[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

التوثيق.. أقرار هوية الأمة وعمقها الحضاري

دونت المجتمعات الانسانية انجازاتها من المعلومات منذ عهود سحيقة غائرة في اعماق التاريخ على اوعية تسجيل مختلفة تعبيرا عن نشاطاتها التي تبلورت على امتداد زمني طويل ،وعلى الرغم من بدائية اساليب وطرائق تدوين المعلومات المحدودة ومجالات المعرفة خلال العصور الاولى للبشرية الا انها كانت اللبنة الاساسية الاولى التي عبرت عمليا عن الضرورة التاريخية لديمومة الاتصال على امتداد تاريخ الاجيال لاجل التواصل الحضاري.

لايعبر عن اقتناء الوثيقة عن ادراك مامدون فيها من حقائق ومفاهيم ،مالم يتم الاطلاع على مضمونها ،واستيعاب ماسجل فيها من معلومات لذا فان الحالة المعرفية تتاسس على المعلومات ولاعلاقة لشكل الوثيقة بتحديد سماتها.

اذ ان المعلومات تشمل كل مايعرفه الانسان عن قضية أو موضوع ما، وعلى وفق ماتقدم يمكن تعريف المعلومات بوصفها حقائق ومفاهيم وافكار تتعلق بالناس والاماكن والاشياء لزيادة معرفة الانسان وتنمية قدراته فضلا عن كشف الحقائق وايضاح الامور ،ومما هو جدير بالاشارة ان الحقائق والمفاهيم يتم اكتسابها بوساطة الاتصال والبحث والتعليم.

وفي محيط التجهيز الالي للمعلومات باستخدام تقنية الحاسبات الالكترونية تعرف المعلومات بانها مجموعة بيانات رتبت بشكل منطقي وبطريقة منظمة لتعبر عن مفهوم أو حقيقة ويمكن القول ان البيانات عبارة عن رموز أو ارقام أو حروف واحيانا كلمات مجردة تكون خالية من المعنى الظاهر غير انها تتحول إلى معلومات بعد معالجتها ، أي ان البيانات تؤول إلى معلومات تقود إلى المعرفة ان توافر المعلومات يتطلب وجود وعاء مادي يحويها ويحافظ عليها من الضياع وهو ما اصطلح على تسميته ب(وثيقة) والتي يمكن وصفها بانها أي وسط حامل لمعلومات معينة ، فالورقة والكتاب والمخطوطة والمواد السمعية والبصرية والصحفية والاحصائية والخارطة والاقراص المحملة بالمعلومات والبيانات تعبر جميعها عن وثائق تستخدم لحفظ المعلومات والبيانات للاحتياج الدائم بالرجوع اليها ،ومن المفيد الاشارة إلى ان الوثيقة لاتحدد اهميتها من خلال درجة كتمانها ،وانما تكمن قيمتها الحقيقية في المحتوى المعلوماتي المدون فيها ،والذي يعكس حقيقة عصرها .

وعلى الرغم من الامتداد التاريخي الطويل لأدوات التوثيق ،فانه يصنف ضمن العلوم الحديثة التي برزت بروزا مؤثرا وفعالا في القرن الماضي ،واستهلالا لابد من القول ان مصطلح التوثيق يستخدم في الاشارة إلى (توثيق قرار أو حدث ما) وفي هذه الحالة يعبر هذا المفهوم عن مجموع الاوراق التي تعد دليلا كافيا على وقوع الحدث، لذا فانها تكون بمثابة توفير الاثبات لتوثيق عمل ما ،في حين يشير معنى اخر لمفهوم التوثيق إلى المواد التي تدار بوساطة خدمات التوثيق وغالبا ماتكون عبارة عن اوراق (سجلات) علمية وتقنية منشورة أو غير منشورة،تجمع وتتاح الفرص للاستفادة منها بوساطة مركز تخصصي ولعل مايستلفت الانتباه ان مضمون المعنى الثاني لمصطلح التوثيق لايرسم رسما دقيقا ابعاده الرئيسة مما يستوجب اعتماد تعريف لجمل ودلالات وظيفية وهدفية في اطار شمولي وتاسيسا على ماتقدم ذكره يمكن تعريف التوثيق بانه مجموعة العمليات والاساليب الفنية لتيسير الفائدة من المعلومات المدونة فيها وبثها ونشرها لجعلها في متناول المستفيدين،والتعريف المذكور هو الذي اشتقت منه اغلب التعريفات الخاصة بالتوثيق لشموليته وتحديده اهداف ووظائف التوثيق ..ويتضح من هذا النص ان تقاربا كبيرا يتمحور في المجال الواسع والانشطة العملية لعلم المعلومات الذي يعرف بانه العلم الذي يدرس خواص المعلومات وسلوكها والعوامل التي تحكم تدفقها ووسائل تجهيزها ليتيسر الافادة منها إلى اقصى حد ممكن ،وتشمل انشطة التجهيز : انتاج المعلومات وبثها جميعها وتنظيمها وخزنها واسترجاعها وتفسيرها واستخدامها.

وكالية اجرائية في اطار الاهداف يمكن تحديد مفهوم التوثيق تحديدا اكثر نضجا بوصفه كافة الاجراءات الفنية التي تسهل عملية توفير وتنظيم واستخدام المعلومات باوعيتها واشكالها المختلفة .

وتتجسد اجراءات التوثيق من خلال انشطة فنية متخصصة هدفها الحفاظ على المعلومات والارتقاء بالمستوى الفني لاساليب الوصول اليها بيسر وعناية، وتشمل الاجراءات المذكورة ماياتي:

1 - تامين اوعية المعلومات من خلال تحديد نوع المعلومات واوعيتها وكمية المعلومات المطلوب تامينها ،فضلا عن وسائل اقتناء اوعية المعلومات.
2 - تنظيم المعلومات بوساطة تحليل اوعية المعلومات وتنظيم معلوماتها باسلوب تصنيف وفهرسة المعلومات واعداد الكشافات والمستخلصات .
3 - تخزين واسترجاع المعلومات، اذ يتطلب الحصول على المعلومات من اوعيتها خزنها بوسائل تخزين قياسية وايجاد الاساليب الملائمة لاسترجاعها من اوعيتها في الوقت المناسب.

زر الذهاب إلى الأعلى