[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الوساطة محل الكفاءة!

جمعتنا الأقدار قبل اسبوع في منزل احد الأصدقاء لنطمئن على مدى استعداده لمناقشة رسالة الدكتوراه وجاهزيته العلمية والفكرية، استرسلنا بالحديث الرائع الممزوج بالتطلع لفرحة مرتقبة..

ويأسر حديثنا جو دمشقي شتوي يلاحظ من نوافذه العتيقة، الثلوج المزينة للقمم في قاسيون في لوحة يعجز عن وصفها ابدع الرسام تتداخل تلك الالوان الربانية بفرحة الحنين بالعودة إلى جنتين في ارض سبأ لم نتذكر فعليا انهما احترقتا الا بعد ان اجابني صديقنا الموقر على سؤال مضمونه ماهي الخطوة التالية بعد الدكتوراه ؟

اجابني بابتسامة لطيفة رسمت على ملامحها صفات الانسان اليمني النبيل الذي يجمع بين لين القلب ورقة الفؤاد ورحابة الصدر قائلا :

سأذهب إلى شؤون القبائل اليمنية لمعادلة شهادة الدكتوراة بدرجة شيخ (زعيم قبلي امي) في حال وافقوا !!

موقف صديقي وإجابته، جعل قلبي يتفطر دما، شردني في خيالي، وعندها اغتالتني نهدة افصحت عن الكثير مما تخفيه نفسي بتلك الذرات من الهواء التي كانت ابلغ من الكلام واقوى من العبارات .

يا الله ! خمس وعشرين عاما دراسيا، ثلاثة عشر عاما منها في غربة من اجل التحصيل العلمي المليء بالآلام والمتاعب، والمزين بالسهر والمصاعب، لا تعادل درجة (زعيم قبلي)! ماذا سيكتب عنا التاريخ ؟وماذا سنقول لابنائنا؟

الموضوع بقدر ما استثار حفيظتي بقدر ما جعلني امعن النظر في غالبية موظفي الادارة والمناصب والوزارات والهيئات الدبلوماسية ذات الصلة ببناء الانسان في اليمن، لا تذكر مؤهلاتهم العلمية وتلك الاكاديمية العليا اليمنية لتاهيل القادة في اليمن والتي تسمى اختصارا(القبيلة)، وانهمرت عليا الذاكرة بسيل من الشخصيات التي لمسنا شرها وتجرع ويلاتها كل اليمنيين والتي تخرجت من هذه الاكاديمية بعد حصولها على درجة (قبيلي لايفقه في فن الادارة شيئا).

وفي الحقيقة ، ان هذه الاكاديمية اليمنية هي سبب لكل المشاكل التي توجد على الساحة اليمنية لانها الغت مبدأ الكفاءة وعمقت رذيلة الوساطة، فاصبحت الشهادة الجامعية لا معنى لها، والتفوق في نظرهم ممقوت، والثقافة والفكر الثقافي خروج عن القانون الذي خلقوه من العدم، وعليك فقط ان تتذكر تلك الايام التي ملئت بالسهر..

وانت تتنقل بين صفحات المراجع تناجي الليل وتسامر القمر، تتطلع إلى السماء لترسم مستقبلا بين صفحات النجوم لم تدرك بعد ببراءة الحلم ان الاكاديمية اليمنية لن تقبل بمعادلة الجهد المضني بدرجة (شيخ )، وتصاب بالحسرة عندما تنقلك الذاكرة إلى الاسباب لتعرف ان السلطة قد قامت بتعميق هذا الفكر وتوسيعه لتحل الوساطة بديلا عن الشهادة، والولاء للقبيلة مكان الولاء للوطن فتنعدم لدى المسؤول القبيلي ( الحس بالمسؤولية والشعور بالواجب الوطني) فيموت ضميره، وتبرز المعادلات الشخصية والانتماءات الظيقه، وعند الخوض في مكامن الذاكرة تدرك اقتران القيم والاخلاق لدي خريجي الاكاديمية سابقا، بعكس الكثير من الخريجين الان الذين انهارات لديهم منظومة القيم والاخلاق فهم يعانون من افلاس مزدوج (في الوظيفة والاخلاق) مقرون بموت سريري (للضمير والولاء الوطني)، فتتحول الموسسات والهيئات إلى مايشبه قطيع من الحيوانات الناطقة والمسعورة التي لاتظبطها ضوابط، ولاتلتزم بقانون اودستور فالوطن هو الفيد الرغيد والزمن هو الحاضر الوليد والشعار هو نهب اليمن الجديد .

وهذه المؤسسات كما يحلو لهم ان يسموها أو الهيئات لا تعرف من هو صاحب القرار؟ ومن هو الخصم؟ ومن هو الحكم؟ فهم عصابة واحدة تعددت فيهم المراكز وتوحدت فيهم الغاية،وتناسقت معهم الطريقة،وتناغمت معهم الاوتار، وانسجمت لديهم الافكار التي نهلوها من الأكاديمية الممقوته،شغلهم الشاغل تشويه كل جميل، فهم بطريقة الاغبياء ومنهج الضعفاء وهمجية الحمقاء يسيئون للوطن، ويشوهون القائد بتلك التصرفات التي يغلب عليها افلاس (العمل والادارة والاخلاق والقيادة)، ويشوهون كل من يقف ورائهم أو يساندهم ليرسموا صورة عنهم اشد قتامة، وهم يحاولون بتصرفاتهم جر العقلاء والمثقفين إلى تصرف ما، ولم يدركوا ان احلامنا تزن الجبال رزانة .

فادركت فعلا ماهو المعنى الخفي لجواب صديقنا فتربيته الفكرية والعلمية والثقافية وحب الانتماء لديه والشعور بالواجب تجاه الضمير والوطن هو رصيده وارثه خلال تحصيله العلمي وهذا يتناقض تماما مع فكر اكاديمية القبيلي التي فعلا سترفض معادلة شهادته وستصدر توصيات الاكاديمية بجعله مواطن من الدرجة الخامسة .

فمتى يكف هؤلاء انصاف الرجال واشباه المسؤولين عن الكف عن تشويه كل جميل؟ والكف عن الحديث عن الوطن حتى لا يلطخوه بتصرفاتهم، ومتى يكف هؤلاء عن الحديث باسم الرموز الوطنية والتاريخية حتى لايشوهوا تلك القامات الوطنية ؟ ومتى يتعلمون ان الوطن للجميع وان الوطنية ليست صكوك غفران تمنح من اناس يؤمنون بالوطن والوحدة بمساحات تتناسب مع مناطقهم وانتمائتهم؟ ومتى يتعلمون ان الحقوق تاخذ وان الراي لايمكن مصادرته طالما والاكسجين الذي نتنفسه لايزال مجانا؟

ومع ذلك يجب ان نعترف اننا بقدر ماسبقنا العالم في مجالات عديدة ابرزها الفساد والارهاب السياسي فان الجانب التعليمي والاكاديمي كان له النصيب الاوفر، حيث اصبحت الوساطة درجة علمية تعادل الاستشارية والاستاذية (البرفسور) في ارقى جامعات العالم وعند استخدام المنظار مقلوبا كما في طريقتهم فانك لن تجد للامية اي مؤشرا يذكر في اليمن .

زر الذهاب إلى الأعلى