستدفع أثمان تفاقم الأوضاع الأمنية والعسكرية في ذلك البلد . الأوائل (الأمريكيون) سيأكلون الحصرم، والأخيرون (الخليجيون) سيضرسون.

أجل . الدول المجاورة تُقدّم مساعدات سخية إلى اليمن . لكن المشكلة أنه لايتم توظيف هذه المساعدات سياسياً بما يكفي لدفع الرئيس صالح إلى طرح التسويات السياسية مع الجنوبيين والحوثيين والمعارضة الرسمية . كما أن مجلس التعاون، في الوقت نفسه، لم يبتدع حلاً لليمن يكون أقل من ضمّه إليه لكن أكثر من اعتباره مجرد دولة “أجنبية” أو مشكلة أمنية . وهذا يمكن أن يتم، مثلاً، عبر إعادة فتح أبواب العمل أمام مئات آلاف اليمنيين.

الفرصة لاتزال متاحة لمساعدة اليمن على تجنّب التحوّل إلى دولة فاشلة بالكامل . لكن، إذا ما فرضت الأولويات الأمنية الأمريكية نفسها على جداول الأعمال اليمنية والأقليمية، فستصبح هذه الفرصة في خبر كان.

زر الذهاب إلى الأعلى