[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

إلى أصحاب الفضيلة العلماء..

"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" 115-هود
السادة الصفوة الكرماء، أصحاب الفضيلة العلماء، بعد السلام عليكم والرحمة ممن خلق الأرض والسماء.. وبعد الصلاة والسلام على خير من وطأ الغبراء، الذي قال عنكم أنكم ورثة الأنبياء، وعلى آله وصحبه الأطهار الأتقياء.

نعم العلماء ورثة الأنبياء.. مكانة عالية اختارها الدين القويم لهؤلاء النخبة من الامة.. وهي في حقيقتها مكانة تكليفية... ومسؤولية وأمانة قبل أن تكون تفضيلية أو تكريمية.. يقول عليه الصلاة والسلام "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر.." كما أن هذا الفضل لا يناله إلا العلماء العاملون المخلصون نياتهم لله، الصادحون بالحق في وجه الباطل والطغيان، المحبُون للخير والصلاح، الآمرون بالمعروف والنَاهون عن المنكر، المراقبون المحاسبون لولاة الأمر، الناصحون المرشدون للحكام على الدوام، الحريصون الساهرون على مصالح المسلمين، المتابعون المهتمون بأوضاع الأمة، والذين يتحملون في سبيل ذلك كل أذى ومشقة وعنَت...

ولا غرو أيضا أن هؤلاء العلماء من أجلَ نعم الله على أهل الأرض فهم مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، وحجة الله في أرضه، بهم تُمحق الضلالة، وبهم تُغاظ شياطين الإنس والجن، كما أنهم ركيزة الإيمان، وقوام الأمة وعنوانها المتألق، وهم أيضا حراس العقيدة، الأمناء على دين الله الداعين إلى تطبيقه متخلقين بأخلاق الأنبياء والرسل، كل أعمالهم ترجمة عملية للقرآن والسنة، لا يخافون في قول كلمة الحق لومة لائم، يقولون للظالم أنت ظالم ، وللمفسد أنت فاسد، وللعاصي أنت عاصي، يقفون في وجه الفساد، ويقوَمون الاعوجاج، يقودون الناس إلى الهداية والصلاح ينيرون الطريق أمام التائهين والضائعين من الحكام والمحكومين، ولا يخشون أحدا من الناس، ولا يهابون من ذي سلطان جائر أو حاد متعد لحدود الله ومحارمه، لأنهم الفئة الموقنة بأقوال الرسول الكريم في هذا الشأن وهي كثيرة ومنها ما رواه الحسين بن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان.. فلم يغيَر بلا قول أو فعل كان حقا على الله أن يُدخله مُدخله".

أساتذتنا الأجلاء... الحديث عن واجبات العلماء لا تقف عند حد معين – كما يراد لها - وكما تعلمون..فهي تشمل كل مناحي الحياة الإنسانية، وأسماها وفي ذروتها حفظ الدين ونشره وتصحيحه من الشوائب، وتعزيز عرى الإيمان في النفوس والقلوب، ووضع حد لكل ما يمس ويتعد حدود الله ، وعدم السكوت عن انتهاك الحرمات والدماء والأموال والأعراض.. الخ.

فرسالتكم أيها العلماء الكرام.. كبيرة وشاقة خصوصا في هذا العصر الذي كثرت فيه المدلهمات، واستشرى الفساد في كثير من نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها التي ضاعت فيها القيم وبيعت فيها الذمم، وانتشرت فيها الرذائل، نتيجة عدم الاكتراث والاستهانة بتعاليم الدين، والتحلل من كل فضيلة وعدم الاستحياء من الله ومن الناس، وبلا خوف أو وجل إلى الدرجة التي لم يعد للخطاب الديني أو الموعظة أو النصيحة من مردود أو أثر، وكأن القلوب قد صدئت ورانها ما ران نتيجة ما اكتسبه الناس واقترفه ذووا الجاه والسلطان، واجترحه العصاة من المعاصي والآثام.....

فلم يقيموا لحدود الله تقديرا ولتعاليم الدين احتراما، والمصيبة الأكبر عدم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي هو من اوجب الواجبات على كل مسلم ومؤمن " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " صدق الله العظيم....

