[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الدرس التركي للنظام الرسمي العربي

شارفت نسبة المشاركين في التصويت على التعديلات الدستورية في تركيا 78 في المائة من أصل 50 مليون ناخب تركي، وصوتت بنعم لصالح التعديلات 58 في المائة من الهيئة الناخبة، وصوتت بلا 42 في المائة. ولم يشكك أي حزب في سير العملية الانتخابية، ولم يجادل أي أحد في نتائجها، بل رحب العالم الغربي برمته بنتائج الاستفتاء، واعتُبرت بأنها تجسيد حقيقي لإرادة الأمة التركية.

أن تصل نسبة الهيئة المشاركة في الاستفتاء على الدستور إلى 78 في المائة من مجمل الجسم الانتخابي التركي، فهذا دليل قاطع على حيوية التجربة الديمقراطية التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية وعلى جاذبيتها. لم نقرأ في الصحف ما يفيد استعمال المال لشراء الأصوات، أو اللجوء إلى الضغط والابتزاز لإجبار الأتراك على المجيء إلى صناديق الاقتراع للإدلاء قسرا بأصواتهم في الاستفتاء المعروض عليهم.

كل التقارير الصحافية التي غطت الاستفتاء على التعديلات الدستورية التركية أكدت أن الظروف والأجواء التي جرى فيها هذا الاستفتاء كانت تطبعها الشفافية والنزاهة والحرية الكاملة للناخب التركي للإدلاء بصوته بلا أو نعم.
الطبقة السياسية التي تحكم تركيا قررت الالتزام بقواعد اللعبة والانصياع إلى إرادة الشعب للحسم في كل القضايا الخلافية، ولذلك يجوز الاستنتاج بأن مستقبل تركيا سيكون أفضل من ماضيها ومن حاضرها. المستثمر سيطمئن لها، والسائح سيقصدها، والباحث عن تعاون اقتصادي وتجاري وعلمي وثقافي لن يتردد لحظة واحدة في اغتنام أي فرصة تظهر أمامه للتعاون مع الحكومة التركية المنتخبة من الشعب والحاصلة على شرعيتها منه، الأمر الذي يهيئ للأتراك كل شروط الاستقرار والأمن، وتحقيق النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية لأنفسهم.

إذا كان هذا هو الواقع التركي في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية الذي يتهم من طرف العديد من سياسيينا وكتابنا بأنه حزب ديني وأصولي ومتطرف، فماذا عن الواقع العربي الذي تحكمه في معظمه أنظمة تزعم أنها غير أصولية وتناهض استغلال الدين في السياسة؟ على هذا المستوى ينقسم النظام الرسمي الحاكم في العالم العربي إلى فئتين. الأولى لا تعرف لا انتخابات ولا هم يحزنون. إنها تحكم بسلطة القهر المحض تحت مسميات مختلفة.

والفئة الثانية تسمح بتنظيم انتخابات، لكنها تكون دائما مراقبة ومتحكما في نتائجها، سواء عبر التزوير المباشر وصنع النتائج والإعلان عنها من طرف الإدارة، أو عبر الاستعمال الكثيف للمال الحرام، وتوظيف الفساد القائم لتطويع النتائج كما يريدها المستفيدون من الفساد والساهرون على استمراره مستشريا في دواليب الدولة وأجهزتها. الانتخابات في عالمنا العربي شبهها بعض السياسيين بسوق نخاسة..

لا غرابة إذن أن تنحدر نسب المشاركة في الدول العربية التي تنظم فيها الانتخابات إلى مستوى لا يصل أحيانا حتى إلى 16 في المائة من عموم الهيئة الناخبة. للمشاركة الكثيفة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا أسبابها ونتائجها، كذلك للعزوف السياسي من طرف الجماهير العربية عن الانتخابات في البلدان العربية أسبابه ونتائجه. وهذا هو الدرس الأساسي الذي يتعين استخلاصه من نتائج ما جرى في تركيا من انتخابات واستفتاء. الناس تتطور وتتقدم في جهات متعددة من العالم، في حين نلف وندور نحن في الوطن العربي دائما في نفس الحلقة المفرغة.

' صحافي وكاتب من المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى