[esi views ttl="1"]
دراسات وبحوث

كتاب"الحرية أو الطوفان" خارطة طريق سلفية للثورة على الحكام

كتاب" الحرية أو الطوفان" صدرت الطبعة الأولى منه عام2004م، وهو للدكتور حاكم عبيسان الحميدي المطيري الأمين العام الأسبق للحركة السلفية الكويتية، وأستاذ مساعد بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة في جامعة الكويت، ومن المؤسسين لحزب الأمة الكويتي.

تخرج الدكتور المطيري من جامعة الكويت 1989م بتقدير ممتاز، وتحصل على الماجستير من جامعة أم القرى في تخصص الحديث الشريف بتقدير ممتاز أيضًا، وحاز على شهادة الدكتوراه فلسفة من قسم الدارسات الإسلامية من جامعة برمنجهام-بريطانيا سنة2000م، وحاصل على الدكتوراه أيضًا في الشريعة قسم فقه المعاملات من جامعة القرويين بفاس المغرب عام2006م بدرجة مشرف جدًا.

الدكتور حاكم المطيري له العديد من المؤلفات والتحقيقات والمقالات، وهو مثالٌ للباحث السلفي الحر، تميز في علوم الشريعة عمومًا وفي علم الحديث بشكل أخص وهو مجال تخصصه، كما أن له مشاركات أدبية ولغوية وله المنظومات الرائعة في العلوم الشرعية وآلاتها، وفي خلال هذا العقد المنصرم برزت له اطروحاته السياسية الجريئة المتميزة، والمتمردة على الخطاب السلفي التقليدي المعاصر.

فجَّر الدكتور السلفي حاكم المطيري قنبلة فكرية شديدة الأنفجار، قوية الانشطار بكتابه هذا" الحرية أو الطوفان"، وعلى إثره أستضافه الأستاذ أحمد منصور في برنامجه "بلاحدود" مباشرة بعد صدور الكتاب، وقد مُنع هذا الكتاب في كثيرٍ من الدول العربية، وكان موجودًا يباع في مكتبة دار الساقي بلندن بعد أن طبع الطبعة الثانية2008م، ولكن نفذت نسخه الآن، وهذه دعوة للدكتور إلى إعادة طبع كتابه من جديد.

يُعد هذا الكتاب في نظري قراءة عميقة للخطاب السياسي الشرعي وقد اعتمد-وفقه الله- في تأليفه لكتابه على الأدوات السلفية الصرفة في البحث والتحرير، من التزامٍ بالصحيح من الأحاديث، واعتماد المقبول من الأخبار والروايات التاريخية، وقد اجتهد وسعه في دراسة أسانيد الروايات التاريخية والحكم عليها على قوانين القبول والرواية عند أهل الحديث، مع مافي هذا من مشقة كما يعرف هذا أهل الفن.

وقد تبين لي من خلال مطالعتي للكتاب أن هدف الدراسة الرئيس الذي ركز عليه المؤلف في الكتاب هو: إبراز الخطاب السياسي المنزل كما أطلق عليه، ونقض الخطاب السياسي المؤول والمبدل كما عبر بهذا، والذي هو في نظره خطاب سبب الانحطاط والتخلف للأمة، في وقت أنه محسوب على السلفية وأهل السنة ويوجد من يرسخه ويشرعنه ويبرر له، حتى صار هو الغالب على الخطاب السلفي اليوم.

وأبرز النقاط المهمة التي ممكن أن ألتقطها لك أخي القارئ من محيط هذا الكتاب الخارطة:

1- قرر أن الإسلام دين يدعو إلى تحرير الإنسان من العبودية والخضوع لغير الله –عز وجل- إلى دين يوجب على أتباعه الخضوع للرؤساء والعلماء مهما انحرفوا وبدلوا؛ بدعوى طاعة أولي الأمر؟
2- عاب فيه على العلماء وأنهم اليوم لم يعد يهتمون بحقوق الإنسان وحريته والعدالة الاجتماعية والمساواة.. إلخ، وهي المبادئ التي طالما دعا إليها النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو في مكة، وأكدها في المدينة، وهي التي أدت إلى سرعة انتشار الإسلام في العالم كله؛ إذ رأت الأمم أنه دين العدل والمساواة والحرية والرحمة؛ كما قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [الأنبياء: 107>؟!

3- انتقد أطروحات الدعاة في الساحة الدعوية بشجاعة إلى درجة أنه قال عنهم يدعون الناس إلى دين لا قيمة فيه للإنسان وحريته وكرامته وحقوقه، إلى دين لا يدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية، بل يرفض تغيير الواقع ويدعو إلى ترسيخه بدعوى طاعة ولي الأمر؟!!

