[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الثورة.. مؤشرات وخفايا

في الأيام الماضية وحتى الان، تشهد العاصمة صنعاء وتعز وعدن ومدن أخرى في اليمن منذ بداية شهر فبراير مظاهرات حاشدة مطالبة الرئيس علي عبد الله صالح لترك السلطة وترك الحرية للشعب ليختار رئيسه.

ورفع المتظاهرون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام ". تتزايد حدة هذة الإعتصامات والتظاهرات يوما بعد يوم , وتتسع رقعتها ,حيث ان هذه الحدة تعتبر اكبر مؤشر لإرادة الشعب اليمني لإسقاط النظام الذي قد عاف عليه الزمن.

إضافةً إلى استقالة عدد لا يستهان به من اعضاء مجلس النواب , واعضاء في الحزب الحاكم , وتجميد البعض عضويته تجاوبا مع مطالب الثوار في مظاهراتهم الإحتجاجية التي طالبت وما زالت ، بازالة كل رجالات النظام ( الهرم ) من السلطة , وإنظمام قبيلتي حاشد وبكيل كبرى قبائل اليمن وتخليهما عن نظام صالح ,وإنضمام عسكريين من ضباط وجنود إلى ميادين الإحتجاج , يؤكد ان مفهوم التغيير سوف ياتي لا محالة . والمأمول ان نرى حكومة صالح التي تحاول جاهدةً ان تُهدئ الشارع باكاذيب ووعود جديدة مل منها ومن اساليبها الشعب, مثل تكوين حكومة وحدة وطنية ودعوة المعارضة والشباب الثائر إلى الحوار , أن (أي الحكومة) , تواجه المصير نفسه لنظام الرئيسين (المخلوعين) زين العابدين بن علي وحسني مبارك , أن لم تتنحى عن السلطة في أسرع وقت.

علينا ان نعلم ان الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يريد تغييرا سطحيا أو طفيفا ، يغير وجوها فقط ولا يغير انظمة وسياسات متكاملة ، ذلك لضمان تحقيق اهداف معينة , فالغرب لا يريد ديمقراطية أو حرية أو حياة كريمة لليمن، وانما يسعى دائما لإضعافها عسكريا وإقتصاديا مع اخواتاها الدول العربية حتى تظل اسرائيل القوة المهيمنة في المنطقة , ويريد الغرب ايضا من الانظمة العربية ان تكون الحارس المخلص والمطيع لمصالحه , و في خدمته دائما، وان تكون حريصة على اهدافها في المنطقة . فاللافت ان الحكومات الغربية لم تبد حتى الان اي تعاطف حقيقي مع ثورة الشعب اليمني أو حتى تأييد بسيط , انما تصريحات خجولة لا توضح موقفهم الحقيقي , وفي الاطار نفسه يمكن الإشارة إلى البرود الأمريكي-الغربي الملحوظ تجاه إنتفاضة الشعب اليمني ، ومن المؤكد ان العامل النفطي ليس السبب ، وانما تنظيم القاعدة في اليمن , حيث ان الإدارة الأمريكية تعول وتعتمد كثيرا على نظام صالح للتصدي لهذا التنظيم والتعاون معه في الحرب التي يشنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة لإجتثاثه تحت عنوان (الحرب على الارهاب), رغم غموض كواليس العلاقة بين النظام الصالحي والقاعدة , حيث صرح عدد من الصحفيين و المعارضين مسبقا بان قادة تنظيم القاعدة يخرجون من دار الرئاسة.

