[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أي الأحمرين؟

خرج علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني، ومعه أقطاب حكومته، من اليمن بدواعي العلاج إثر الإصابات المختلفة التي حصلت لهم جراء قصف أطلق على مسجد قصر الرئاسة الجمهورية خلال خطبة الجمعة الأخيرة.

وجاء هذا الحدث بعد تصاعد خطير في الصراع العنيف بين الرئيس وقواته المسلحة وزعماء «آل الأحمر» والمد القبلي المسلح المؤازر لهم. واللافت والمهم جدا في هذه المسألة أن ما حدث هو تغيير مهم في شكل الصراع على السلطة في اليمن؛ فبعد شهور طويلة من التظاهر والاعتصام الذي كانت تقوم به أرتال هائلة من الشعب اليمني في مختلف المدن والقرى وتسبب في تشقق أركان الحكم التابع للرئيس اليمني، وبدأ الانشقاق داخل المؤسسة العسكرية وأجهزة الحكم المحلي ونواب الحزب الحاكم، وغير ذلك من مظاهر اضمحلال الدولة وكيانها، فإن «انقلاب» العمق القبلي للرئيس علي عبد الله صالح المتعلق بقبيلة حاشد وزعامتها التقليدية في آل الأحمر، كان بمثابة ضربة استراتيجية لمشروعية حكم الرئيس في بلد لا يزال الانتماء القبلي فيه أهم من دولة المؤسسات والبرلمان والدستور، مع الأسف. وبذلك كان «الانقلاب».

وإذا ما كان خروج علي عبد الله صالح من اليمن للعلاج هو خروجا «نهائيا» من الساحة السياسية ولا عودة عنه، كما يروج له الآن عبر قنوات مختلفة، بما فيها قنوات محسوبة سياسيا على الحزب الحاكم، فبالتالي سيكون، نظريا، صانع هذا الخروج هم آل الأحمر، وسيطالبون بنصيب فوري في حصة الحكم، إذا لم يكن حتى في الحكم نفسه، لما عرف عنهم من وجود طموح سياسي حقيقي لديهم، وهذا سيكون ضربة قاصمة وموجعة جدا للحراك الشعبي الذي يهمه تغيير حقيقي وليس صوريا، لأن المجموعة التي ستأتي هي جزء أساسي من النظام القديم بصورة مختلفة، فهم أيضا يؤمنون وينفذون «عمليا» فكرة التوريث، وهي مسألة كانت إحدى أهم النقاط التي تعرض بسببها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للنقد الشديد والتشكيك في نواياه. هذا النوع من التغيير سيكون محبطا وصادما بعد أن يفيق الناس من نشوة وسكرة الفرح بمغادرة علي عبد الله صالح لمنصبه. ولكن هذا الحل سيكون بمثابة تأصيل النظام الحالي نفسه المبني على القبلية بشكل أساسي، مما يعني أن المشكلات نفسها سيتم توريثها للحاكم القادم، وهو يبدو أنه شخصية مجهولة حتى كتابة هذه السطور، ولا يبدو أن هناك بوصلة واضحة لاتجاهات الخيار للرئيس القادم؛ فالساحة مفتوحة تماما..

الاختيار من المؤسسة العسكرية وارد، وكذلك الاختيار من رأس الهرم في قبيلة حاشد المؤثرة وارد هو الآخر. وطبعا هناك خيارات توافقية قد تأتي من خلال الحزب الحاكم نفسه كحل توافقي، ولكن الثوار أنفسهم بشتى طوائفهم ومشاربهم ومواقعهم سيشعرون «بسرقة» حراكهم وثورتهم منهم والانقلاب على آمالهم وطموحاتهم. اليمن بلد معقد بالغ الأهمية، له تركيبة فريدة تدمج فيها القبلية والمدنية والطوائف والعادات والسلاح والدين، وهي كلها عناصر مهمة وفعالة ومؤثرة سيكون لها دور غير بسيط في صناعة اليمن الجديد أو المساهمة بشكل عملي ومباشر في تفكيكه وفي هدمه وإلغاء هويته الموحدة التي هو عليها اليوم.

فوت علي عبد الله صالح الكثير من الفرص للإصلاح أو حتى في النهاية للخروج المشرف، ولم يتعظ بما حدث حوله بصوره المختلفة، ولكن كابر وسقط ضحية سيناريو توريث ابنه الذي أوهمه المنتفعون منه أنه قادر على البقاء والمقاومة، وأن المعتصمين سيملون أو يخافون، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، والذي حدث هو اختراق من الداخل حتى وصل إلى قلب الدار، وحاولوا الخلاص منه. وعليه، كان لا بد من الختام. ولكن، إلى أين سيذهب ويتجه اليمن؟ هذا هو السؤال الذي رحل علي عبد الله صالح دون أن يسمح بالجواب عنه.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى