[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

حكاية الحاج عبدالجليل وقناة عدن الفضائية مع خليجي "20"

لم يكن الحاج عبد الجليل صاحب المقلاية يعيش وضعاً مميزاً عن أقرانه أصحاب المحلات الشعبية الأخرى التي استوطنت الحي منذ وقت طويل حتى وإن اختلفت مسمياتها كمعصرة الحاج ردمان ومحل الوالد عاشور للخمير وتوابعه , كلها ولأسباب اقتصادية واجتماعية ظلت على عهدها في خصومة شديدة مع التغيير والتجديد فتدنت مستوى الخدمات فيها واختفت بعضها أما مظهرها العام المتواضع عبثت به عوامل التعرية لتصادر بعضاً من طقوسه الجمالية, وفي الداخل غز التصحر جانباً من أجزائها لتصبح ملاذاً آمناً لفراغ ضيق ذات اليد , بينما افتقد الجزء الأخر التنظيم والترتيب فبدت محتوياتها ومعروضاتها في وضع عشوائي كل ذلك ساهم إلى حد كبير في إزاحة زبائنهم عن طريق محلاتهم .

تلك هي الصورة التي انتهت عليها محلات الحاج/ عبدالجليل والحاج/ ردمان والوالد/ عاشور وغيرهم كثر بعد أن تكالبت عليهم تعقيدات الحياة وظروفهم الموضوعية والذاتية..

فبالرغم من محاولاتهم لترميم ما يمكن ترميمه إلا أن إمكانياتهم المحدودة أجبرتهم في الأخير على الاستسلام لواقع أشرس من أن يروض , فغلبهم اليأس وقرروا ترك أمر تحسين محلاتهم للمجهول لعله يحمل في طيات أيامه الكئيبة ليلة واحدة فقط من ليالي القدر وتعيد لهم محلاتهم إلى سيرتها الأولى إن لم تكن إلى الأفضل وبينما هم في حالة الانتظار تلك..

أفاق سكان الحي في أحد الأيام على حركة تنظيف وتزيين ورصف لشوارعه الرئيسة والفرعية حتى وصلت إلى شارع مقلاية الحاج/ عبدالجليل ومعصرة الحاج/ ردمان ومحل الوالد/ عاشور للخمير وتوابعه فما إن سألوا عما يجري حتى قيل لهم أنها خيرات خليجي "20" ستعم كل حي ومنطقة في محافظة عدن تكريماً واستعداداً لاستضافتها البطولة ولإظهارها بمظهر جمالي عام يليق بالحدث وضيوفه .وجد الحاج/ عبدالجليل نفسه وجهاً لوجه أمام ضالته وقد سعت إليه بقدميها حينها فقط شعر بأنه تخلص من قبضة هموم الصبر ومعاناة الانتظار الحديدية التي كادت أن تخنق أنفاسه فدبت الحياة من جديد في ملامح وجهه معبرة عن بشرى استقبال الحدث المنتظر (بطولة خليجي 20 في اليمن) الذي سيجعله يتصالح ليس فقط مع محله بل وزبائنه أيضاً.

ثم راح وهو في قمة شعوره بالفرح يفكر في كيفية استثمار ما يجري لكن فرحته تلك سرعان ما تعرضت للاغتيال حين علم أن أعمال التأهيل والتجديد قد تقتصر فقط على شوارع الحي وأرصفته وهنا أصابته الصدمة فلم يعد يدري ما الذي يفعله هل يغضب أم يحزن ؟ إلا أنه قرر هذه المرة أن يهاجم وبعنف فكرة الاستسلام التي بدأت تراوده من جديد فهرول مسرعاً باتجاه القائمين على مهام المشروع قائلاً لهم وبشكل مباشر إن الصورة الجميلة بحاجة إلى برواز جميل حتى يكتمل المظهر الجمالي لها، ولهذا أعتقد أن وجود محلات في أوضاع رثة أمام أرصفة وطرق متجددة ومزينة بالإنارة واليافطات ليست بتلك الصورة المثالية لمنظر جمالي. فقبل أن يسترسل في حديثه عرفوا مضمون فكرته فاستحسنوها على الأقل من جوانب أخرى تستحق التزكية و الموافقة , فبعد إجراءات معينة أخذت وقتها اكتسحت مظاهر التغيير والتجديد وعلى طراز أنيق و حديث مع كافه متطلباتها مقلاية الحاج/ عبد الجليل ومعصرة الحاج/ ردمان ,أما الوالد/ عاشور صاحب محل الخمير وتوابعه فقد أغمي عليه من هول المفاجأة عندنا رأى محله وقد تحول إلى تحفه فنية رائعة تتمتع بلمسات جمالية غاية في الأناقة ابتداء من الديكور الذي يجسد خدمات المحل مروراً بمتطلباته الأخرى التي أدخلت عليها بعض الإضافات الضرورية وانتهاء بالزينة والإنارة ومجلس مصغر لاستقبال الزبائن.

ولهذا فإن أول قرار اتخذه بعد أن استعاد وعيه هو تسمية المحل "عاشور مول للخمير وتوابعه".ومن المفارقات العجيبة أن من بين مهنئي الوالد/ عاشور أحد رجالات المنطقة الخضراء في قناة عدن الفضائية وهي تسمية أطلقت على الشلة التي تعيش على حساب تدهور أحوال القناة وموظفيها في إشارة واضحة الدلالة إلى الامتيازات التي تحظى بها المنطقة الخضراء في بغداد على حساب الأم ومعاناة الشعب العراقي , المهم أن صاحبنا هذا كان في السابق أحد أبرز زبائن الوالد عاشور قبل أن تنقله أحواله الجديدة إلى أرقى مطاعم المندي ومشتقاته وبقيت فقط علاقة الصداقة فيما بينهما وعلى جانب خفي فحين سأله الوالد/ عاشور عن الجديد في أحوال القناة لمعرفته السابقة بأوضاعها السيئة لم يبد أي جواب غير كلمة إن شاء الله سيحصل خير فرد عليه الوالد/ عاشور متى والدنيا كلها قد تزينت وخليجي "20" سينشغل قريبا بانطلاقته الكروية بعد استقبال ضيوفه فكما ترى لدي ما يشرفني لاستقبال ضيوفي فهل لديكم ما يشرفكم لاستقبال ضيوفكم , ثم من هو أقرب لفعاليات خليجي "20" محل للخمير وتوابعه أم قناة فضائية حاجتكم أصبحت ضرورية جداً لخدمات الحاج عبدالجليل لانتشالكم من هذه الوضعية فهل أنتم ملاقوه .وهكذا أصبحت عدن بإحيائها وأزقتها وشوارعها ومحلاتها المتنوعة ومؤسساتها ومرافقها في عهدة خليجي "20" يضخ فيها حياة التجديد والتحديث لتظهر بمظهر يليق بها عند استقبال ضيوفها الكرام من دول مجلس التعاون الخليجي .

كل شيء حي يدب على أرض عدن نال نصيبه من خليجي "20" إلا من هم في عداد الموتى لأن حياتهم على الأرض قد انتهت ولعل في مقدمتهم ومع الأسف قناة عدن الفضائية.

* مذيع وكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى