[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

اليمن والأمن الإنساني.. من التهديد إلى الخطر!!!

منذ عامين تقريباً صدر تقرير التنمية الإنسانية العربي ، وقدم تحليلاً شديد الخطورة لما يعانيه الإنسان العربي بشكل عام واليمني بشكل خاص، وكانت المهددات التي أشار إليها التقرير تتمثل في تصاعد الأزمة السياسية بين الحزب الحاكم والمعارضة ، وحرب صعدة والحراك الجنوبي والقاعدة ، يضاف إلى ذلك تصاعد مستوى البطالة والفقر والنزوح الداخلي نتيجة حرب صعدة وبعض الصراعات الأخرى.

إذا كان التقرير أشار إلى مهددات كان يعاني منها الإنسان اليمني ، والمشهد العام للحياة خلال تلك الفترة كان يتصف بقدر من الاستقرار والسيطرة الحكومية على معظم أرجاء اليمن ، مع ذلك مثل التقرير تحذيراً مباشر للسلطة السياسية بضرورة اتخاذ الإجراءات التي تخفف من المخاطر التي يمكن أن يصل إليها اليمن.

للأسف وعلى الرغم من تلك التقارير وتقارير أخرى أصدرتها عدد من المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية ، ظلت السلطة السياسية تدير الأمور بعيداً عن الواقع المتفاقم يوماً بعد يوم ، مما أدى لتصاعد حدة الصراع السياسي ، ومن ثم تبعاته الاقتصادية والاجتماعية.

إن الحالة السياسية اليوم نقلت الإنسان اليمني من دائرة التهديد إلى دائرة المخاطر المباشرة والتي تشمل:

1- مخاطر الأمن الشخصي(الحياة) : لم يسبق خلال عقود من الزمن أن أصبح الأمن الشخصي(الذي نعني به حياة الإنسان) على قدر من التهديد المباشر وعلى نطاق واسع كما هو الحال اليوم ، قد يقول قائل وماذا عن حرب(1994م) وحرب صعدة ، وحرب المناطق الوسطى ، وأحداث(13يناير) والإنقلابات المتعاقبة...الخ ، نقول أن تلك الصراعات غالباً كانت محدودة ، وبمواجهات عسكرية معلومة ، أما لآن فالأمر يختلف بشكل كبير فعلى المستوى الأفقي يشمل التهديد مساحات واسعة داخل الجمهورية اليمنية ، وبالذات داخل المدن ويمكن أن نلاحظ ذلك الآن من خلال المدن التي تعرضت فيها حياة السكان للتهديد المباشر وهي (صنعاء،عدن،تعز،أبين، لحج) ومناطق ريفية مثل (نهم،أرحب،الحيمة الخارجية)وهناك تهديد لبعض السكان في بقية محافظات الجمهورية التي تتواجد فيها مظاهرات واعتصامات مؤيدة للثورة الشبابية الشعبية، وقد فاقمت تلك الأحداث من حالة النزوح واللجؤ الداخلي لمئات الآلاف من السكان ، وأشد ذلك النزوح خطراً ما حدث من محافظة ابين ، بل أن ذلك الخطر دفع بسكان المدن إلى حالة غير مسبوقة من سباق التسلح بقصد الدفاع عن النفس، خاصة بعد أن قامت بعض الجهات بتوزيع الأسلحة الشخصية بشكل علني على بعض مناصريها.

2- مخاطر الأمن المعيشي : مع تصاعد حدة الصراع السياسي ، يزيد خطر الأمن المعيشي ، ونعني به هناك مدى الوفاء بمتطلبات الإنسان الأساسية اليومية مثل المأكل والمشرب والملبس والمواصلات...الخ ، وفي هذا الجانب كما هو معلوم أن حوالي نصف السكان أصلاً تحت خط الفقر في الظروف العادية التي تتصف باستقرار أسعار السلع التموينية وتوفر فرص العمل واستقرار النظام السياسي ، أما الآن وهناك غياب شبه كلي لدور الدولة في توفير السلع الأساسية ونمو السوق السوداء ،وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية التي توفر غالبية فرص العمل ، ونزوح عدد كبير من سكان المدن خاصة أمانة العاصمة صنعاء وتعز في اتجاه المناطق الريفية ، ثم نزوح عشرات الآلاف من بعض المدن إلى مدن أخرى مثل النزوح من أبين إلى عدن ولحج ، فإن الأمر شديد الخطورة ، فعشرات الآلاف اليوم في عدن ولحج يفتقدون أبسط مقومات المعيشة من سكن ومأكل ومشرب وخدمات الإنارة والصرف الصحي..الخ ، بينما عشرات الآلاف من الذين نزحوا إلى المناطق الريفية فإن قدرة أسرهم على استضافتهم لن تستمر طويلاً ، وحتى مدخراتهم لن تسعفهم لوقت طويل ، ومن ثم سيدخل هؤلاء في أزمة محققة خلال أشهر، أما الفئة التي لم تغادر مناطق سكنها في المدن فتتعدد مصادر دخولهم ، فإن كان الدخل من عمل خاص أو عقارات فالركود في هذه القطاعات وصل إلى أدنى مستوى منذ عقود ، وبالنسبة لفئة أخرى هم موظفي الدولة ، فمرتبات الدولة لم تتغير على الرغم من التضخم في الأسعار الذي تراوح بين(100-300%) ، مما يعني أيضاً أن موظفي الدولة يتعرضون لضغوط غير مسبوقة بل أن التهديد قائم بعجز الدولة خلال عدة أشهر عن دفع رواتب الموظفين ، على كل حال يمكن القول أن مهددات الأمن المعيشي للإنسان اليمني سوف تتصاعد مع استمرار المأزق السياسي ، وتراجع القدرات الأمنية للدولة.

