[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

ماذا بقي للرئيس ليراهن عليه؟

لو بدأنا من عام 2006 حيث بدأت الثقة بين الشعب اليمني والرئيس علي صالح تتزعزع وخاصة بعد إعلانه عدم ترشحه للإنتخابات الرئاسية في مسرحية يريد من خلالها إثبات عدم رغبته في السلطة ومن وراء الكواليس كان يعد لحشد الجماهير وينفق عليها أموالا طائلة لكي تخرج إلى الميادين وتطالب بترشحه للإنتخابات..

لكونه لم يعد ملكاً لنفسه وإنما ملكاً للشعب - على حد تعبير الشعارات المعدة منه مسبقاً - تمهيداً للبقاء على السلطة وكذا للكشف عن الطامحين لنيل كرسي السلطة من شخصيات وقيادات في حزبه وفي الأحزاب الأخرى ليتم التخطيط لتصفيتها لإبقاء الدرب خالياً أمام الولد أحمد ليتسلم السلطة في مراسيم يباركها ويجمع عليها جميع فئات الشعب.

قبل هذه المسرحية، كان علي صالح يعول ويراهن في بقائه في سدة الحكم على حب الشعب اليمني له وثقته فيه، و تأكد ذلك عندما أعلن عدم ترشحه حينها، ولكن عندما انكشفت لعبته، واتضحت حقيقته وطبيعته المتشبثة بكرسي السلطة، بدأ الشعب يفقد الثقة بالريس وبدأ يمل من الوعود وكثرة الخطب التي خلت من المصداقية واتسمت بالكذب والمماطلة، وخاصة بعد ازدياد التدهور الاقتصادي بطرح الجرعات واحدة تلو الأخرى وازدياد نسبة البطالة بين الشباب اليمني بنسبة تزيد على 75%، و تزايد الأزمات التي مر بها البلد تارة في انعدام الغاز، وتارة في المحروقات مثل الديزل والبنزين، و الانقطاع المتكرر للكهرباء حتى أصبح الناس يتساءلون إذا مر أسبوع أو أسبوعان بدون انطفاء هل جاءت الكهرباء النووية التي وعد بها الريس علي صالح حتى نتصور أسبوعين بدون انطفاء؟؟

ولكن سرعان ما تعود الأزمة و لا زالت قائمة حتى اللحظة، وهذا بالطبع يؤثر ليس فقط على حياة الناس في منازلهم بل في التجارة والصناعة وكذلك في الاستثمار الذي يدعو له النظام من خلال المؤتمرات والندوات الدولية ولكن لا يعمل على توفير الجو المناسب للاستثمار في اليمن الذي من شأنه سيقلل من نسبة البطالة ويزيد من الانتعاش الاقتصادي في اليمن.

من ناحية أخرى، زج النظام باليمن في حروب ليست ضرورية خاصة في الوضع الراهن ولا يراد منها سوى أغراض وأهداف سياسية للريس علي صالح ونظامه سواء في كسب التأييد المدعوم بالمال من أميركا والدول الأوروبية لدعم الحرب ضد الإرهاب المتمثل ب "القاعدة"، أو ابتزاز الدول المجاورة وخاصة السعودية لمحاربة "الحوثيين".

كل هذا أدخل اليمن في نفق مظلم وأوجد نعرات طائفية و انفصالية في شمال الوطن وجنوبه، فأصبح الشعب الذي نادى في الجنوب بالوحدة اليمنية ينادي الآن بالانفصال وذلك ليستطيعوا العيش في أمان وفي ظل الثروات المتوفرة التي تم نهبها ومصادرتها ليس للشمال وإنما لصالح الريس علي صالح وأولاده والقوى المتنفذة في النظام المستبد.

وهذا بالتالي أفقد نظام علي صالح الكثير من المصداقية و قلل من إمكانية البقاء على سدة الحكم، و أصبحت مسألة بقائه هي مسألة وقت لا أكثر وستحين ساعة الانتفاضة والثورة على كل هذا الفساد والاستبداد بالسلطة وانحصارها على فئة قليلة من الشعب.

ودقت ساعة الصفر... فبعد نجاح ثورة تونس واندلاع ثورة مصر وبعدها مباشرة ثورة الشباب في اليمن، والتي كانت نتاج معاناة وصبر وأنين للشعب اليمني، فلم تأت هذه الثورة كما يقول النظام وأبواقه أنها تقليد للثورات التي سبقتها وإنما ثورة اليمن سبقت جميع الثورات في الواقع، ففي الوقت الذي كان يعاني فيه اليمن الحروب الداخلية منذ 1994 ونتائجها التخريبية واستنفاذها للموارد الاقتصادية كان المصريون والتونسيون يبنون وطنهم واقتصادهم..

وكان الغاز متوفرا والمحروقات متوفرة وأيضا الكهرباء لا تنقطع والاستثمار قائم على قدم وساق في بلدانهم، ولكن الانتخابات لم تكن نزيهة وأيضا نزعتهم إلى التغيير ونفورهم من التوريث كان يؤرق حياتهم، ولذلك قامت ثوراتهم، والذي أقصده من وراء كل هذا أن ثورة اليمنيين أكثر شرعية واستحقاقا لليمنيين أكثر من غيرهم و كان يجب أن يكتب لها النصر أكثر من غيرها لولا بعض العوامل السلبية التي جاءت نتيجة توارد المبادرات الخليجية والتجاوب معها من قبل أحزاب المشترك والتي كان لها دور في تأخير حسم الثورة للموقف وتعجيل تنحي النظام عن السلطة.

نأتي الآن لنقارن ما كان يعول عليه النظام قبل الثورة أو بالأصح ما بقي له من عام 2006 حتى قبل الثورة من تأييد شعبي حر غير مدفوع له، وما بعد الثورة و خاصة في كون الريس علي صالح لم يحرك ساكناً استجابة لمطالب الشعب من إصلاحات أو تشكيل حكومة جديدة من شخصيات جيدة في المجتمع بل بالعكس فقد غير بعض الوزارات وبنفس الشخصيات المشهود لها بالفساد والتي أيضا ارتكبت في حق المعتصمين مجازر أشهرها مجزرة جمعة الكرامة، وهذا ينقل رسالة من علي صالح مفادها "هذه هي الحكومة البديلة التي تليق بمطالبكم" والتي صرح عنها فيما بعد بقوله "سنواجه التحدي بالتحدي، ولن نقف مكتوفي الأيدي، وسنواجههم بكافة الوسائل في القرى والعزل والمدن والطرقات" وهنا السؤال يطرح نفسه : من هؤلاء الذين يخاطبهم بالتهديد؟؟ هل هم الصهاينة؟؟ أم الاحتلال الأجنبي لليمن؟؟ كلا إنه يخاطب الشعب اليمني الذي يحكمه طوال 33 سنة فإن اليوم يحكم عليه بالإعدام.

ما الذي بقي للريس علي صالح ليعول عليه أو يراهن عليه ليستمر بالحكم حتى ولو أسبوع أو شهر بعدما أحرق كل ذرة حب واحترام في قلوب كافة الشعب اليمني، و أستثني القليل من مناصريه المستفيدين من بقائه، أما السواد الأعظم من الشعب فهو ضد بقائه في السلطة.

على ماذا يعول ويراهن إذاً؟؟ على دول الخليج؟؟ ها هي قطر تنسحب، و الكويت ستسجيب لمجلس الأمة الذي يمثل الشعب الكويتي الأصيل الذي أجرم في حقه نظام الريس علي صالح عام 91، وبعدها ستكون الإمارات وعمان ممثلة بشعوبها وستستجيب الحكومات للشعوب وسيكون هذا قريبا، و لن يتبقى للريس علي صالح سوى الندم والعض على الأنامل لتفويت الفرصة على نفسه ونظامه في التنحي منذ بداية مطالبة الشعب له بذلك ولكن ساعة لا ينفع الندم.

