[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

رئيس للثورة لإسقاط آخر أوراق الرئيس

البديل.. كم ترددت هذه الفكرة في اذهاننا منذ وقت طويل؟ كم أرقتنا وأحرقت قلوبنا؟ نرى لبلد يتآكل وقوى سياسية تتلاعب وجهويات شرسة تحكمنا وفساد يأكل الاخضر واليابس، اغرقتنا هذه المرحلة باليأس وانسدت آفاق الحياة لكن هاهو الأفق ينفتح لتأتي ثورة تتجاوز كل هذه الجهويات التي بدأت من السلطة المتمركزة في الرئيس وقبيلته تواجهها احزاب المعارضة التي احتمت وعلى رأسها حزب الإصلاح بالشيخ، وبينهما تمرد حوثي يقتات من صراع القبائل وحراك جنوبي انقلب لحركة جهوية مخيفة ومعهما قاعدة تحتمي بالقبائل، إذن كلنا احتمينا بأسرنا ومناطقنا وقبائلنا والتصقنا بها تماماً، لكن هاهو الأفق ينفتح خارج الجهوية وخارج السلاح وتأتي الثورة تحدث النظام بلهجة لم يعهدها وتتسلح بمباديء وقيم خارجة عن منظومته.

علي عبدالله صالح الذي واجه اكبر قدر من حركات المعارضة والتمرد طيلة فترة حكمه أمن نفسه جيداً ضد كل هذه الصراعات المسلحة وكل هذه الحركات الجهوية التي سرعان ما تماهت مع السلطة التي نجحت باختراقها وتقسيمها، لكن هذه السلطة لم تتصور يوماً إن هذا المجتمع الغارق حتى النخاع بالسلاح بفقره وبؤسه سوف يخرج بأكمله خارج منطق الجهوية وأعزل السلاح ليكسب المعركة الأخلاقية والشرعية التي عرت النظام.

إذن هو الافق ينفتح لمستقبل نحلم به جميلاً ومشرقاً وصار العائق بين اليمنيين والمستقبل هو الرئيس وأقاربه، فكيف يتزحزح هذا العائق بأقل قدر ممكن من الخسائر؟ للرئيس أوراق متبقية هي الحرس الجمهوري والحرس الخارص وقوات الأمن لكنه ليس معمر القذافي الذي يمتلك من المال وأوراق الضغط ماتجعله يتصرف بمعزل عن أي ترتيبات إقليمية ودولية. فهاهو الرئيس علي صالح يستنجد اليوم بحلفائه الدائمين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، يحاول إبراء ذمته حيناً يعلن النظام البرلماني وربما يقدم لموعد الانتخابات الرئاسية لكنه بعد كل اعلان ذمه يلجأ للعنف باعتباره فعل ماباستطاعته أمام الحلفاء والاصدقاء في الخارج وهو بالتأكيد لايمكنه تحمل العقوبات الشديدة الوطأة على القذافي. هؤلاء الحلفاء لايريدون شيئاً سوى أن يأمنوا شر وقوع اليمن في حالة من الفوضى والحرب الأهلية وهي ترى إن علي عبد الله صالح لايزال هو صمام الأمن لأن الثورة التي اكتسبت مصداقية وجدية بمثابرتها وسلميتها لكنها لم تقدم بديل.

إذن هو البديل مجدداً الذي اشتدت الحاجة له بعد ما انفتح الأفق لمستقبل جديد، فلم يعد الإعتصام في الساحات والتظاهر كافي لاسقاط النظام بل صارت هناك ضرورة لتنظيم الجهود في اطار تنظيمي موحد يمثل هذا الشباب الواعي الذي يمثل جميع فئات المجتمع ومناطق اليمن. هذا الاطار التنظيمي يطرح اسم شخصية رئيس جمهورية مقنع للخارج لأنه يمتلك المصداقية والجدية الكافية والأهم من ذلك الإجماع الوطني المطلوب ليدير مرحلة انتقاليه تعبرها البلاد بأمان. هذا البديل مطلوب حالاً حتى يثق فينا المجتمع الدولي وتهدأ حالة الزعزعة والاضطراب التي اجتاحت الكثيرين بعد تكاثر الانتهازيين على سطح الثورة وهم الذين كانوا مستفيدين قدامى من النظام ويسعون آلان ليكونوا المستفيدين الجدد من الثورة. هؤلاء إذا نجحت الثورة فهم أمنوا وضعهم وإذا فشلت فهم لديهم من النفوذ الجهوي وقوة السلاح مما يأمنهم من أي عملية انتقام، على عكس الشباب الذين واجهوا الأمن بصدروهم العارية وهم سيكونون أول من سوف يتعرض للتصفية في حال فشل الثورة، فليس مثل هؤلاء قادر على انجاح الثورة وحماية انجازه الذين ينظر له جميع اليمنيين باعتبارهم أملهم الأخير في مستقبل مشرق قبل أن يتوارى بعيداً من جديد وهذا لن يتأتى بلا اسقاط آخر ورقة للرئيس وهي ورقة الدعم الخارجي بحجة غياب البديل.