وليس أمامكم - بعد كل هذا أيها العلماء الأفاضل... وغيره كثير وعظيم وليس بالأمر الهين أبدا.. بل تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.... إلا أن تؤدوا الأمانة التي اؤتمنتم عليها..كما هي مطلوبة منكم أمام الله وأمام رسوله وجماعة المؤمنين " إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيَع "

ومن غير المقبول من الجميع ومنكم على وجه الخصوص بل انه من الإثم والجرم الكبير...السكوت عن كل ما جرى ويجري في بلادنا اليمن، من ناحية الاجتراء على الله ورسوله وعدم تنفيذ ما أمر الله به أن يوصل وتجاه من يفسدون في الأرض، والاستهانة بتنفيذ سنة الرسول الكريم، وتجاه ما يحدث من مظالم وفساد وإفساد، وعبث بمقدرات الشعب، ونهب للمال العام، وانتهاك للحقوق والحرمات، وارتفاع للأسعار وجشع التجار واحتكار للقمة العيش ومحاربة الناس في أرزاقهم وأقواتهم مما تسبب في انتشار الفساد والانحراف في السلوك والأخلاق بل ربما ضل السبيل كثير من الناس بسبب قسوة المعاناة، وشظف العيش وكما يقال "الجوع كافر" ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "بئس الضجيع الجوع".

هذا إضافة إلى ما ينفَذ من خطط وبرامج خبيثة وأهداف مشبوهة تافهة عبر مؤسسات رسمية تدعي أنها معنية بالتربية والثقافة والإعلام معول عليها بناء شخصية الإنسان، وحفظ كيان الأمة، وتحصين هويتها، والتعبير عن عقيدتها وتاريخها وتطلعاتها نحو الحياة الحرة الكريمة والسعيدة المبنية على قيم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتعزيز أواصر الإخاء والمحبة والتكافل والتكامل بين أبناء الوطن وكل المبادئ السامية التي دعا إليها الدين القويم...

كل تلك المؤسسات الهامة التي تعيش حياة المواطن لحظة بلحظة.. طغت عليها توجهات استلاب عقول وأفكار العامة والشباب خاصة، مساعِدة في خلق البلبلة في المجتمع، وتسهيل انتشار وسائل الفساد والإفساد في الفكر والسلوك معا من قبل أناس قائمين على أمر هذه المؤسسات من جهَال فاسدين ومسئولين فاشلين - وكأنها من الأملاك الخاصة – لا يأبهون لوازع من دين أو رادع من قانون أو ضمير، وترون وتعرفون كيف أن أجهزة الإعلام والثقافة الرسميان والمفترض أنهما حق لكل فرد في المجتمع باعتبارهما من المال العام... لكنها أجهزة لا تعيرللدين أي اهتمام، وليس لها من دور في تعميق القيم الإيمانية، وتثبيت العقيدة الإسلامية الصحيحة، بل ربما اعتبرت نفسها في حِل من ذلك، وكان لسان حالهم يقول..:

من يريد دينا وصلاة فقد عملنا له قناة خاصة بالإيمان... وهات ما برامج راقصة وماجنة مملة لا ترضي الله ولا رسوله، وبالتالي لا تؤدي الرسالة المطلوبة منها تجاه الدين والمجتمع وتحصين أفراده من الانحراف، وشبابه من الاختراق والضياع، والأخلاق والقيم من العبث والإفساد... الخ،.... ثم انتم تعلمون أكثر من غيركم بالمعنى الذي يعبر عنه الحديث الشريف فيمن يولَي أشخاصا يتولون أمر المسلمين وفيهم من هو أقدر منهم أو أكفأ منهم، وكيف وصف الرسول هذا الوالي بأنه بذلك قد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين.

مما لا يمكن تبرير التغاضي والسكوت عما يجري.. مع ما يمكن أن يترتب عن الصمت والتهاون تجاه كل ما يحدث من انحرافات فكرية وسلوكية من عواقب وخيمة على المجتمع وأفراده في الدنيا.. وعاقبة أخروية تمثل الوبال والخسران المبين..ولقد شدد الدين بتعاليمه القويمة على معالجتها بمختلف السبل منعا وتلافيا لكل تلك العواقب..

