[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

المراهقة السياسية.. والمبادرة الخليجية

تفتقر بعض كتابات النخبة اليمنية إلى الحس الموضوعي والحس السياسي في تناولها لموضوع المبادرة الخليجية، وكثيرا ما يحرص البعض على كيل التهم للوسطاء فيها والسب والشتم بشكل يفقد المرء صوابه ويخرجه من قراءة سياسة للموضوع إلى قراءة شخصية مبنية على أحكام مسبقة وآراء جاهزة بهذا الطرف أو ذاك.

للأسف الشديد فقد انزلق في هذه الهاوية عدد غير قليل من مثقفينا وبالذات أولئك المحسوبين على المعارضة بل تجاوزهم الأمر إلى بعض قادة المعارضة من الصف الثاني بل والأول في أحيان ربما، وكأن هؤلاء وللأسف لم يستفيدوا من دروس الماضي!!

علينا أن نفكر، ونحن نكتب، في الثورة وشهدائها وفي اليمن وأبنائه، في الوطن وجراحاته؛ علينا أن نستحضر حجم اليمن الحقيقي سياسيا واقتصاديا وعسكرياً.. هذا الوضع المتقزم اليوم بسبب المتمترس في قصر النهدين القابع خلف أسواره في حالة يتردى فيها اليمن بصورة غير مسبوقة تاريخياً؛ وعلينا أيضاً أن نستحضر في أذهاننا نجاح الثورة ومستقبل علاقاتها مع دول الجوار الإقليمي الأكثر احتكاكاً بنا وحساسية لوضعنا.

هذه الكتابات وإن كان لها ما يبررها من عقد تاريخية وتكهنات مستقبلية وتحليلات منطقية، ولا منطقية في أحيان
كثيرة، إلا أن الوقت لا يتناسب مع هكذا أفكار ولا هكذا رؤى فالثورة ليست بحاجة إلى أعداء جدد بل وليست بحاجة إلى تكريس تخويفات الحاكم منها وتعزيز تسويقه لها؛ بل ان من يكتب بهذا المنطق الأعمى يخدم النظام من حيث لا يعلم وهو ما أشار إليه الكاتب داود الشريان في مقاله الأخير الذي جاء في مقدمته، تعليقا على تردد صالح بالتوقيع ".. ساهم إلى حد بعيد في تشويه دور دول مجلس التعاون في الشارع اليمني".

وهذا حقيقة ما أراده الرئيس وحزبه وما عبر عنه كثير ممن كتبوا عن المبادرة الخليجية وكأنهم يتحركون وهم لا يعون شيئا من السياسة ودهاليزها.

ما لم يكن لدى شباب الثورة حس سياسي رفيع يتفهم الأرضية الواثقة والحريصة وغير المشبوهة التي انطلقت منها مبادرة الاشقاء في الخليج وأن حرصهم حقيقي على أمن واستقرار اليمن لأنه عامل هام في استقرار المنطقة، وأنهم قدموا مبادرة تحقق أهداف ثورة الشباب ولكن بألفاظ ومفردات تحفظ ماء وجه الطرف الاخر لكي يقبل بها ومن الطبيعي ان لكل اتفاق آلية، ومن الممكن مناقشة الآلية وليس تخوين المبادرة.

إننا اليوم أمام لعبة سياسية تتطلب النفس الطويل والتخطيط الدقيق والنظرة الأعمق من قبل قادة المعارضة، ومسؤلياتهم هنا تتجاوز مسؤليات الرئيس صالح وأركان حكمه الذى يعد للرحيل ولا يهمه إحراق البلد أو سلامتها. ويبدو هذا واضحا خلال الفترة الماضية من خلال التصرفات اللامسؤولة للحكم وأركانه ناهيك عن العقاب الجماعى الذى يشنه النظام ضد أنباء الوطن من حرمانهم من المواد الأساسية وأسباب الحياة علاوة على القمع في الساحات والشوارع.

إن ما تحتاجه الثورة اليوم هو استثمار جيد للسماء المفتوحة والتواصل التكنولوجي لتطمين الشرق والغرب وتعزيز رسائل إيجابية بأن اليمن القادم سيكون يمناً حضاريا بعيدا عن الإرهاب والثارات السياسية، ويحترم حق الآخر ويتجه للديمقراطية لا للإقصاء.. يمن يتعامل فيه قادته الجدد بحس سياسي رفيع وبعمق مدرك، لا
بسطحية بليدة ولا بعواطف ملتهبة ولا بتراكمات بالية.

زر الذهاب إلى الأعلى