لايمكن للثورة اليمنية أن تسير على خطى سابقتيها، فلايمكن لعبد ربه منصور أو يحيى الراعي أن يدير المرحلة الانتقالية حسب السيناريو التونسي ولايمكن لمجلس عسكري أن يديرها حسب السيناريو المصري. فإذا كان السيناريو التونسي معروف من مجرد ذكر الأسماء لماذا يستحيل الأمر، فالسيناريو المصري لابد أن يكون واضحاً استحالته لأن الجيش في اليمن ليس مؤسسة تحكمها قواعد تنظيمية واضحة وهذا كشفته بشدة حركة الاستقالات التي بدت شخصية بعضها بدافع وطني وآخر انتهازي كما إن الجيش اليمني على عكس نظيره في مصر تورط في حروب أهلية كثيرة والأدهى من ذلك إنه تدخل في العملية السياسية باليمن بشكل كامل ومسؤول عما آلت إليه الأوضاع بعكس نظيره في مصر الذي وإن كان الرئيس من المؤسسة العسكرية لكن البلاد كانت تدار مدنياً.

فالثورة اليمنية إذ قامت فهي انتفضت ضد نظام عسكري- قبلي وليس لمجرد تغيير شخص وهذا أمر لابد أن يكون واضحاً للمتخوفين في الداخل ليقطع الطريق أمام آخر المخاوف التي قطعها الشباب عندما اداروا ثورتهم سلمياَ ضد فزاعة الشعب المسلح والحرب الأهلية.

اليمن دولة تمتلك مناعة تاريخية ضد الحكم المركزي والاستبداد الصرف لكنها ذات مناعة ضعيفة أمام الانقسام بسبب طبيعتها الجغرافية والاجتماعية التي جعلت من عملية توازن القوى أمر حتمي يتطلب بشكل دائم حكمة وحلول مبتكرة يزخر بها التاريخ اليمني، وكان آخرها بعد الوحدة مباشرة عندما حكم اليمن مجلس رئاسي انتقالي يمثل جميع قوى الشعب اليمني بتناقضات صارخة من وجوه تمثل الماركسية العلمية وأخرى قادمة من الجهاد في افغانستان. الحالة اليوم تبدو أقل تناقضاً والكل يجمعه حلم الدولة المدنية الحديثة بنظام ديمقراطي يمثل جميع فئات الشعب اليمني، لكن اليوم تحديات اكثر جسامه بمجتمع استطاع بقوة تجاوز الكثير من المراحل العسيرة بأقل قدر من الخسائر وبكثير من الحكمة المطلوبة بشدة.

إذن مجلس رئاسي مدني فيه عناصر تمثل الشباب وأحزاب اللقاء المشترك وغيرها من القوى السياسية يرأسه شخص يمتلك اجماع وطني حقيقي، ومن الجنوب كعربون ثقة للوحدة اليمنية وللجنوبيين الذي وضعوا كل ثقتهم وأمالهم في الوحدة التي خذلتهم وصاروا يحتاجون اليوم لضمان ثقة إن الثورة لن تخذلهم من جديد بل سوف تشركهم في الوطن مشاركة اساسية وفعلية. الوطن مليء بهذه النماذج لكن يبدو أكثرها وضاءة وبروزاً اليوم هو الدكتور ياسين سعيد نعمان أول رئيس برلمان يمني موحد الذي ادارة بصرامة وانضباط تعبران عن شخصيته النزيهة والذي انسحب تماماً في الأزمة السياسية التي سبقت الحرب، ليعود للبلاد في ظروف شديدة الصعوبة ويدير حزب وطني بحجم اهمية الحزب الإشتراكي رافضاً للانفصال ومطالباً للإصلاح، هذا الرجل يمتلك من الثقة والرصيد الوطني مايجعله مستؤمناً على المرحلة الانتقالية.

بهذا تكون الثورة التي طال أمدها الزمني استطاعت بنجاح أن تنتقل لدرجة اخرى أعلى تنظيمياً وفكرياً تقطع الباب على الإنتهازيين وتطمئن الخائفين من تحولها لانقلاب عسكري يقوم على اكتافها وينظر لها العالم كبديل حقيقي يسقط آخر أوراق الرئيس أمام السعودية والولايات المتحدة بحجة غياب بديل وبالتالي الحرب الأهلية والفوضى هي البديل.

على الثورة أن تحدد أولوياتها في اطار زمني محدد من مرحلة انتقالية تجري فيها تعديلات دستورية تضمن نزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة. و الأهم من ذلك توسيع صلاحيات الحكم المحلي وتمثيل الجنوب ليس طبقاً لسكانه بل حسب معايير جديدة مثل المساحة الجغرافية وحجم مساهمة المحافظة في الدخل القومي فتتحقق عملية الدمج السياسي للبلد الموحد تاريخياً ولن يعرج له المستقبل إلا من باب الوحدة، فكما كان الاستبداد هو بوابة الانقسام في اليمن فالوحدة ايضاً صمام أمان اليمن من الإستبداد.

إذن هما توأمان لصيقان منذ عهد مجالس الأقيال في الدولة السبئية. لابد أن يكون للثورة أهدافها وجدولها الزمني وبدائلها حتى تحتفظ بمصداقيتها وجديتها داخلياً وتضمن استمرار الالتفاف الشعبي حولها وخارجياً بحيث ينظر لها الخارج إنها ليس مجرد ثورة سخط لاسقاط الحكم بل ثورة لبناء نظام جديد لايترك للفوضى مكاناً،مما يرهق النظام داخلياً اكثر وينفض من حوله العالم الذي يستقوي به الرئيس ضد شعبه المسلح لكنه قام بمعجزة الثورة السلمية.

* كاتبة يمنية مقيمة بالقاهرة

زر الذهاب إلى الأعلى