[esi views ttl="1"]
شعر وأدب

قراءة في أوراق "تائهة بين طيات حكاية" لرغدة جمال

تحاول الشاعرة اليمنية رغدة جمال من خلال مجموعة القصائد المنشورة في ديوانها الشعري الأول باللغة الانجليزية، الذي حمل اسمLost in a fairy tale أو تائهة بين طيات حكاية أن توصل رسالتها إلى العالم وتجربتها كفتاة يمنية تعيش في مجتمع محافظ، تسعى إلى إثبات ذاتها من خلال الكتابة الحرة لكل ما يتعلق من تفاصيل في حياتها , تغوص في أعماق ذاتها لتترك أثراً وانطباعاً رائعاً لدى القارئ وكل متذوق للشعر باللغة الانجليزية.

لا أنكر أنني وعند قراءتي الأولية لديوان الشاعرة رغدة جمال، الموسوم بعنوان Lost in a fairy tale أو "تائهة بين طيات حكاية" لم أستوعب معانيه ولم أدرك مفهوم الرسالة التي حملتها بين سطوره, غير أني عندما حاولت مراراً أن أتعمق في مفرداته، تمكنت من استيعاب جزء لا بأس به من المضمون الذي استحق الوقوف أمامه ومعرفة المزيد عن سيرة صاحبته، فتمكنت من معرفة القليل الذي استطعت من خلاله معرفة القاسم المشترك بين العمل الاعلامي وكتابة الشعر باللغة الانجليزية ...

ومن خلال المعلومات البسيطة التي حصلت عليها تبين لي أن صاحبة الديوان هي صحفية بدأت بممارسة الكتابة الصحفية منذ العام 2008، و تنقلت للعمل كمحررة للشؤون الثقافية بين عدد من الصحف الرسمية والأهلية، ويبدو جلياً أنها وجدت في جامعة صنعاء مناخاً عامراً بالشعر والفن والأدب، و كطالبة في قسم اللغة الانجليزية بكلية التربية حظيت بتلقي الأدب الانجليزي وألوانه وفنونه بمختلف عصوره فتأثرت بهذا النوع من الأدب الغني بالروائع في مختلف المجالات الأدبية من القصة والرواية والمسرح والشعر الذي سطره عمالقة أمثال "وليام شكسبير, الفريد لورد تينيسون،صموئيل جونسون، روبرت بيرنز, ويليم وردزورث، تشارلز ديكنز وغيرهم" ..

ومن الواضح أنها بدأت بتذوق الأدب الانجليزي وتأثرت بأسلوب كتابة القصيدة وطريقة نظمها فقررت الخوض في تجربة كتابة الشعر وانتهجت أسلوباً معيناً تفردت فيه عن غيرها، بالرغم من احتفاظها بالأساليب المتعارف عليها في قواعد وأصول كتابة القصيدة فكان لها أسلوبها الخاص في كتابة النصوص الشعرية باللغة الانجليزية تبعاً لثقافتها وطريقة تفكيرها وخصوصية المجتمع الذي تعيش فيه.

وكان للتشجيع الذي حظيت به من قبل أساتذتها الأثر البالغ في اكتشاف مكامن قدراتها وصقل مواهبها في الكتابة وهو ما جعلها تتربع على رأس قائمة المتنافسين في المسابقات الشعرية التي تنظمها جامعة صنعاء كل عام , واستطاعت باقتدار ان تحصد المركز الأول على مستوى الجامعة فاستحقت عن جدارة لقب شاعرة الجامعة للعام 2008 م .

إلى جانب التعليم حاولت رغدة إشباع رغبتها في كتابة الشعر، فعملت في المجال الصحفي في إحدى الصحف الناطقة بالانجليزية وفيها خصصت لنفسها زاوية أسمتها "بويتري كورنر" أي زاوية الشعر، اعتادت من خلال هذه الزاوية نشر قصائدها وقصائد القراء وهو ما جعل رئيس تحريرها يمنحها منصب المحررة الثقافية في صحيفته.
قدّمت الشاعرة لديوانها بمقدمة تحدّثت فيها عن البيئة الاجتماعية والثقافية التي نشأت فيها وأثرها على تنمية ملكتها الشعرية ومجموعة الأصدقاء والمحيطين بها الذي تحدثت عنهم بكلمات الامتنان والثناء لإيمانهم بمواهبها وقدراتها الشعرية وتشجيعهم المستمر، وذكرت حتى أول من أطلق عليها لقب شاعرة، ولم تغفل الإشارة إلي الأستاذين "راجيش كومار وعلي المؤيد" في مقدمة ديوانها فهي تعزو النجاح الذي وصلت إليه إلى تشجيعهم لموهبتها في كتابة الشعر، فتقول إنها كانت دوماً تتمنى أن تهديهم أحد أعمالها الشعرية وفاء لما بذلوه من جهود أثمرت في إخراج باكورة إنتاجها إلى الوجود، هذا الإنتاج تمثل في مجموعة قصائد جمعتها خلال فترة دراستها بالجامعة بين عامي 2006-2010 م لتشكل منها ديواناً شعرياً حمل اسم Lost in a fairy tale أو "تائهة بين طيات حكاية".

صدرت مجموعتها الشعرية مطلع العام2011 م ونشرتها مطابع سقطرى في طبعة رشيقة احتوت على "66" صفحة من القطع المتوسط وغلافاً أنيقاً صممه الفنان مجدي العفيفي وهو شاب أثبت موهبة كبيرة في الإبداع والتصميم فاقت سنين عمره التي لم تتعد الخمسة عشر ربيعاً، أما الصورة التي تصدرت غلاف الديوان فقد التقطتها عدسة للمصورة الفوتغرافية بشرى الفسيل وتظهر فيها فتاة تطل برأسها من شرفة منزلها المشرف على المدينة وهي إشارة واضحة إلى أنها تتطلع بشغف إلى العالم المحيط بها وهو ما يعكس رغبة الشاعرة التي تحاول الخروج عن صمتها لإيصال رسالتها إلى العالم بطريقتها الخاصة، بالرغم من القيود المفروضة على المرأة في المجتمع المحافظ الذي ترمز إليه المدينة القديمة في الصورة.

قدم للديوان الأستاذ/ زيد العلايا رئيس تحرير مجلة "اليمن اليوم" وفيه أكد أن الشاعرة ستضيف نكهة جديدة على الساحة الأدبية في اليمن حيث أنها قدمت أشياء تقليدية بطريقة حديثة ومن منظور غير معتاد, ووصف أسلوب الشاعرة في الكتابة بأنه مستوحى من نظرتها الثاقبة التي تلتقط تفاصيل الحياة، فترسم صورة واقعية تأخذ معه القارئ إلى رحلة رائعة تجعله يخوض في تفاصيلها عبر تدفق قوي للمشاعر والأحزان فتعيد تجميعها في هدوء يتجسد بوضوح في طريقة كتابتها، فقد نجحت رغدة من خلال مجموعتها الشعرية من المزج بسهولة بين قضايا جيل الشباب في اليمن وفي نفس الوقت استطاعت الكشف عن جوانب كثيرة من شخصيتها عبر مجموعة من القصائد، فقد حاولت ونجحت بشكل كبير في الإشارة إلى اعتزازها كونها امرأة وهو ما جسدته في قصيدتها "الحياة" التي عبرت فيها بأسلوب بسيط لا يتقيد بنمط شعري معين وإنما بأسلوبها الذي تفردت به، بالوضوح والدقة في تعاملها مع المواضيع بأسلوب ينم عن إبداع وموهبة فذة .

المجموعة الشعرية ضمت في طياتها ثلاثا ًوثلاثين قصيدة, صحيح أنها لم تؤرخ لميلاد كل قصيدة إلا أن كل واحدة منها حملت ميلاد موضوع جديد لا يربط بينها جميعا إلا رابط الحب المتمثل في حب الوطن، وحب الأب الحنون، وحب الأم الرءوم والقلب الحاني،وحب الأصدقاء الأوفياء، وحب الطفولة و حب البشرية جمعا وحب كل ما هو جميل من صفات ومعاني .

