[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

كرة التفتيت المتدحرجة

من حق الناس أن يرتابوا بل أن يتصوروا أن هناك من يعمل على تفتيت البلدان العربية وتمزيقها إلى دويلات، فالعمل على تشرذم الوطن العربي يجري بأشكال مختلفة، الحرب أسوأها، وتبني شعارات حق تقرير المصير أكثرها خداعاً . فالحرب تهيّئ الأجواء،

كما فعلت في السودان وفي العراق، وما يجري العمل له في اليمن من أجل التفتيت، لأنها تضع الناس في أجواء من اليأس يصبح قبولهم بالدواء المر أهون من استمرار الأوضاع الأكثر مرارةً .

قد تكون قضية كل بلد مختلفة عن الآخر من حيث الوقائع أو التبريرات أو الأساليب، لكنها كلها تعمل على جعل البلد الواحد أكثر من بلد، ومفهوم “تقرير المصير” عدا كونه مغرياً من حيث مفهومه الإنساني، لكنه مضلل سواء من حيث إطلاقه، أو من حيث تطبيقاته .

مفهوم “تقرير المصير” كان المقصود به أن تتحرر الشعوب من مستعمريها، أو ممن يحتلها، لكنه الآن أصبح لأسباب سياسية يستخدم من أجل سلخ جزء أو أجزاء من الوطن الأم، حينما تقتضي مصالح البلدان الكبرى أو حين يستهوي الأمر بعض المجموعات . كما أن تطبيقاته تسيء إلى استخدام هذا المفهوم، فهو يطبق على البلدان الضعيفة التي تريد البلدان الكبرى تمزيقها لسبب أو لآخر، ولكنها لم تمس أخرى لأنها عصية على التدخل كما الحال في دول كبرى أو لا تقوى أمريكا وغيرها على التلاعب بها .

ثم كيف يمكن تحديد مفهوم “تقرير المصير”؟ هل يقتصر الأمر على تلك الفئة التي تريد الانفصال، لأن لديها منفعة فيه بينما يتضرر بقية الناس منه؟ أم أنه ينبغي أن يعرض الأمر على كل الناس من أجل الفصل فيه؟ فليس في الأول تحقيق مصلحة للجميع بقدر ما هو إضرار بالأكثرية، لأن الأقلية تريد الانفراد بمورد طبيعي، أو لأن قياداتها مدعومة من قوى خارجية .

والأخطر في كل ما يجري في المنطقة العربية هو أن هذا التفتيت الذي يجري تحت مسمى “تقرير المصير”، سيؤدي إلى حروب واقتتال بين الدويلات المنبثقة عن التشرذم الجاري، ويشجع في الوقت نفسه على الاقتتال في البلدان المجاورة انطلاقاً من المفهوم نفسه .

أما الأمر الآخر، فإن تحويل المنطقة إلى دويلات صغيرة، هو ما تسعى إليه “إسرائيل” حتى تكون لها دائماً الهيمنة عليها، تساندها في ذلك الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى . لقد بلغت المخاطر حداً لا يمكن تجاهله، وهي تحمل في طياتها نذر شؤم لكل البلدان العربية .

مفهوم “تقرير المصير” فضفاض يمكن أن يتسع كما نشاهد ونلمس، ما يجعل الفيروس سهل الانتقال من مكان إلى آخر، وهو يتطلب من البلدان العربية الارتفاع إلى مستوى المسؤولية من أجل العمل معاً لوضع استراتيجية توقف التدخلات الخارجية، وفي الوقت نفسه تتلافى الأعذار التي يمكن لهواة الانفصال ركوبها توسلاً لتحقيق مقاصدهم .

ولا يتوهمنّ أحد أن أوضاعه عاصمة له من هذه الشرور، فقد سبق لغيره أن جرّب ووصل إلى حد الكارثة .

زر الذهاب إلى الأعلى