[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

حق الفيتو!

بتاريخ 4 أكتوبر تكرر مشهد عدم قدرة مجلس الأمن على اتخاذ قرار ردع ضد آلة القتل الأسدية، ويمضي الشعب السوري يحمل صليبه إلى جبل الجلجثة!

إن فيلم (ميل جيبسن) عن آلام المسيح جداً معبر عن طريق الخلاص ورحلة الآلام قبل الوصول إلى سدرة المنتهى وجنة الخلد التي أعدت للمتقين.

يقول (كولن ويلسن) إن من يرى الجنة يقول أنا مستعد لرحلة عذاب بخمسة ملايين من السنين لما يرى من المكرمة والمقام العظيم.

حين تضع الأم وليدها تنسى كل آلام المخاض دفعة واحدة وكذلك نجاح الثورات العظام وهو ما ينتظره الشعب السوري صدقاً وعدلاً ولو طالت الرحلة.

لقد كان خلاص مصر وتونس سريعاً ولعله أيضاً ضار من جانب، فلم ينتهِ النظام الأخطبوطي، فالنظام الاستبدادي يشبه التنين بتسعة عشر رأساً يطير رأس وتبقى رؤوس.

ولو قارنا عدد شهداء مصر (800) بخسائر سوريا في ستة أشهر (5000) مقابل عدد الشعبين (80 23مليوناً) لكان معناه أن على الشعب السوري دفع ضريبة قد تتجاوز خمسين ضعفاً عما قدمه الشعب المصري ولكن هذا سيجعل الأجيال تعرف قيمة الحرية تماماً. وقد تنتكس مصر وتونس وتحتاج إلى دفع الضريبة السورية مضاعفة؟

مرة أخرى الصين وروسيا في وجه أي قرار من شأنه أن يخدش آذان الأسد، أو يؤثر على مضاء أنيابه في الافتراس.

نحن نفهم مافيات روسيا وأبتسم حين أسمع المعارض "هيثم المالح" يقول إن روسيا تؤثر مصالحها على الأخلاق والمبادئ!

ويعجبني "الوردي" حين يقول من تراه يتحدث عن الأخلاق والمبادئ فاعتبر كلامه لاغياً.
إن ما يحرك الإنسان وغير من الكائنات الحية غريزة البقاء، ولكن العقل عند الإنسان هو عضو البقاء كما في ساق النعامة وناب الأفعى وزعنفة العقرب ودرع السلحفاة.

نحن نفهم النظام الشمولي في الصين والخوف من انتقال شرارة الثورة إلى قلب التنين الصيني، أو قم في إيران؛ فهذا النموذج الأسطوري الذي يقدمه أحفاد خالد بن الوليد في حمص يحرك الضمير العالمي، وقد أسقط النظام البعثي أخلاقياً وسوف يسقط مادياً فيكون لسقوطه دوي عظيم ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

مع هذا علينا أن نستفيد من الحادثة السورية وقرار النقض (حق الفيتو) لفهم هذه المهزلة العالمية وأي لعنة تحيق بمصائر الشعوب، وطريق الخلاص العالمي للوصول إلى شاطئ العدالة.

فما هو حق النقض؟
حق الفيتو أو (النقض) يعني أن العالم كله لو قال إن الشمس تطلع من مشرقها فيمكن لأحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين أن يقرر أن الشمس تطلع من مغربها بدون أن يبهت الذي كفر.
وحق الفيتو ثانياً أو (النقض) يعني أن العالم مكون من طبقتين سادة وعبيد فمن أصل ستة مليارات من البشر يتكلم بالنيابة عنهم أقلهم، والحل والعقد بيد خمس دول يبلغ تعداد سكان أربعة منهم أقل من سكان الهند.

وحق الفيتو ثالثاً يقسم الكرة الأرضية إلى نادي يفرض الوصاية على العالم، و يمكن لديناصورات القوة في هذا المجلس أن يلغوا إرادة كل العالم.

وحق الفيتو رابعاً هو ضد الديمقراطية فيمكن لأعظم قرار أن يعطِّله أي عضو، ما يقتل أهم آلية في الديمقراطية من جانبين: التمثيل الفعلي لسكان الأرض، واتخاذ القرار بأغلبية الأصوات.

والعصابة الخماسية الدائمة العضوية فيه هي ألعن من حكومات العالم الثالث؛ فلا أمل بتغييرها بموت أو انقلاب، ويمكن لأعدل قضية أن تموت في ساحتهم.. "ألا ساء ما يزرون".

حق الفيتو بكلمة ثانية هو ضد المنطق. وعنصري ضد الإنسانية. وضد الديموقراطية. وبتعبير "جودت سعيد" حسب (الدين) يساوي الشرك بالله الذي لا ينفع معه أي عمل.

"إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".

وهو بكلمة أخرى آلة الشر في العالم التي تعيق ولادة العدل، وتغتال إرادة العالم، وتمنع نموه على نحو سليم.

وكما يقول (مالك بن نبي) إن ولادة هذا المجلس المشؤوم بعد الحرب العالمية الثانية كانت ولادة كائن مشوه كما يحدث في التشوهات الخلقية، فيولد الطفل بهبل المنغولية.

والعالم بعد الحرب الكونية ولد معتلاً أقرب إلى الهبل والجريمة والظلم.
ولكن مع كل غرابة هذا الكائن الأسطوري فإن الأغرب منه أن كل العالم يعتبر أن مريض (المنغولية) أحكم الحكماء. أو يعتبر أن طبيعة الأشياء هكذا؛ فيمكن للمرء أن يمشي على رأسه بدون أن يشعر بالدوار.
ويفرك الإنسان عينيه مذهولاً وهو يسمع السياسيين يدافعون عن مجلس الحكمة هذا ويقترحون توسيعه، فلا يصح أن يستأثر بالكراسي الوثيرة فيه الفرنسيون أو الإنكليز؛ بل يجب أن ينضم لناديهم اليابانيون والألمان. ويتلمظ العرب بدورهم إلى هذه الوجاهة بمقعد خاص يزيد من أعداد أصنام الكعبة صنماً واحداً يتبارى حوله شعراء الجاهلية.

وباستعراض بسيط لتاريخ هذا المجلس منذ ولادته النحسة وحتى الآن نرى أكبر الخاسرين فيه هم العرب، وكل القرارات الدولية لا تزيد في قيمتها عن الورق الذي كتبت عليه. ما لم تكن ضد الضعفاء.

ومعه أمنت دولة مثل إسرائيل شر العقاب في الغابة الدولية المحروسة بطائفة من الغيلان بأنياب زرق.

نعم إن العالم الذي نعيش فيه غابة تسرح فيها الضواري.
الغابة العالمية
العالم الذي نعيش فيه اليوم غابة. وكما كان هناك ملك يحكم الغابة؛ فأمريكا اليوم هي أسد هذه الغابة. وكما ينص قانون الغاب على أن (القوي يأكل الضعيف)، كذلك الحال في غابة الأمم المتحدة، محروسا بحق النقض (الفيتو) في مجلس الرعب!!

عفواً مجلس الأمن!!
وبالطريقة التي يتفاهم بها حيوانات الغابة، يبتلع الأقوياء الضعفاء، كذلك الحال في الغابة العالمية..

روسيا تبتلع الشيشان، وسوريا تذبح المتظاهرين السلميين فينظر العرب والعجم ببلاهة وصمت، وأمريكا تلتهم العراق مثل ثعبان الأناكوندا عندما يبتلع قرداً غافلاً..!

يحدث في العالم الذي نعيش فيه تماماً ما يحدث في أعماق المياه، السمكة الكبيرة تبتلع الصغيرة.

وكما تنوعت الحيوانات في السفاري، التي تسرح فيها الضواري، كذلك الحال في الغابة العالمية اليوم بين أسد أمريكي، وفيل هندي، ودب روسي، ونمر صيني، وذئب ياباني، ونسر أوروبي، وثعلب صهيوني، وجمل عربي، وقرد أفريقي.

إن ذاكرة الشعوب قصيرة والرهان قائم على هذا الغباء؛ فويل للغافلين النائمين عن أقدار التاريخ، ونسيان ربط الأحداث ببعضها..
حقيقة، إن العالم الذي نعيش فيه، كما يقول أرسطو، تراجيديا لمن يشعر ويحس، وكوميديا لمن يتأمل ويفكر!!

فلنفكر ولنضحك!
في عالم (الحيوان)، يتعرف المرء بسرعة على الكائن من جلده وأنيابه، ولكن في عالم (الإنسان) يبتسم الرأسمالي بأسنان بيضاء ويعلق كرافتة حمراء ويلبس نظارة جورجيو أرماني، ويكذب بقدر جبل.

وصدق "جورج أورويل" في كتابه عن المزرعة "The Farm" حين قال إن الخنازير هي التي ستديرها؛ فتسرق بيض الدجاج، وتسخّر الحصان لبناء طاحونة، وتسيطر على الجميع بكلاب شرسة مدربة على العضاض.

ومن نسل الخنزير الكبير، تظهر ذراري من خنازير مدعبلة تملأ المزرعة؛ فتمتلك البلد، وتلتهم الأرزاق مثل بقلاوة حلبية، وتركب ظهور العباد وتحكم الرقاب إلى يوم التناد! كما رأينا في البلطجية والشبيحة.

وكما يقول "روبرت غري" في كتابه "شطرنج القوة"، فإن "عالم السلطة يتحرك بآلية الغابة، ففيه الذين يعيشون بالصيد والقتل، مقابل أعداد هائلة من المخلوقات، كالضباع ونسور الجيف التي تعتاش من صيد الآخرين!".

ومع أن أمريكا تمارس الإرهاب ضد كل العالم، منذ أن نشأت، فسفحت الدم الحرام وأبادت الهنود الحمر بالبنادق مثل صيد الطيور، في الوقت الذي مثلت فيه هوليود وحشية الهنود الحمر التعساء؛ فإن مصطلح (الإرهاب) يتبادله الجميع وفق لوغاريتم أمريكي، فالقرصان إذا نهب سفينة يقاد إلى المحكمة العالمية ومجلس الأمن بدعوى أنه يزعج البحر ويطلب رأسه للعدالة فيشنق، أما الاسكندر الأكبر عفواً أمريكا أسودا كان أم أبيض؛ فهو يلتهم كل العالم مثل الحلاوة ويسمى إمبراطورا؟!

وعندما كانت روما تصلب سبارتاكوس، كان في نظرها إرهابيا يستحق الصلب مع 7 آلاف شقي، خطر في بالهم الانتفاضة ضد جبروت روما؛ فصلبهم كاسيوس على طول الطريق حتى روما بأشنع ميتة، درسا لكل من يفكر في مقاومة الإمبراطور الدموي..

في عام 1986 م شن ريجان حرباً على نيكاراغوا أوقعت "75 ألف ضحية منهم 29 ألف قتيل ودمار بلد لا رجاء لقيامته".

لم تقصف نيكاراغوا واشنطن بالصواريخ أو تفجر القنابل في بوسطن بل تقدمت إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لمقاضاة أمريكا؛ فحكمت المحكمة في 27 يونيو 1986م لصالح سلطات نيكاراغوا وأدانت"الاستعمال غير الشرعي للقوة، وطلبت من واشنطن وضع حد لجرائمها مع دفع التعويضات"

كان جواب أمريكا: اذهبوا وبلطوا البحر.
قامت نيكاراغوا بعدها بالتقدم إلى جمعية الأمم المتحدة فلم يعترض سوى اثنين: مثل رجلين في بنطال واحد أمريكا وإسرائيل.

ثم تقدمت إلى مجلس الأمن بطلب متواضع هو "تبني قرار يطالب الدول باحترام القانون الدولي" وكان النتيجة أن القرار سقط بسبب حق الفيتو اللعين مجدداً..!

يقول (نعوم تشو مسكي):"فلم يعد في يد نيكاراغوا أي وسيلة قانونية تلجأ إليها فقد فشلت جميعها في عالم تحكمه القوة".

العالم كما نرى يعيش حالة استعصاء لا مثيل لها كما يقول راسل" في فراق بين الثقافة والعلم". مثل طائرة جامبو مصممة منذ عام 1948 م بدون مخارج وأقنعة أكسجين وأحزمة أمان.
وهذا يعني بكلمة ثانية أن مشكلة التوحيد ليست تيولوجية بل سياسية. وهو الذي عانى من أجله الأنبياء.

ويظن البشر أن الأوثان هي من حجر أو تَمْر ولا يخطر في بالهم أن تكون مؤسسات مثل (مجلس الأمن) أو من البشر الذين ترفع أصنامهم أحياء وأمواتا.
والمشكلة هي ليست في الطقوس بل الحقائق. وباستعراض المقدسات في العالم العربي والإسلامي نرى بوضوح مثلث الوثنية مرفوعاً في صور شاهقة لأشخاص فانين ترفعها ميزانيات دول تئن من العجز ما يذكر بعقيدة الكنيسة في مركب الأقانيم: الأب والابن والروح القدس.

