[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

أحداث مصر.. دروس وعبر!

الفشل المفاجئ للنظام المصري الحالي أدهش الكثير من المحللين والمراقبين، فقد اثبت هذا النظام خلال أيام معدودة بأنه نظام هش بُني على أسس هشة وأعمدة ورقية بدأت تنهار مع رياح التغيير التي قادها مجموعة من الشباب المصري الواعي..

هذا الفشل أو الانهيار المتوالي في تصوري لن توقفه القرارات السطحية التي أقدم عليها مؤخرا ما لم تلبي تطلعات الشعب المصري في التغيير الجاد والايجابي، وبالتالي هذه القرارات لن تصمد طويلا أمام رفض شعبي متصاعد للنظام بكل أدواته القديمة والكثير من شخوصه المرفوضة اليوم من غالبية الشعب المصري بعد أن عانى كثيرا من جور فساد ها واستبدادها وظلمها وأنانيتها.

النظام المصري منذ خطيئة " كامب ديفيد " وربط قراره الخارجي بالأجندة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة خسر الكثير أمام شعبة وأمام شعوب المنطقة ككل، وخسرت مصر كدولة عربية محورية الشئ الكثير من سمعتها ومكانتها وحجمها على المستوى العربي والإقليمي والعالمي وهو الشئ الذي ساهم في هذا الفشل المتوالي كعامل متراكم إلى جانب عوامل الفقر والبطالة وتوسع رقعة الظلم والاستبداد في طول وعرض البلاد.

المدهش والمحزن في آن واحد مما جرى ويجري في مصر هذه الأيام هي الفوضى وأعمال التخريب التي عمت المدن والمحافظات المصرية بالتزامن مع دعوات التغيير و الاستغاثة التي يطلقها المواطنين المصريين عبر وسائل الإعلام المختلفة دون مغيث أو مجيب، فقد بحت أصواتهم خلال الأيام الماضية وهم يناشدون أجهزه الأمن المصرية وأعضاءها " المليون " لإنقاذهم وحمايتهم من أعمال النهب والتخريب والإجرام والبلطجة، ولكنهم لم يجدوا آذان صاغية تسمعهم وكأن هذه الأجهزة التي انفق عليها المليارات وبنيت على مدى عقود طويلة من الزمن اختفت من الوجود وابتلعتها الأرض، فهذه الأجهزة بعد خطيئة قمعها للمظاهرات الشبابية السلمية عجزت عجزا غير عادي في فرض الأمن وحماية المواطنين وممتلكاتهم وأعراضهم في الكثير من المدن المصرية وهو الشئ الذي لم يجد الشعب المصري والكثير من المراقبين تفسيرا ومبررا له سوى في اليومين الأخيرين، فاغلب التحليلات والتفسيرات ذهبت إلى أن الأمر كان مُعدا ومُدبرا من وزارة الداخلية المصرية لتعم الفوضى والحرائق في البلد ومن ثم ينصرف الناس عن المطالب الحقوقية والسياسية!

هذه الأحداث المتسارعه تحمل معها في تصوري الكثير من العبر والدروس للأمة وللأنظمة العربية ككل، فالدرس الأبرز الذي يمكن الاستفادة منه بشكل كبير – في بلادنا - هو ضرورة التعجيل بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة " شعبيا "، وضرورة التعجيل بالإصلاحات الإدارية والمالية المطلوبة " اقتصاديا واجتماعيا "، وضرورة التعجيل بقرارات وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لكي تستقيم الأمور ونحد بشكل كبير من الفساد والإفساد وسطوة الاستبداد أين ما وجد ومن أي مصدرا كان.

وأما عن العبر أو العبرة الجلية التي ينبغي علينا (( كساسة )) وأحزاب سياسية وقوى اجتماعية أن نستلهمها مما جرى ويجري في مصر وفي غير مصر هي الحاجة السياسية الملحه للحوار الجاد والصادق بين السلطة والمعارضة، والحاجة الوطنية الأكثر إلحاحا لإعمال العقل وتغليب الحكمة والمصلحة العامة أمام أي تحرك سياسي سلمي أو مطالبة شعبية بالإصلاح الشامل والتغيير الموضوعي، لان دعوات التغيير القائمة على أسس غير سليمة أو غير آمنه أو غير ديمقراطية، أو القائمة على المصالح الحزبية والغايات الأنانية والاندفاع الغير مسئول ستقودنا بالفعل إلى المجهول ، ومشروع الفوضى الخلاقة والنفق المظلم الذي لا نتمناه لغيرنا ولا لبلدنا التي تختلف ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية اختلافا كبيرا عن ظروف وأوضاع بعض الدول العربية حتى وان وجد تشابه في بعض الأوجه السياسية أو الاقتصادية.

تخيلوا فقط لو حصل في بلادنا لا قدر الله مثل ما حصل في مصر اليوم، كم هي الأرواح التي ستزهق وكم هي الدماء التي ستهدر وكم هي البيوت والمحالات والمصالح التي ستحرق وتنهب وتنتهك خاصة ونحن كمجتمع لازلنا نعاني من انتشار الأمية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والجريمة، ومدننا في الغالب لا تخلو من عشوائيات الأحياء السكنية الشبيهة بالعشوائيات المصرية التي خرج منها البلاطجة وعناصر التخريب والإجرام، إضافة إلى عوامل القبيلة والمنطقة والطائفة والمذهب والحراك والحوثه والقاعدة و انتشار السلاح الناري مع كل هؤلاء وهو السلاح الذي يختلف كما نعلم جميعا من حيث النوع والكم والخطورة عن المطاوي والسكاكين المصرية أو التونسية.

* تأجيل الانتخابات:

في كتابات سابقة كنت من المؤيدين بشدة لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري المحدد، انتصارا واحتراما لدستورنا والإعلاء من قيم الديمقراطية والاحتكام السياسي الدائم للنظام والقانون والدستور خاصة من قبل النخب السياسية في الساحة اليمنية....

ولكن ونظرا لهذه الموجة التي تجتاح أوطاننا العربية واندفاع الكثير من الساسة اليمنيين إلى خيار الشارع ومحاورة الشارع في محاولة عجيبة لمحاكاة تجربتي تونس ومصر لإسقاطها على الوضع اليمني في تجاهل عجيب للفوارق الواضحة والاختلافات الجوهرية، وفي تجاهل أعجب لما سيترتب عليه الوضع اليمني وحجم المخاطر الحقيقية التي ستهدد السلم الأهلي وامن واستقرار ووحدة البلاد ككل.

وبالتالي إذا كانت مسألة التأجيل ستعيد جسور الثقة بين السلطة والمعارضة وستجنب البلاد والعباد ما هو أسوأ من الفراغ الدستوري سأضم قلمي إلى الكثير من الأقلام اليمنية التي تدعو السلطة بإلحاح إلى إعادة النظر في قرار المضي إلى الانتخابات القادمة في شهر ابريل من عامنا هذا وتأجيل هذا الموعد وفق مخرج قانوني ودستوري يتفق عليه الطرفان ومن ثم العودة إلى طاولة الحوار والتوافق الوطني على نقاط محورية وضمن سقف زمني ملزم حتى لا تتكرر ملهاه سنتي فبراير.. والله خير معين وهو من وراء النوايا والقصد.

زر الذهاب إلى الأعلى