[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

حول قضية اليمن الجنوبي وحراكه

مقال الأسبوع الماضي تحت عنوان « اليمن في مفترق طرق .. حان دور الحكمة اليمانية « ، أثار عشرات التعليقات من مواطنين من الجنوب اليمني ، وذلك على صفحة المدينة الألكترونية وكذلك على صفحة العربيه نت التي نشرته في نفس اليوم ، وكانت التعليقات بكاملها تقريباً ترفض فكرة استمرار بقاء الجنوب اليمني ضمن يمن موحد.. ويعتبرون تجربة الوحدة فاشلة ، ويرى كثير منهم أن ما يعيشه الجنوب اليمني هو إحتلال وليس كياناً وحدوياً .

الملفت فيما ورد من تعليقات هو ليس إنتقاد النظام بل ينتقد الجنوبيون أبناء الشمال بشكل عام ، ويقول أحد القراء مثلاً : « الوحدة تقوم على الشراكة وليس الإحتلال . الموجود الآن احتلال يا أستاذي الفاضل ، وأثبتت التجربة استحالة التعايش مع الشماليين تحت سقف دولة واحدة ، ولن تضيع دماء شهدائنا هدراً والوحدة انتهت ولن يهدأ الوضع في جنوب الجزيرة العربية إلا برجوع دولتنا « ومثال تعليق آخر من قارئ آخر : « الجنوب يعيش في سجن كبير ويعاني من التعتيم الإعلامي على مآس ، فكيف يكون الحوار بين من قتل أبناء الجنوب واحتله بالسلاح في عام 1994م بالرغم من كل المناشدات العربية والإسلامية وحتى قرارات مجلس الأمن رقمي (924) و (931) والقاضية بانسحاب جيوش صنعاء من عدن فوراً بدون قيد أو شرط ، وبالرغم من كل ذلك تم احتلال الجنوب بالقوة ، وليتها وقفت عند ذلك الحد بل أمعنت في قتل أبناء الجنوب«.

وهناك تعليقات كثيره لجنوبيين مليئة بالمرارة والنقمة لما آلت اليه حالهم داخل دولة الوحدة ، وهم يرغبون في الإنفصال التام والناجز ، بل لا يثقون ليس بالنظام فحسب ، بل يعتبرون أن أخوتهم في الشمال ظلموهم ، ولا يستحقون الثقة أو أن يدخلوا في حوار معهم حول مستقبل البلاد .. ويرى البعض منهم أن هناك حرب تحرير قائمة في الجنوب اليمني ، أكانت عبر ( الحراك الجنوبي ) أو غيره يستهدف إعادة إقامة الكيان الجنوبي مستقلاً تحت مسمى « الجنوب اليمني « أو «الجنوب العربي«.

وأقول للإخوة الجنوبيين الغاضبين من دعوة المقال السابق إلى إعادة بناء اليمن الموحد على أسس جديدة ، أن لشعب الجنوب اليمني كل الحق في أن يختار الإنفصال وإقامة دولته من جديد ، لكن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب الاستفادة من الفرصة الحالية في الفراغ القائم لنظام الحكم في اليمن الموحدة ، لإعادة صياغة دستور جديد أكان لدولة فدرالية أو كونفدرالية لكافة أنحاء اليمن ( وهذا ما يبدو أن معظم من علقوا على المقال السابق يرفضونه ) أو أن يتلاقى أبناء الجنوب للبحث في إعادة كتابة دستور جديد للجنوب اليمني يضمن للمواطن كرامته وحريته ، ويضع أسساً واضحة بضمانات كافية لدولة جديدة يرتضيها المواطنون وأن يحد الدستور والأنظمة الجديدة من دكتاتورية الفرد أو الحزب الواحد حتى لا يعيد الجنوب تجربة ما بعد الإستقلال المريرة من قتال بين فصائل الحزب الحاكم والتي دفعت في النهاية بالبيض ورفاقه إلى اللجوء إلى الوحدة مع الشمال ، وهي تجربة فاشلة أدت إلى إعلان الجنوب انفصاله ودفع النظام في صنعاء بقوات كبيرة لقمع حركة الإنفصال هذه وإعادة السيطرة على الجنوب اليمني ، بشكل أدى ، كما هو ظاهر من ردود فعل الجنوبيين إلى مآسٍ كان يمكن لنظام عادل ، إن وجد ، أن يتفاداها.

ما يجب أن يسعى إليه الجنوبيون وهم يهدفون إلى إقامة نظام جديد لدولة جديدة لهم أن لا تغلبهم العاطفة ويسعون إلى يمن جنوبي جديد بأي ثمن ، فيقبلون بإعادة تجربتهم السابقة مع حكام سابقين ، بل أن تتاح الفرصة لجيل جديد من الشباب يؤمنون بالحريات ويسعون لضمانها ، حتى يقودوا البلاد في المرحلة القادمة ..ولن يكون من السهل إعلان قيام دولة جنوبية ، بل الأفضل أن يتم ذلك عبر تفاهم مع قيادات شمالية تمردت على النظام ، فالجيش لازال تحت سيطرة القيادات الموجودة في صنعاء وأجهزة الدولة لازالت تدار من هناك .. فربما تكون هناك فرصة لتقليص إحتمالات مجابهات دموية من الصعب التكهن بنتائجها من الآن.

لازلت أشدد على أن الحكمة تتطلب النظر إلى الواقع الحالي والإستفادة منه ، فالفدرالية والكونفدرالية أكانت ضمن يمن موحد أو حتى داخل دولة اليمن الجنوبي القادمة نفسها ، سيكون حلاً جيداً لتتمتع الأقاليم المختلفة بحرية في تنفيذ مشاريع التطوير وبقدرة على محاسبة ممثليها في مجالس المناطق الذين يشرفون على تطوير تلك المناطق ، وضمان الشفافية والرقابة الشعبية على مستوى الوطن بكامله .. لذا فإن الفراغ الذي يتسبب فيه تفكك النظام في العاصمة هو فرصة مناسبة ليس ليسرق فرد أو حزب أو الجيش البلاد بحجة إنقاذها ، وإنما أن يتداعى المواطنون أنفسهم إلى إعادة كتابة المواثيق فيما بينهم والإنتقال إلى مرحلة تتحقق لهم فيها الحرية والكرامة وأن يتمكنوا من المشاركة في صنع حاضرهم ومستقبلهم .

والتطورات التي تجري في اليمن شماله وجنوبه لن تؤدي إلى حلول سريعة ، ولا يمكن أيضاً تصور إلى أين ستقود هذه التطورات ، والشكل النهائي الذي سوف تستقر عليه .. وهي لذلك بحاجة إلى من يراقب وإلى من يسعى لتوجيه الأمور الوجهة الصحيحة ..وأن لا يعتقد أحد أن إستقلالية أي منطقة بأي شكل كان هي مصيبة ستقع على البلاد ، وسيكون من الأفضل أن يتم الاتفاق على إستفتاء أهل المنطقة الراغبة في (الإستقلال ) وهي في الوقت الحاضر اليمن الجنوبي بكامله .. وأن تحترم نتيجة هذا الإستفتاء ، لأن السبيل الآخر سيكون دموياً وليس في مصلحة أحد ، كما أن أي فراق بالتراضي اليوم قد يؤدي مستقبلاً إلى تلاقٍ ضمن قواعد وأسس يقبل بها الجنوبيون والشماليون على حد سواء ويمكن الجميع التعايش ضمنها .. الاختلاف بشكل دموي ستكون له توابع مؤسفة ، وسيؤكد الاختلاف القائم بين المواطنين اليمنيين في الوقت الحاضر.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى