[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

عندما يستنجد السلطان الجائر بعلمائه!!

ثمة فئة ممن يحسبون على العلم والعلماء لا يكفون عن التطوع لخدمة السلطان الجائر، وهم يبادرون كلما توفر لهم منبر أو "ميكروفون" إلى التذكير بطاعة ولي الأمر والفتنة التي تترتب؛ ليس على الخروج عليه فقط، ولو سلميا، بل على مجرد انتقاده والتذكير بظلمه وممارساته الخاطئة.

هناك بالطبع فئة أخرى من المحسوبين على العلم والعلماء اعتقد بعض رموزها أن بوسعهم أن يرتعوا في مزايا السلطة من دون أن يدفعوا الثمن، واعتقدوا أنهم بذلك يخدمون الدين، لكنهم تجاهلوا تجارب التاريخ ومواقف كبار العلماء في تاريخ الأمة ممن أدركوا أن القبول بمناصب السلطان ومزاياه لا بد أن يكون له ثمن، وهو ثمن قد يدفع معجلا، لكنه يكون مؤجلا وطويل المدى في الغالب الأعم.

عندما أتعب الإمام أبو حنيفة الخليفة "أبو جعفر المنصور" بفتاواه التي لا تلتقي مع هوى السلطة، عرض عليه أن يتولى القضاء، فما كان من العالم الكبير سوى الرفض، هو الذي يدرك ثمن توليه المنصب لجهة الإفتاء بحسب ما يريد الخليفة، وقد دفع مقابل ذلك كلفة باهظة من السجن والتعذيب، لكنه ظل العالم الذي تحمل الأجيال اسمه وفقهه إلى يوم الدين.

عندما يشعر السلطان بالحاجة للفتوى يقوم شخصيا أو من خلال البطانة التي تحيط به بالطلب من العلماء إياهم بمناصرته عبر فتاوى مصممة على مقاسه، وغالبا في مواجهة مطالب الشعب ومصالحه.

هذا ما حصل مع علي عبدالله صالح الذي استنفر نفرا من علماء اليمن من أجل نصرته في مواجهة المعارضة. منذ اندلاع الربيع العربي، بل قبله بكثير، لم يبق سلطان عربي إلا واستنفر علماءه في سياق التأكيد على طاعته (ولو جدل الظهور وسلب الأموال)، ورأينا كيف أقام هؤلاء الدنيا واستخدموا فضائيات بلا عدد من أجل التأكيد على فقههم الأعوج ذاك، وعندما سقط بعض الطغاة رأينا بعضهم ينقلبون على مواقفهم القديمة، بل رأينا بعضهم يؤسس أحزابا كان قبل شهور قليلة يحرمها، ورأينا آخرين يقولون إن هؤلاء الحكام ليسوا ولاة الأمر الذين تجب طاعتهم.

كان مثيرا مشهد ذلك الشيخ المحسوب على نظام القذافي (علي أبو صوة) بعد اعتقاله من قبل الثوار، وكيف أفتى على الفور مستشهدا بالإمام ابن تيمية بضرورة الخضوع لأمر المجلس الانتقالي، بوصفه ولي الأمر الجديد، أو حاكم الغلب، بينما كان طوال شهور يعتبر الثوار خوارج تجب محاربتهم دون هوادة.

هكذا يجري الاعتراف بحاكم الغلب، ما يعني أن على المسلمين أن ينتظروا صراع الآخرين ثم يعترفوا بمن يغلب منهم، أي أنهم سيكونون في موقع المفعول به في كل الأحوال، فهل هذه هي عزة الإسلام كما تعلمها أولئك؟! هل تذكرون ما كتبناه هنا عن موقف بعض فقهاء ولي الأمر فيما خص الوضع في سوريا، وكيف توقعنا أن يغيروا رأيهم بعد تغير رأي التيار السلفي الخليجي؟ لقد وقع ما توقعناه، وها إن بعضهم لم يعد يرى في بشار الأسد وليا للأمر واجب الطاعة رغم أنه يأذن بالصلاة، وبالطبع بدعوى أنه علوي مع أنه ينكر ذلك.

يكذب هؤلاء على أنفسهم حين يبررون بحثهم عن رضا السلطان وأجهزته بالفقه ومواقف السلف، ليس فقط لأن السلف لم يتفقوا على رفض الخروج (خروج الحسين، قتال الصحابة ليزيد يوم الحرة.. إلخ)، بل أيضا لأن ولاة أمر الزمن الجديد لا يشبهون نظراءهم الأقدمين في معظم الأحيان.

إذا كان علي عبدالله صالح بفساد حكمه وجرائمه هو الحاكم الذي يستحق الطاعة، فيا لبؤس الصورة التي يقدمها هؤلاء لدين الله الذي جاء محررا للإنسان من العبودية والذل، لكنه اتباع الهوى الذي يورد صاحبه المهالك (أليسوا يبررون قتل الناس بفتواهم تلك؟!)، حتى لو تدخل الشيطان لإقناع أصحابه بأنهم يدافعون عن الحق وليس عن مصالحهم الجلية والخفية.

زر الذهاب إلى الأعلى