[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الحوثيون والمؤتمر.. من يخدع الآخر؟

من المؤكد أن السلطة في اليمن تسعى بكل الوسائل للتهدئة مع الحوثيين بهدف إجراء الانتخابات في أجواء آمنة ومستقرة، وخاصة في حال إصرار المعارضة على المقاطعة والسير في طريق آخر، ولا شك- والحال هذا- أن الحوثيين سوف يشجعون أحزاب المشترك على مواصلة المقاطعة، فيما الحوثيون ينسقون مع السلطة حول الانتخابات والمكاسب التي سوف يحصلون عليها مقابل السماح بإقامة الانتخابات في مناطق الحكم الذاتي.

ومن المفارقات الغريبة بل من الموافقات العجيبة أن توقيع الحوثيين على اتفاق التنسيق مع المشترك يتزامن مع قيامهم بإجراء مناورات عسكرية استخدموا خلالها (الدبابات) والمدرعات وكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والذخيرة الحية وغير ذلك من متطلبات قيام مناورة عسكرية تقوم بها أي دولة أو قيادة وسلطة، تتمتع بشرعية قانونية ودستورية أو شرعية القوة والأمر الواقع.

ولا شك أن قيام الحوثيين بمناورة عسكرية - وبهذه الصورة والكيفية- يعني أن الدولة اليمنية والحكومة المركزية تخلت عن صعدة والمناطق الأخرى، وسلمتها بصورة عملية للمتمردين الحوثيين، ولم يعد للدولة أي سيادة أو وجود حقيقي سواء كان ذلك بصورة تكتيكية أو استراتيجية، فالنتيجة واحدة: المتمردون في شمال الشمال يحصلون على الحكم الذاتي والإدارة المستقلة على المناطق التي يسيطرون عليها، ويتولون زمام الأمور فيها، ويكفي أن تعرف أن العديد من الوفود القبيلية القادمة من مأرب والجوف، وصلت خلال الشهور الماضية إلى صعدة لإعلان الولاء للقيادة الحوثية ومبايعة (السيد عبدالملك).

ولا يختلف اثنان ولا يتناطح كبشان على أن تقديم العديد من المشايخ والأعيان الولاء للحوثيين، يعني المناصرة والنصرة والسمع والطاعة وربط المصير بالمصير وإعلان البراءة من الدولة والسلطة والمعارضة، وإذا كانت الدولة في هذه المسألة قد فقدت عقلها وتخلت عن مهامها، فماذا نسمي موقف المعارضة والمشترك الذي لم يتوقف عند السكوت على ما يقوم به المتمردون من جرائم وبوائق والرضا بها وتبريرها، وإنما تجاوز ذلك إلى التحالف وإعلان الشراكة والتعاون والتنسيق معهم، وتقديم غطاء سياسي وإعلامي لما يقومون به، ونستطيع القول إن ذهاب المشترك إلى صعدة وتوقيع الاتفاق مع الحوثيين، لا يختلف عن ذهاب الوفود القبلية التي أعلنت الولاء للمتمردين، وبذلك تكون السلطة والمعارضة وبعض مشايخ القبائل قد تنازلوا - مؤقتاً- عن الهوية اليمنية والشخصية الوطنية، وأنهم يتسابقون لتقديم خدمات مجانية للمتمردين الحوثيين، في الوقت الذي قال فيه العلامة محمد عبدالعظيم الحوثي إن الحوثيين أخبث من إسرائيل وقتالهم أوجب من الصلاة!!

ومع كل هذا التهافت الذي تقوم به السلطة والمعارضة فإن الحوثيين لم يحددوا موقفاً من توجه المؤتمر وحلفائه لإقامة الانتخابات في موعدها، ولم يعلقوا على إقرار التعديلات التي قام بها مجلس النواب كقانون الانتخابات، بل إنهم لم يحددوا موقفاً من إعلان المشترك المقاطعة ودعوته (لهبة غضب شعبية) لا تهدأ!! ومن الواضح أن أحزاب المشترك ما زالت حتى اليوم تبحث عن شروح وتفسيرات ومعاني (هبة الغضب الشعبية) وأنهم عازمون خلال الأيام القادمة على إصدار مذكرة تفسيرية ولائحة تفصيلية لشرح (قانون هبة الغضب الشعبية)، وظهر الحوثيون أكثر ذكاءً وتخطيطاً، بينما ظهر المشترك أكثر تناقضاً وإرباكاً، فلا أحد يستطيع تحديد موقف المشترك بالضبط، ولا يستطيعون هم أن يحددوا ماذا يريدون؟ وإلى أين يتجهون؟ ولا يعلمون قبل أربعة أشهر من الانتخابات هل سيشاركون أم يقاطعون؟ ولماذا؟! وهل الانتخابات ما زالت وسيلة- صالحة- للتغيير والتداول السلمي للسلطة؟

وبالنسبة للحوثيين فإنهم وإن دخلوا في حوارات أو وقعوا على اتفاقات أو شاركوا في انتخابات؛ فإنهم يعرفون ماذا يريدون؟ وإلى أين يتجهون؟ لأنهم أصحاب قضية وإن كانت باطلة ولديهم هوية واضحة وإن كانت فاسدة، وينطلقون من ثقافة وإن كانت منحرفة، بينما الأحزاب الإسلامية والقومية واليسارية أصبحت بلا هوية واضحة ولا أيدلوجية ظاهرة ولا منهجية يسيرون عليها (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم).

والواقع يشهد أن الأحزاب الطائفية والسلالية استطاعت (جرجرة) الأحزاب الوطنية والجمهورية إلى معارك جانبية وصراعات جزئية، وهذه الأحزاب الطائفية والقوى الإمامية تسعى في هذه المرحلة إلى إخراج الأحزاب الوطنية والجمهورية من الحياة السياسية عبر الدعوة لمقاطعة الانتخابات والدوران في حلقة مفرغة، وتحديد أطراف الصراع سلطة ومعارضة، واعتبار الصراع سياسي وحزبي وانتخابي، وإبعاد الجوانب العقدية والثقافية والهوية الوطنية والثوابت الدينية والعادات والتقاليد اليمنية الحميدة.

زر الذهاب إلى الأعلى