وتعلمون كيف توَعد الله الساكتين والصامتين عن قول الحق أو المداهنين فيه يقول الحق عز من قائل "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيَنات والهدى من بعد ما بينَاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " 159 البقرة.

وفي الحديث الشريف " لتأمرَن بالمعروف ولتنهوَن عن المنكر ولتأخذنَ على يد الظالم ولتأطرنَه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربنَ الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعنكم كما لعن بني اسرائيل " رواه أبو داود والترمذي.
ومن واجب النصح لكم باعتباركم من أئمة المسلمين.. ثم هو واجبكم قبل أن تعملوا بموجب قرار من ولي الأمر الذي حمَلكم مسئولية إلى مسئوليتكم.. ننصح بعدم الاقتصار على معالجة وإبداء الرأي فيما يرد إليكم فقط أو الاقتصار على توجيه النصح والإرشاد على الخارجين عن الجماعة والقانون، وعدم الاقتصار على المناشدة بتقوى الله واجتناب محارمه...

لكن المطلوب أيضا وبما تقتضيه مسئوليتكم وواجبكم أمام الله وأمام رسوله وجماعة المؤمنين النظر إلى مشاكل وقضايا هذا الشعب وكم هي كثيرة ومؤلمة وتحتاج إلى معالجات شرعية وقرارات حاسمة من علماء الأمة خصوصا حين يتعلق الأمر بالعقيدة وتدعيم عرى الإيمان والتأكيد على الالتزام بشرع الله والتمسك بأهداب الدين الذي بفضله تُحل المشكلات وتُعاد الحقوق وتُحفظ المحارم وتُصان الأموال العامة والخاصة وكذلك الأعراض والدماء، وبالمقابل لابد من مواجهة حاسمة وصارمة للفساد المستشري في كل اتجاه ومحاسبة العابثين والمستهترين، ومعاقبة المجرمين والمتورطين في القضايا التي شدد الشرع والقانون على إجرائها ردعًا لأصحاب القلوب المريضة ومنعا من استمرارهم في الغيَ والضلالة والإضرار بمصالح الوطن والمواطنين أيَا ما كانوا في مواقعهم أوصفاتهم.

وفي هذا الباب أيضا نرى أن تشكلوا لجنة من العلماء للشكاوى وردَ المظالم، ولجنة للإصلاح بين الناس، فهناك من القضايا التي لا تحتمل انتظار القضاء للفصل فيها..ثم ما المانع أن يكون التصالح بين الناس هو المقدم ومن شأن الإصلاح بين الناس ردم هوة سحيقة من التقاطع والتجافي الذي تسببه بعض القضايا أو التصرفات التي قد تكون تافهة أوحقيرة ومن شأن الإصلاح بين الناس تدعيم عرى التكافل والمحبة ونشر قيم الإيثار وعدم الركون إلى الدنيا الزائلة الفانية، ولعل السلوك ابلغ المواعظ في تهوين الدنيا ومتعتها الفانية أمام الآخرة الباقية والدائمة وفوق ذلك رضا الرحمن في روضات الجنان..

كل ذلك وغيره لو نجحتم في استمالة الناس إليكم...مع ما تبقى من خير فيهم ربما تنالون من الله المزيد وتكونون في الدور المناط بكم، والواجب الذي يرضاه الله ورسوله لكم فتفوزون فوزا عظيما..

وقبل أن اختم رسالتي هذه الأولى إليكم أنبه إلى أهمية أن تركزوا في كل جهودكم وفيما يعرض أمامكم من قضايا أو مواضيع على قضية الإيمان والسبل الكفيلة بإعادة مفهوم الإيمان لدى الناس..

وتعلمون أن الإيمان الحق وتمثل هذا الإيمان كيف له أن يصنع المعجزات، ويعيد للحياة توازنها بين جماعة المؤمنين والأمة التائهة، الإيمان الذي صلح عليه أول هذه الأمة هو الوحيد الكفيل بصلاح أخرها، والعيش في هذه الحياة بالمستوى الذي يليق بها كأمة وسط شاهدة على الناس، وأمة لم تكن خير امة أخرجت للناس إلا حين تمثلت صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.

زر الذهاب إلى الأعلى