حتى أنه يقول لهم بكل وضوح: "لقد أصبح الناس يدعون اليوم إلى دين إن لم يكن ممسوخًا مشوهًا فهو مختزل ناقص، لا تصلح عليه أمة ولا تستقيم عليه ملة، بل هو أغلال وآصار؛ الإسلام الحق منها براء أدى إلى هذا الواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم:من تخلف، وانحطاط، وشيوع للظلم والفساد؛ فكان لابد من مراجعة الخطاب السياسي الإسلامي"
4- أهم مضامين الكتاب إن لم يكن أهمها على الإطلاق أنه قسم المراحل التاريخية للخطاب السياسي الشرعي إلى مراحل ثلاثٍ: الخطاب السياسي الشرعي المنزل، والخطاب السياسي المؤول، والخطاب المبدل، وهو تقسيم استقرائي بديع لم يسبق إليه في حدود علمي واطلاعي.
المرحلة الأولى: وهي الخطاب السياسي الشرعي المنزل هذا هو الخطاب السياسي الذي يمثل تعاليم الإسلام كما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مبادئ هذا الخطاب الذي يمثل الإسلام المنزل:
لا دين بلا دولة، ولا دولة بلا إمام، ولا إمامة بلا عقد، ولا عقد بيعة إلا برضا الأمة، ولا رضا إلا بشورى بين المسلمين، ولا شورى بلا حرية.
ويرى الدكتور حاكم: "أن ما تعيشه الأمة اليوم من انحطاط وتخلف هو نتيجة طبيعية للانحراف الذي طرأ على الخطاب السياسي الشرعي، الذي جرد الأمة باسم الدين والسنة من حقها في اختيار السلطة ومحاسبتها ومقاومة طغيانها وانحرافها، وإصلاحها عند فسادها، حتى شاع الظلم والاستبداد، وظهر الفساد، فكانت النتيجة الهلاك كما أخبر بذلك القرآن في قوله تعالى: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"، أي ما كان الله ليهلك الأمم بسبب الشرك وحده حتى يتجاوزوا ذلك إلى التظالم فيما بينهم"..
يُذِّكر الدكتور الأمة كثيرًا في كتابه بالخطاب السياسي المنزل، ووجوب التمسك بما كان عليه الخلفاء الراشدون في باب الإمامة وسياسة شؤون الأمة، كما جاء في الحديث: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور". وأن التمسك بهذا الخطاب هو السنة والسلفية، وما سواه هو من البدع التي أحدثها الملوك والأمراء، وتابعهم على أهوائهم العلماء والفقهاء، اتباعًا منهم لسنن القياصرة والأكاسرة كما أخبر بذلك النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعاً بذراع.. فارس والروم".
كما أنه ركز على إبراز المبادئ الأساسية في نظام الخطاب السياسي المنزل، وهي كما ذكرها:
أ – حق الأمة في اختيار السلطة، ومشاركتها الرأي، ومحاسبتها، وخلعها، والاشتراط عليها، ومراقبتها، ونقدها.
ب – وحقها في حرية التفكير والتعبير دون مصادرة أو حجر.
ج – وحقها في مقاومة طغيان السلطة والتصدي له.
د – وحقها في الانتماء والتجمع السياسي والفكري.
ه - وضرورة احترام حقوق الإنسان وحريته التي جاءت بها الشريعة.
و – ووجوب تحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع أمام القضاء وفي تولي الوظائف العامة وفق مبدأ تكافؤ الفرص.
ز – وحق الأمة في التحاكم إلى الشريعة وخلع السلطة عند خروجها على أصولها القطعية.
ح – وحق الأمة في الذود عن أوطانها وإخراج الاستعمار من أرضها وحماية مصالحها.