العالم اجمع والشعب اليمني بشكل خاص, يعلم جيدا ان النظام اليمني نظام غارق في الفساد، ويملك سجلا سيئا حافلا من حيث انتهاك حقوق الانسان، واضطهاد الشعب اليمني ونهب ثرواتة ومصادرة حرياته وحقوقه الاساسية للعيش بكرامة ، ولكن المؤسف انه مازال هناك من يؤيد هذا النظام , ويختلق الأعذار لإفشال العملية الثورية ويصفها بالتخريب والفوضئ و الفتنة . فالبعض يقول ( من هو البديل ؟ ) وكاننا لن نجد بين اكثر من 23 مليون يمني , من هو اجدر من ( علي عبدالله صالح ) , ربما صحيح , لن نجد من هو اجدر منه في صناعة الازمات والإبداع في سياسة تفقير الشعب وتجويعه , اما الاخر يردد سيناريو السلاح , بان الشعب اليمني بحمله للسلاح قد يتسبب في إنفجار حرب اهلية , فهل من الممكن للحرب الاهلية ان تحدث سوى عند حدوث ثورة شعبية ؟ , وخصوصا بعد إصطفاف وتوحد كافة اطياف الشعب تحت مطلب واحد (الشعب يريد إسقاط النظام), بل ان سلاح الشعب سوف يكون رادعا للنظام الحاكم في حالة إستخدام الجيش بشكل قمعي ضد المتظاهرين, كما يحصل الان في (ليبيا) وايضا في (عدن) التي صارت تنزف دماً , ويتساقط شبابها امام جنود النظام القمعي , في موقف أشبة بمجزرة . فوالله قد استفاق الشعب اليمني , ومن لم يستفق ومازال في سُباته , مؤيدا لنظام الفساد فهو من بين هذه الخيارات , إما عبيط أو بليد أو (مستفيد).

• فعلا في السابق كانت الوحدة شكلية فقط , و تحت ضغط (قوة السلطة), اما الان وبعد ان شعر ابناء المحافظات الجنوبية انهم لا يختلفون عن اخوانهم في المحافظات الشمالية من حيث الظلم والإستبداد والقهر والقمع والفقر ايضا , بدأوا يوحدون الصفوف والشعارات المطالبة بأسقاط النظام مع اخوانهم , وبدأت تترسخ الوحدة شكلا ومضمونا بعد ان كانت شكلية فقط . احدى الأخوة من الحراك يقول : بانه لن يحمل شعارات الإنفصال بعد الان , معللا بانه يشعر ان السبب الرئيسي للمطالبة بالانفصال سوف يسقط ويزول بزوال النظام , ومعه سوف تسقط كل المظالم وتعود الحقوق لاصحابها .النظام الحاكم هذه الأيام ينشر قلاقل وسموم عنصرية وإنفصالية عبر بلاطجتة في وسائل الإعلام وفضائياتة التضليلية و ال( فيس بوك ), لتخويف ابناء المحافظات الشمالية بان هناك اهداف لتمزيق اليمن من خلال الثورة , وماهي إلا نعرات إنفصالية تنشر سمومها بين ابناء البلد الواحد لمحاولة إفشال وحدة هدف الثورة بين الشعب الواحد ( شمالي وجنوبي ) ولتثبيط المظاهرات والإعتصامات المطالبة بإسقاط النظام , الامر الذي يعود إلى اذهاننا هو تقارير وتصريحات في الصحف لقادة الحراك الجنوبي ، عن دعمهم لمطالب إسقاط النظام والإنضمام اليه والتخلي عن مطلب الإنفصال , ومن هنا نستنتج بان هذا النظام هو من يدس سموم التفرقة والإنفصال بين مواطني اليمن الموحد , وبرهاناً على ذلك قيام مطابع التوجية المعنوي بطباعة الالآف من الأعلام الشطرية والإمامية وتوزيعها للمتطاهرين , رغم تشدق النظام المزعوم بالوحدة والتغني بصناعتها.