إن هذا الكلام ليس للتجني أو المبالغة. إنه حقيقة مفزعة تخلع المفاصل من هولها. ينشأ عليها الطفل. وتخشع لها القلوب. ويرتجف لها الكبار. وتصرف الأموال بحجم الجبال لتجنيد الجواسيس والاستخبارات وفرق التعذيب لتكريس هذا السحر آناء الليل وأطراف النهار للأنظمة كي ترضى.
العالم الذي نعيش فيه كما نرى ليس واحداً بل ثلاثة:

عالم عربي يسبح في ضباب الوثنية السياسية مع حرص مواطنيه على القيام بالطقوس. إذا نظرت إلى الفرد لم ينقصه شيء ولكنه اجتماعياً يعيش في مصحة عقلية كبرى.

وعالم غربي تخلص من الوثنية السياسية فنرى (مالورني) الرئيس الكندي الأسبق شخصاً عاديا يمشي بين الناس بجانب طلبة جامعة (مك جيل) يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون. في مجتمع أقرب إلى التوحيد من المجتمعات المتعارف عليها تاريخياً أنها إسلامية.

وهو ما يفسر فرار أهلها منها؛ فلن يفر مؤمن من (دار الإسلام) إلى (دار الكفر) ما لم يشعر بالأمان بين الكفار أكثر من المسلمين. ولكن لمن تقرع الأجراس؟!

"إنك لا تُسمع الموتى ولا تُسمع الصمَّ الدعاء إذاً لولّوا مدبرين".
وهو كذلك يفسر حالة الذل المصبوب على العالم الإسلامي مع كل شروق شمس؛ فإنه "لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت" كما جاء في دعاء القنوت. فلا يعقل أن يعز الله اليابانيين ويذل العرب لولا سر خاص يبثه الدعاء.

إن قص الأنف بالمقص أسهل من استيعاب هذه الحقيقة..!
أما النوع الثالث فهو (الأمم المتحدة) الذي تحول إلى مغارة لصوص يصادر فيه الأقوياء العدل بحق الفيتو (النقض) فينقضون بنيان العالم، "كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً". "تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة".
ومن الغريب أن كل العالم ساكت عن هذا المنكر ولا يطالب بإغلاق هذا النادي الإجرامي بل يريد المشاركة فيه بزيادة مقاعد الجبارين، بدل الإمساك بعصا النبوة لتحطيم الأصنام كما فعل إبراهيم.

إحلال العدل في العالم لن يكون إلا بالإسراع بتشكيل برلمان دولي كما في البرلمان الأوروبي حيث يجتمعون ليس تحت شعار ألمانيا فوق الجميع بل ألمانيا مثل الجميع، أي على "كلمة سواء" بينهم أن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله.

وهذا المشروع ستقف ضده ديناصورات العهد الجديد، ولكننا تعلمنا من تاريخ الأرض أن الديناصورات انقرضت بفعل كارثة كونية.

وقد يتورط الكون في حرب نووية قبل أن يتخلى الكبار عن مقاعد الألوهية في العالم واعتبار أنفسهم بشراً ممن خلق.

وبغير هذا المخرج فإن طائرة الجنس البشري ستبقى مخطوفة بأيدي إرهابيي مجلس الأمن، عفواً مجلس الرعب والظلم.

تحكي القصة أن قرية شيلم وقعت بها جريمة قام بها إسكافي فأحضر الفاعل إلى القاضي فحكم عليه بالإعدام. ولكن أهل شيلم صاحوا بصوت واحد أيها القاضي: إنه الإسكافي الوحيد في القرية.

التفت القاضي إليهم وقال معكم الحق يا أهل شيلم الأعزاء إنه من الظلم حقاً أن نحرمكم من الإسكافي الوحيد في القرية.

هاتوا اثنين ممن يركبون قرميد السطوح فأعدموهما بدلاً عنه.

وهذا ما تفعله الصين وروسيا اليوم مع الإسكافي الأسد ومذابح سوريا في الربيع العربي عام 2011م وهذه هي عدالة شيلم ومجلس الأمن والدوما الروسية والحزب الشيوعي الصيني الماوي.

زر الذهاب إلى الأعلى