المرحلة الثانية: مرحلة الخطاب السياسي المؤول.
أما المرحلة الثانية: وهي مرحلة الخطاب السياسي الشرعي المؤول كما سماها، ويرى أنها بدأت بانتهاء الخلافة الراشدين الأربعة وخلافة ابن الزبير التي كانت تشبه خلافة الراشدين عام73ه، وانتهت بسقوط الخلافة العثمانية في 1924م، وملامحها كما رصدها تمثلت في فيما يلي :
أ- مصادرة حق الأمة في اختيار الإمام، الأمر الذي عد تراجعاً خطيراً للخطاب السياسي، حول الحكم الشورى إلى ملك عضوض، توارثه الأمويون والعباسيون ومن بعدهم بشتى أنواع التأويل لنصوص الكتاب والسنة التي ناقشها المؤلف ورد عليها بكل تفصيل، ومن ذلك ذكر أن مسألة التوريث في الحكم ليست سنة إسلامية فضلاً أن تكون سلفية، وإنما هي سنة هرقلية كسروية.
ب- مصادرة حق الأمة في المشاركة بالرأي والشورى.
ج- وغياب دور الأمة في الرقابة على بيت المال .
د- كما تراجع دور الأمة في مواجهة الظلم والانحراف، والاستسلام إلى الأمراء والانصياع للظلم بذريعة وجوب طاعة ولي الأمر حيناً وبسد ذريعة الفتن حيناً أخرى .
وبرغم سلبيات مرحلة الخطاب السياسي المؤول إلا أن المؤلف ارتأى في نهاية المطاف أنه حافظ على بعض مبادئ الخطاب السياسي المنزل كإقامة الملة بتحكيم الشريعة وإقامة الجهاد، والذود عن الحياض، والمحافظة على الخلافة وإن كانت صورية.

المرحلة الثالثة: مرحلة الخطاب السياسي الشرعي المبدل:
هكذا سماها الدكتور (الخطاب السياسي الشرعي المبدل) ويرى أنها بدأت بعد سقوط الخلافة العثمانية إلى عصرنا هذا، وقد تم في هذه المرحلة تبديل شرع الله بأنظمة مستوردة ثم وقوع الأمة كلها في أسر الاستعمار الغربي، وقد برز هذا الخطاب مغلفاً بغلاف الدين في كتاب الدكتور علي عبد الرازق الذي نفى عن الإسلام فكرة الإسلام السياسي، الأمر الذي سوغ إلى إلغاء الخلافة الإسلامية مما أدى إلى قيام الدولة القطرية تحكمها أنظمة علمانية عميلة، لا ترى وجوب الجهاد ولا تطبيق الشريعة.
5- ومن المسائل المهمة التي أشار إليها في الكتاب، أن النصوص الشريعة النبوية التي دعت إلى طاعة أولي الأمر من حكام وأمراء مقيدة بثلاثة قيود:

الأول: إقامة الصلاة، فإن ترك الحاكم الصلاة فلا طاعة له، ولا سمع له، بل لا شرعية له.

ستدلًا بما في صحيح الإمام مسلم"شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم،" قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة"

القيد الثاني: إقامة الكتاب، والحكم بما فيه، كما في صحيح مسلم أيضًا:" اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيب ما أقام فيكم كتاب الله" فاشترط هنا إقامة كتاب الله، ومن لا يقيم كتاب الله لا يستحق طاعة، ولا يجب له سمعاً.

القيد الثالث: عدم ظهور الكفر البواح " وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً فيه من الله برهان" أي فإن ظهر الكفر البواح فنازعوهم، فهذه الثلاثة القيود التي قيد بها وجوب السمع والطاعة.

6-ومن أهم أفكار الكتاب ما أشار إليه في نتائج الدراسة -وهو بيت القصيد هنا –فقد هدد الحكومات عام 2004م بطوفان عارم واجب، وأعلن أن إزالة هذه الأنظمة بطوفان أو ثورة من الواجبات على الأمة، وكأنه وضع بهذا خارطة طريق سلفية قبل سبع سنين للطوفان الذي نراه اليوم على الحكومات العربية، قال: "فالواجب العمل على تغييرها بكل وسيلة ممكنة، سواء بالعمل السياسي السلمي أو بالعمل الثوري؛ إذ بقاؤها بقاء للاستعمار ولا سبيل إلى زواله إلا بزوالها".
بل رأى أنه لا خيار للأمة إلا أن تأخذ بهذه الخارطة، وهي خيارها الوحيد، وهذه الجملة هي آخر جملة ختم بها الكتاب قال: "وليس أمام الأمة للخروج من هذا التيه سوى الثورة أو الطوفان!".

وهذا هو الخيار الذي أخيرًا لجئت إليه الأمة هذه الأيام، ومع أن هذا الطرح الذي تبناه الدكتور من فترة كنا نعتبره نوعًا ما غير واقعي، إلا أنه اليوم صار هو الخيار الشعبي الذي تكاد تكون الشعوب العربية اتفقت عليه وارتضته اليوم، وأصبح يتبناه العلماء والدعاة والمفكرون والسياسيون وأهل الحل والعقد وغالبية الأفراد، وبناء على ذلك قلت أن الدكتور وضع خارطة الطوفان على الحكام بكتابه هذا، وهو ينتسب إلى المدرسة السلفية، ولذا قلت عن الكتاب" أنه خارطة طريق 2004م السلفية للثورات العربية على الحكام..

*كاتب وباحث يمني مقيم في بريطانيا

زر الذهاب إلى الأعلى