مازالت هناك فرصة للرئيس صالح ان يتنحى عن السلطة , وهذا الافضل حفظا لماء الوجه, ولتجنيب البلاد الكثير من الخسائر , فمن الواضح ان الرئيس صالح ، وانصاره مترددون وحائرون ، بين خياري التنحي أو التمسك بالسلطة . فمن استمع إلى خطاب الرئيس في لقائه مع مجموعة من علماء اليمن وعلى رأسهم الشيخ عبدالمجيد الزنداني ، يجد ان الرئيس صالح بدا اكثر واقعية ، يختار كلمات ناعمة ، ويتجنب لغة الوعيد والإتهام والكلمات التي استخدمها في خطاباته الإنفعالية السابقة ، ولكنه استخدم استراتيجية معينة وهي مغازلة العلماء ، محاولا استخدامهم كورقة اخيرة لتهدئة الأوضاع , والدفع بهم لمحاولة إيقاف المظاهرات , ولكن تصريحات العلماء وخصوصا الشيخ الزنداني صعقت النظام وزادت من جراحة , وعملت على إضعاف موقفه , خصوصا بعد خروج الشيخ مناصرا للمتظاهرين في ميدان التغيير بصنعاء. والأرجح في إعتقادي , ان ما خرج به العلماء من إقتراح للإنتقال السلمي للسلطة خلال سنة , لم و لن يقبل به الشارع اليمني , لانه لا يلبي تطلعات ومطالب الشعب الثائر , وهذه تكون الصعقة الثانية للنظام , رغم رفض صالح للإقتراح بإعتباره , ان النقطه الرابعه منها, بخصوص إستقالته وتنحيه عن الرئاسة في نهاية السنة الجارية , إلتفاف على الدستور والديمقراطية ,و اصر على إستمرار ولايتة حتى 2013 .ما يعني انه بهذا الرفض خسر جمهور العلماء كورقة اخيرة في صالحه.

فالرئيس صالح خسر اغلب اوراقه حقيقةً, واصبح متأرجحا ,رغم جميع محاولاته البائسة في صنع فجوة بين الشعب والعلماء , وايضا بين الشباب المتظاهرين وأحزاب المعارضة , ومحاولة بث سموم التفرقة بين الشعب عبر استخدام الإنفصال والعودة إلى الإمامة كفزاعة للمتظاهرين المطالبين بإسقاطه .ولا ننسى ان إستقالة عدد من ضباط وجنود الجيش مؤخرا , فيها رسالتان هامتان ,الاولى : بأن استخدام السلطة للمؤسسة العسكرية أمر صعب، وأنه في الأخير سيكون موقف العسكر حاسما لصالح ثورة الشباب المطالب بالتغيير .والثانية : أن مواقف هؤلاء العسكريين الذين انضموا إلى المتظاهرين ، تأتي استجابة لتطلعات الشعب، وتعطي رسالة مهمة عن( توحد كافة شرائح الشعب اليمني المطالب بإسقاط النظام ),لانهم جزء من أبناء الشعب، ويعانون مثله وربما اكثر, من الظلم والفقر والتسلط.

انها ثورة مشرفة قادمة لا محالة , لا تستهدف ازالة نظام ديكتاتوري فاسد فحسب، وانما اعادة جذرية لصياغة دستورجديد يحمي المواطن ويعيد له حقه وحريته ، وتطهير البلد من الفاسدين , وبناء يمن عصري - حديث, وإنهاء سياسة الهيمنة والغطرسة والتبعية التي استمرت طوال الاثنين و ثلاثين عاما الماضية. هذه الثورة هي نتاج صبر وتحمل من الشعب اليمني العظيم على ما عاناه في الماضي وما يعانيه الان , من بطش للحريات والحقوق ونهب وسلب لثروات هذا الشعب المسكين الذي لم يذق حلاوة العيش الكريم بعد .فمن اجل حقوقنا وحرياتنا والعيش بكرامة, ومن اجل اجيالنا القادمة , ومن اجل شهدائنا الذين سقطوا في عدن وغيرها , سوف نصبر ونتحمل كما تحملنا ما مضى , وسنضحي , فالتضحية واجبة, وهي سنة الثورات, فلا ثورة بدون تضحية, فاننا شعب مخلص يستحق كل الحرية.

زر الذهاب إلى الأعلى