و إلى جانب ذلك نالت مواضيع أخرى كالعلاقات والقضايا الإنسانية المرتبطة بالواقع نصيبها من الاهتمام ولعل أبرزها قضية المرأة التي أفردت لها مساحة واسعة فقد افتتحت ديوانها بقصيدة تحمل عنوان أن تكون فتاة وربما قصدت الشاعرة التركيز على وضع المرأة العربية والفتاة اليمنية بشكل خاص من خلال تعبيرها عن مجموعة من المواقف التي تتعرض لها في حياتها كامرأة، غير أن ذلك شكل لها ولكل امرأة مدعاة فخر واعتزاز وهو ما تحاول ترجمته من خلال قصيدة بلاك وتعني السواد الذي تتشح به المرأة لتواري نفسها عن أعين الآخرين ففي هذه القصيدة تفتخر الشاعرة بارتدائها للعباءة السوداء بأسلوب قد لا يخلو من الشفافية والبساطة في الطرح تجعل القارئ يخوض في تفاصيل تشعره بان كاتبتها هي حالمة كبيرة و طفلة لم تغادرها وشوشات الطفولة فقد وجدت نفسها فجأة امرأة تسكن في أعماقها طفلة حالمة يتجلى ذلك بوضوح في قصيدتها بعنوان واحد وعشرون وهي السنوات التي فارقت فيها مهد الطفولة، و ربما هي الطفولة التي لم تفارقها أبداً.

ومن يخوض في تفاصيل الديوان يدرك بجلاء مدى تعلق الشاعرة بوطنها وأرضها، فلها قصيدة تتغنى فيها باليمن الجميل الذي تقول انه مهما حاول البعض الانتقاص من حبه وإثارة الجدل حوله والتقليل من شأنه إلا أنه سيظل عظيماً إلى الأبد فهو من منحها الأمان الذي تريده والسعادة الخالدة التي تنشدها, وهنا يتوقف القارئ قليلا ليدرك كيف استطاعت الشاعرة بمقدرتها الشعرية المتفردة أن تقربنا من القيم العظيمة والمبادئ السامية النبيلة والأخلاق الحميدة وتخلطنا بها بصدق وحرارة؛ و كما يبدو أنها تعتبرها ملجأ لما تنشده من راحة وأمان ومن طهر ونقاء, فقد جاءت صورها الشعرية في معظمها مأخوذة من الكلمات الجميلة الموحية والعبارات الغنية والصور الرائعة والموائمة بين الألفاظ والمعاني التي استطاعت تكريسها بعدة أساليب أسهمت في قوة الأسلوب وجماله رغم حداثة التجربة.

ومن خلال التصنيف الذي اعتمدته الشاعرة للقصائد نجد أن مواضيع الديوان توزعت إلى تسعة أقسام، ناقش كل قسم مواضيع محددة ترسم في ذهن القارئ أشكالاً وصوراً أبدعت فيها بلغة هي أقرب من شخصيتها كشاعرة إلى فنانة ومبدعة في مجال التصميم، وهو ما أتاح لنا حيزاً لمراجعة صور كل مكونات الحياة العامة كالعلاقات، الصداقة، العائلة، الوطن، الشغف، مشاعر الإحباط والحزن، ووضع المرأة العربية والأفكار الدفينة التي تراودها إلى جانب بعض التفاصيل التي أتاحت لنا البحث في الذاكرة الإنسانية وطفولة الشاعرة التي افتقدها حين وجدت نفسها امرأة يتوجب عليها أن تشق طريقها بهدوء وثبات في عالم مليء بالصخب والمتناقضات..

موضوع مرتبط:
الشاعرة رغدة جمال توقع ديوانها الأول في ساحة التغيير بصنعاء
https://nashwannews.com/news.php?action=view&id=11425

زر الذهاب إلى الأعلى