[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

من أسباب تأخر النصر

البنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهى تواجه الخطر، وهى تدفع وتدافع، وهى تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة. عندئذ تتحفز كل خلية بكل ما أودع فيها من استعداد لتؤدى دورها، ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العلميات المشتركة، ولتؤتى أقصى ما تملكه وتبذل آخر ما تنطوى عليه، وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هى مهيأة له من الكمال.

والنصر السريع الذى لا يكلف عناء، والذى يتنزل هيناً ليناً على القاعدين المستريحين، يعطل تلك الطاقات عن الظهور، لأنه لا يحفزها ولا يدعوها. وذلك فوق أن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه.

قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات. فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً!

قد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد.

قد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.

قد يبطئ النصر لتزيد الأمة صلتها بالله ، وهي تعاني وتتألم وتبذل؛ ولا تجد لها سنداً إلا الله، ولا متوجهاً إلا إليه وحده في الضراء. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله. فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

قد يبطئ النصر لأن الأمة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تكافح لمغنم تحققه ، أو حمية لذاتها ، أو تقاتل شجاعة أمام خصومها. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه.

قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصاً، ويذهب وحده هالكاً، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار!

قد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة لم ينكشف زيفه للناس تماماً. فلو غلبه المؤمنون ببطلانه، حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله؛ فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة. فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية!

قد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة. فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار . فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر، ولاستبقائه!

من أجل هذا كله ، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام. مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية.

- بتصرف يسير

زر الذهاب إلى الأعلى