أرشيف الرأي

الدكتورة رؤوفة حسن

الدكتورة رؤوفة حسن، خسرت كثيراً ولم تكسب إلا حبّ الجيل الذي تربى معها أو على يدها ومقعداً ذهبياً في التاريخ الاجتماعي اليمني كمناضلة ورائدة تبنَّت قضية النساء لينلن حقوقهن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كباقي اليمنيين ليس أكثر. وفي اليمن من الصعب أن تسعى إلى التغيير أو تطالب به دون أن تتعرض للظلم والأذى بشتى أنواعه، ذلك لأن الناس أعداء ما يجهلون، والمقصود بالناس، هنا، الناس في المجتمعات التقليدية المحافظة (حتى لا أقول المتخلفة).

وقد كان اسمها أول الأشياء التي خسرتها وضحّت بها (أمة الرؤوف حسين الشرقي)، حيث عاشت كل حياتها باسم محرَّف أو معدَّل (رؤوفة حسن) أملته ظروف اجتماعية لتتمكن من العمل في إذاعة صنعاء، فكان لابد أن تختفي وراء اسم مستعار حتى لا تمنع من الاستمرار في ذات العمل.

أسّست في منتصف التسعينات وحدة دراسات المرأة في قسم الاجتماع بجامعة صنعاء وطوِّرته إلى مركز مستقل تابع للجامعة (مركز الدراسات النسوية) الذي تعرَّض إلى حملة إعلامية شرسة من قِبَل القوى التقليدية أدّت إلى إغلاق المركز، استغلّت تلك الحملة جهل الناس بمصطلح gender الذي يترجم إلى النوع الاجتماعي، ويعني (الأدوار الاجتماعية والثقافية للرجال والنساء). وقد حُمّل هذا المصطلح دلالات سلبية أساءت للدكتورة رؤوفة حيث نعتها خطباؤهم ب (المبشرة بالجندر).

الغريب أنه بعد إغلاق هذا المركز نشأت مراكز أخرى متخصصة في نفس المجال ولم تتعرّض لنفس الحملة. فهناك مركز النوع الاجتماعي في جامعة عدن ومراكز أخرى مشابهة لم تتعرض لأي حملة إعلامية رغم قيامها بعمل ندوات وورش عمل وبحوث تتعلق بالدور أو النوع الاجتماعي أي الجندر gender وهو نفس النشاط الذي كان يقوم به مركز الدراسات النسوية. فهل هذا الجندر مفهوم سيئ ومخالف للدين وحرام حيناً وحلال حيناً، أم أنه في لحظة ما أعلن توبته، تماماً مثل الكوكا كولا التي تُقاطَع في بعض البلدان في مواسم معيّنة على أنها يهودية ثم فجأة تسكت الحملة و تصبح الكوكا كولا مسلمة يتناولها كل الناس بدون حرج.

استطاعت الأزمات القاسية التي تُوّجت أخيراً بالثورة أن تصنع تحولاً على مستوى الوعي السياسي، كان أبرز معالمه إنشاء تكتل اللقاء المشترك الذي استطاع أن يتغلب على الأيديولوجيي وينصهر في كيان واحد يتحرك وفق برنامج سياسي منسجم. ومن خلال هذا الكيان مارس حزب الإصلاح دوره السياسي بعيداً عن الشعارات الأيديولوجية التقليدية للأحزاب ذات التوجه الديني، وبدّل هدفه من مواجهة سلطة كافرة لا تحكم بما أنزل الله إلى مواجهة سلطة فاسدة تعمل ضد مصالح الشعب، وهو تحّول نوعي في التفكير وإدارة العمل السياسي ينطلق من الواقع الاجتماعي والسياسي ويطرح نفسه كشريك سياسي متخلياً عن فكرة أحقيته، وحده، في تمثيل الدين كما كان يُطرَح سابقا.

التقى الجميع في ساحات الحرية والتغيير، يجمعهم الهدف ولا تفرقهم الأيديولوجيا، فتصعد توكل كرمان القادمة من حزب الإصلاح، المعسكر الذي حارب الدكتورة القديرة، وانطلقت من الأفكار والقيم التي دعت إليها (أي الدكتورة). خرجت توكل تمسك مكرفونا وتخطب في الناس رجالاً ونساء و تهتف ضد السلطة، بشعارات وطنية (وليس دينية) كما لم تُوَجَّه إليها أي انتقادات دينية، فلم يصرخ فيها أحد (وقرن في بيوتكن) ولم يقل أحد (لا يفلح قوم ...) لأن الجميع يدرك أن القضية قضية وطن، وأن ما جمعهم ليس الدفاع عن الدين الذي يحترمه الجميع بل الشعب الذي انتُهِكَت حقوقُه وعُبِث بمستقبله وقُتِل أبناؤه.

فرضت هذه الثقافة نفسها على خطاب السلطة التي تعاملت مع المشترك إعلامياً بصيغة الجمع، ولم تفكر في توظيف العامل الديني إلا في فتوى الاختلاط الشهيرة التي جاءت على لسان الرئيس، ولعل من بين الأسباب التي دفعته إلى ذلك استغرابُه أو غيظُه من تجاوز الإصلاح لخطابه التقليدي من أجل المصلحة الوطنية العليا.

في ظل هذا التحوّل، إذاَ، جاءت توكل كرمان واستطاعت أن تجمع بين عضوية حزب الإصلاح وسفور الوجه والاتصال بالمنظمات الدولية والسفارات وقيادة المظاهرات و(مكرفون). ليس الغريب هنا أن تجمع بين كل ذلك بل أن تجمع بين كل ذلك وحزب الإصلاح. جاءت توكل، إذاَ، في ظروف مهيأة إذ جرت الرياح كما تشتهي السفن، ساعدها الحظ والمصادفة والتزامن بين ظروف نشاطها واشتعال ونجاح بعض الثورات العربية، وتخصص قنوات كبيرة مثل الجزيرة في مناصرة تلك الثورات وتلميع رموزها. اختطِفت توكل أو اعتقلِت لساعات فتناولت الخبر معظم القنوات، ونددت باختطافها أو اعتقالها أغلب المنظمات العربية والدولية، فأصبحت، بذلك، بطلة تمتلك شهرة ورصيداً نضالياً.

وعلى النقيض تماماً، ولسوء حظها فقط، عملت الدكتورة رؤوفة حسن ،على مدى عقدين، في ظروف اجتماعية وسياسية قاسية تعمل ضدّها ، لقد وجدت نفسها هدفاً محدَّداً لحملة خطَّط لها ونفَّذها حزب سياسي كبير، أدَّت إلى اغتيالها سياسياً واجتماعياً، ورغم ذلك، لم نسمع كلمة احتجاج واحدة. ولكن الدكتورة القديرة لم تتوقف، فقد استمرت، منذ ذلك الحين، تناضل بصمت مُكرِّسة كل جهودها من أجل تنمية النساء من خلال مؤسسة تنمية البرامج الثقافية.

زر الذهاب إلى الأعلى