إذا كان الريس علي صالح يعول على أميركا والإتحاد الأوروبي، فهذه الأيام نشاهد العديد من وزراء الخارجية لعدد من هذه الدول الأوروبية (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا) ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها والداعية له بتسليم السلطة سلميا وفورا وبعضها يشيد بسلمية الثورة التي ستنتصر على نظام علي صالح، وهذا يدل على التأييد الدولي لهذه الثورة، والتي أثبتت للعالم أن المستقبل الجديد لليمن سيكون ذا واجهة مدنية وحضارية بعيدة عن الإرهاب والتطرف.

ولعل أميركا من خلال سياستها الخارجية مع بلدان العالم الثالث والتي تمده بالمساعدات وتدعم فيه الديمقراطية لأجل أن تعيش الشعوب في حرية ورخاء لأن الكبت والفقر يولدان النقمة والحقد على الشعوب الأخرى وبالتالي سيكون ذلك مرتعا خصبا للإرهاب المحلي والدولي، وهذا ما تدفع أميركا لمنع حصوله المليارات من الدولارات، أما وقد علمت بالصورة الحقيقية للشعب المسلح الذي صور لها النظام عنه مدى همجيته وعنفه، ها هو يخرج أعزلاً مخلفاً وراءه ما يربو عن 60 مليون قطعة سلاح مفشلاً بذلك رهان الريس علي صالح الذي كان الحرب الأهلية آخر ما يعول عليه ويحث ويدفع إليها مناصريه في جميع خطاباته سواء في أيام الجمعة أو في المؤسسات العسكرية التي يزورها هذه الأيام لغرض تعبئة أفرادها وضباطها لمواجهة الثوار العزل بالقتل والقمع والخطف وبكل الوسائل المتاحة وبشكل فاضح ودعوة صريحة إلى حرب أهلية، ولكن هيهات فالشعب اليمني أعلن أنه أرقى الشعوب العربية وهو بذلك يستحق دعم ومناصرة ثورته.

إذاً – في اعتقادي الشخصي – لم يعد هناك ما يعول أو يراهن عليه الريس علي صالح في حربه ضد هذه الثورة المباركة ولم يعد له سوى التسليم بالأمر الذي أصبح واضحا كالشمس، وخصوصاً هذه الأيام الذي نشهد فيه أفواجاً كبيرة من الناس والقبائل اليمنية تخرج من بيوتها وتترك صف الريس علي صالح ومناصرته وتنضم لثورة الشباب بعد أن تبين لها أنه ليس من إنسان عاقل يمكن أن يقبل أن يكون في الجانب الخطأ والذي يصر باستمرار على سفك الدماء بلا رادع وليس هناك من قضية يحارب من أجلها سوى التمسك بالسلطة في ظل نظام فقد شرعيته عند أول قطرة دم سفكت، و يتشدق بالشرعية الدستورية، أية شرعية تسفك الدماء؟؟

إنها فقط شرعية أو شريعة الغاب التي تعمل ذلك، وحتى الأحكام والحدود التي ذكرت بالقرآن الكريم الذي هو كلام وتوجيهات الخالق تم التعامل معها بما يتناسب مع الظروف الراهنة للحدث، على سبيل المثال لا الحصر أن حد قطع يد السارق في ايام الفقر والقحط لم يطبق وإنما تم إقامة التعزير أو الحبس وغير ذلك نظراً للوضع الاقتصادي حينذاك، ولم يعتبر هذا انقلاباً أو تعدياً على الشريعة الإسلامية، ولكن حفاظاً على الشريعة الإسلامية والمسلمين من الفتنة في ذلك الوقت، ولكن في نظام علي صالح وللأسف فهو مستعد أن يقتل شعباً بأكمله في سبيل الشرعية الدستورية – حسب زعمه - ضارباً عرض الحائط جميع الشرائع والأديان المحرمة لقتل الأبرياء وسفك الدماء بدون وجه حق، فهل من عاقل يفعل ذلك؟؟

نسأل الله أن يجنب اليمن واليمنيين الشر المستطير الذي يكمن في طيات هذا النظام، وأن يحقن دماء الشعب اليمني من مدنيين وعسكريين في ارجاء الوطن الغالي..

زر الذهاب إلى الأعلى