3- البطالة والفقر:أكدت بعض مؤشرات البطالة في العام الماضي على أن معدلات البطالة تصل إلى أكثر من (30%) ، أما الآن وقد توقفت الكثير من الأعمال الإنشائية وجزء كبير من تجارة التجزئة والشركات والمشروعات الخاصة والبنوك وغيرها ، دون شك أن تلك النسبة ربما تصل إلى الضعف ، وبطبيعة الحال سيؤدي تفاقم مشكلة البطالة إلى ارتفاع معدلات الفقر، وما ينجم عنها دائرة من الأزمات الاجتماعية.

4- الأمن الصحي: يعاني الإنسان اليمني من مشكلة مزمنة تتمثل بغياب الأمن الصحي سواء نتيجة عدم وجود تأمين صحي أو نتيجة ضعف معدلات الدخل وضعف جودة هذه الخدمات، أما الآن فمعدلات الدخل زادت تدني ، والمؤسسات الصحية تراجع مستوى أدائها سواء على المستوى الحكومي أو الخاص ، يضاف على ذلك صعوبة الانتقال بين المناطق اليمنية المختلفة نتيجة التداعيات الأمنية خاصة في اتجاه أمانة العاصمة صنعاء ، باعتبارها أفضل المقاصد الصحية على مستوى الجمهورية ، إضافة إلى أثر سؤ التغذية الناجم عن التدهور الاقتصادي على غالبية الأسر اليمنية.

5- الخدمات: يعتمد الإنسان اليمني خاصة في المناطق الحضرية على بعض الخدمات الأساسية التي تعينه على المعيشة اليومية ، وأبرز تلك الخدمات الكهرباء والمياه والغاز ،وتشهد اليمن الآن وبشكل غير مسبوق أزمة حادة في هذه الخدمات ، حيث يصل معدل الإضاءة الكهربائية أحياناً على ساعة واحدة في اليوم ، أما المياه فقد تصاعدت قيمة صهريج المياه(الوايت) في الأحياء إلى أكثر من (500%) نتيجة ندرة مادة الديزل كونه مشغل لأبار المياه وسيارات النقل ، أما الغاز فقد ندر حتى زاد سعر الأنبوبة إلى حوالي(300%).

6- جوانب أخرى من الأمن الإنساني :لا يتسع المجال لذكر مختلف المخاطر التي تهدد الإنسان اليمني ، ولكن الصورة العامة تؤكد بأن الإنسان اليمني أصبح حائراً خائفاً على حاضره قبل مستقبله ، كون الصراع السياسي لم ينتهي بعد ، بل أن الوضع قابل للتفجر في أي لحظة وفي أي مكان في الجمهورية.

أخيراً هذه كانت لمحة موجزة جداً عن المخاطر المباشرة لأمن الإنسان اليمن ، وإذا لم يتم تدارك الوضع والوصول إلى حلول للمأزق السياسي ، فإن الوضع سيكون كارثي بكل ما تعنيه الكلمة ، لأن الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود لازالت قادرة على مواجهة ظروف الحياة من مدخراتها ، والدولة لازالت لديها القدرة حتى الآن على دفع رواتب العاملين في القطاعات المختلفة ، ولكن وباستمرار الوضع على ماهو عليه فإن قدرات الأفراد والدولة سوف تتراجع بشكل يهدد حياة الملايين من السكان.

زر الذهاب إلى الأعلى