[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

محاذير الانسياق وراء العواطف!

من حق الذين اعتادوا الرقص في أعراس الآخرين أن يزغردوا حتى تلتوي ألسنتهم وأن يهتفوا حتى تُبحَّ حناجرهم وأن يبرطعوا وأن يستخدموا ذلك المثل القائل :«إياك أعني وافهمي يا جارة» كما يحلو لهم لكن على هؤلاء أن يتريثوا قليلاً وألاّ ينجرفوا مع أحلامهم وأمانيهم ويتصوروا أن هذا الذي حدث في تونس سوف ينتقل من دولة عربية إلى أخرى بسرعة انتقال النار في الهشيم إذْ أن حتى الثورة الفرنسية العظيمة لم تأخذ أبعادها في أوروبا إلا بعد معاناة صعبة وطويلة في فرنسا نفسها وبعد أن سالت الدماء ليس حتى الركب بلْ حتى الأعناق.

لتونس ظروفها وأوضاعها وتركيبتها الديموغرافية التي تختلف عمَّا في ليبيا وعمَّا في الجزائر وفي المغرب ومصر والسودان والمؤكد لو أن اليمن بأوضاعها الحالية المعروفة تتعرض لهذا الذي حدث في تونس ,الذي ومع التقدير والتأييد له فإن المراهنة عليه تتطلب التريث والانتظار, لأصبحت خلال ساعات يمنيْن وعندها فإن البكاء على هذه التجربة الوحدوية لن ينفع ولن يفيد.

لا جدال في أن نظام الرئيس زين العابدين بن علي كان زجرياً وشموليّاً بل وديكتاتورياً وفاسداً لكن من قبيل:«أذكروا محاسن موتاكم» لا بد من القول إنه كانت له محاسن وإن من محاسنه أنه جنّب تونس مآسي وويلات الإرهاب الذي ضرب الجزائر ودولاً أُخرى ولا يزال يضربها وأنه انتزعها من بين أنياب الفوضى وأدخلها مرحلة استقرار انعكست نمواً هائلاً في أوضاعها الاقتصادية وفي نهضتها التعليمية.

الآن لا يفيد الكلام فقد حدث ما حدث وأصبح بن علي ونظامه في ذمة التاريخ حيث لم تعد هناك إمكانية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لكن ومع تأييد هذه الانتفاضة الشعبية لابد من الانتظار قليلاً حتى تتضح الأمور ولابد من أن يأخذ الذين يعتقدون أن بإمكانهم نقل شرارة ما جرى في تونس إلى بلدانهم بعين الاعتبار أن المجازفات ليست دائماً مأمونة العواقب.

لا يجوز الانسياق وراء العواطف الجياشة وإذا كانت هناك إشكالات في بلدان عربية أخرى كالإشكالات التي عانت منها تونس حتى انفجرت على هذا النحو فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن معالجة مثل هذه الإشكالات تحددها طبيعة هذه الدول وطبيعة ظروفها الاجتماعية وتركيبتها الديموغرافية وموقعها الجغرافي فدولة محاددة لفلسطين مهددة بالتسفير القسري الجماعي ليست كدولة في شمالي إفريقيا أو في آخر نقطة جنوباً في شبه الجزيرة العربية.

مرة أخرى إنه من حقَّ أيًّ كان فرداً أو حزباً أو منظمة أو تنظيماً أن يُمَجَّد ما جرى في تونس كما يشاء ,لأنه في الحقيقة يستحق التمجيد والإشادة, لكن مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن الدول العربية ليست كلها كتونس وأن ظروف هذه الدول مختلفة وأن التلاعب بأمن بعضها سيؤدي حتماً إلى كوارث وها هو الصومال أمامنا وكذلك السودان واليمن ولبنان والعراق وأيضاً ها هو الوضع الفلسطيني الذي جرى التلاعب بأمنه فكان هذا الانقسام الذي أوجد كيانين متناحرين في الوقت الذي تتطلب فيه استحقاقات القضية الفلسطينية المحافظة على وحدة تمثيلها و ذلك حتى وإن اقتضى الأمر تحمُّل ما لا يحتمل وتأجيل ما هو ضروري لحساب ما هو أكثر ضرورة.

زر الذهاب إلى الأعلى