[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

فرص الرئيس الضائعة!

الرئيس صالح سياسي محنك ومفاوض بارع , يجيد المراوغة ويستمتع بتحجيم خصومه وإضعافهم وتهميشهم . يتقن اللعب في ملعب الخصم , ولكن عندما أصبحت الكرة في ملعبه وخاصة ً منذ مطلع العام الحالي الذي واجه فيه احتجاجات واعتصامات غير مسبوقة تطالب برحيله , فقد ظهر مشوشاً ومرتبكاً وغير قادر على اتخاذ القرار السليم , وكان ذلك واضحاً في خطاباته ومقابلاته ومواقفه المتناقضة.

الرئيس واجه تلك الاحتجاجات بنفس الأسلوب , فقد أخرج مناصروه المظاهرات والاعتصامات بل انتهج النظام أسلوب العنف في مواجهة المعتصمين من أنصار المعارضة والشباب المستقلين . وكانت الذريعة هي حماية شرعية الرئيس الدستورية كونه منتخباً من قبل الشعب , ومع كل المآخذ والشوائب والتجاوزات التي سبقت ورافقت وتبعت الانتخابات الرئاسية في اليمن , فقد قبل الجميع بنتائجها وهذه حقيقة لا ينكرها أحد.

ولكن إذا وضعنا شرعية الرئيس أمام المخاطر المحدقة باليمن جراء الاحتجاجات التي أدت إلى انقسام أكبر مؤسسة وطنية وهي الجيش , وانشقاق الكثير من أعضاء البرلمان والسفراء والوزراء عن الحزب الحاكم , وتردي الوضع الاقتصادي ومخاطر التدخل الأجنبي . كل هذه الأمور تجعل شرعية الرئيس على المحك , إذ أن البلد قد تضيع من يد الجميع , وتدخل في نفق مظلم وتصبح تلك الشرعية عبارة عن لعنة ونذير شؤم على الوطن , وعليه فإن الرئيس وبعد 33 عاماً من الحكم قد ضيع العديد من الفرص الذهبية , والتي كان من الممكن أن تقود لحل الأزمة السياسة وتضع حداً للاحتقان والتوتر وتضمن له الخروج الآمن والمشرف.

الأولى كانت عندما قام العلماء والمشايخ بوساطة بين الرئيس والمشترك , وجاء العلماء إلى الرئيس بالنقاط الخمس التي طالبت بها المعارضة , فما كان من الرئيس إلا أن هدد بالويل والثبور وأن البلاد ستدخل في حمام دم , فضاعت تلك الفرصة ونتيجة لذلك الرفض فقد انضم العلماء والمشايخ للمعتصمين وأيدوا مطالبهم.

الفرصة الثانية كانت عندما انضم اللواء محسن , وأيد المعتصمين وفي بيت النائب وافق الرئيس على الرحيل واشترط رحيل اللواء محسن معه ولكنه عاد وتراجع عن ذلك.

الفرصة الثالثة هي المباردة الخليجية التي عدلت أكثر من مرة , وفقاً لمطالب الرئيس وملاحظاته , ثم تفاجأ الجميع برفض الرئيس للتوقيع بذريعة عدم حضور قادة المعارضة مراسيم التوقيع في الرئاسة , ثم قال في مقابلة تلفزيونية إن أسلوب الزياني المتعالي مع الرئيس هو السبب في رفض الرئيس للتوقيع.

الفرصة الرابعة كانت بعد حادث جامع النهدين , والذي ندينه بشدة ونطالب بسرعة الكشف عن ملابساته , وتقديم الجناة للعدالة فقد كان من الممكن أن ينقل الرئيس سلطاته لنائبه والذي أجمعت عليه مختلف القوى السياسية , وبذلك يتحقق للرئيس انتقال السلطة وفقاً للدستور كما كان يردد ويحب وذلك بحجة العلاج والمرض , ولن يلومه أحد فمن حقه أن يتعالج ويهتم بصحته بعيداً عن السياسة وتعقيداتها وهمومها , فينهي الأزمة ويؤثر مصلحة الوطن على مصلحته ومنصبه , ولكن يبدو أن الرئيس ما زال مصمماً على المضي في مواجهة ما يسميه بالتحدي.

الرئيس يتماثل للشفاء ولكن اليمن منهك ومريض ومجروح ومصاب ويحتاج إدخاله للعناية السياسية والاقتصادية المركزة قبل أن يفوت الأوان فيكون لدينا رئيس على أشلاء وطن منهار.

الرئيس صالح محظوظ فقد عمل الجميع في الداخل والخارج على تأمين خروج آمن ومشرف له ولكنه رفض ذلك.

الرئيس صالح محظوظ فقد كتب الله له الحياة من موت محقق فخرج علينا ليقول سنواجه التحدي بالتحدي.

فخامة الرئيس كثرة الحظوظ لا تعني سعد الطالع ولكنها قد تعني إمهالاً وإملاءاً إلهياً للعبد ليتمادى في غطرسته وغروره وتحديه حتى إذا أخذه الخالق لم يفلته. حفظ الله اليمن.

زر الذهاب إلى الأعلى