[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

خطوة للأمام.. وليس انتصاراً!

تتعدد سيناريوهات سقوط الأنظمة الفاسدة في دول الربيع العربى بتعدد المسارات التى تسير فيها أحداث الثورات، وإن كانت النهايات متقاربة إلا أنها تبقى مختلفة وليست متشابهة، في مساء الأربعاء الماضى شهدت العاصمة السعودية "الرياض" نهاية أو بالأحرى شبه نهاية لحكم على عبد الله صالح

، فالرجل الذى حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود لم يكن مقتنعا بأن شعبه قد ملّ حكمه ويبحث دماء جديدة في السلطة، وبالرغم من التظاهرات الحاشدة التى شهدتها المدن اليمنية على مر الشهور الماضية لم يقتنع أيضا بأنه أصبح غير مرحب به في السلطة، بل بات مطلوباً للمحاكمة على ما اقترفه نظامه بحق الشعب، حتى محاولة الاغتيال التى تعرض لها ونجا منها لم تكن كافية كى يقتنع بأن الثورة قد وصلت إلى نقطة الا عودة، وأن شرعية التزوير التى أوصلته إلى حكم اليمن مراراً لم تعد كافية لتؤمن له مدة رئاسية جديدة، بل إن الثورة قد أفشلت مشروع توريث الحكم لابنه من بعده.

تماما مثلما أفشلت ثورات الربيع العربى في مصر وليبيا مشاريع أخرى لتوريث الأبناء حكم البلدان، من بعد الآباء وكأن البلاد والعباد قد باتت جزءا لا يتجزأ من التركة والميراث الذى يتركه الرؤساء العرب بعد وفاتهم!

فى الثالث والعشرين من سبتمبر يعود على عبد الله صالح إلى اليمن بعد تلقيه العلاج في السعودية، في رسالة واضحة بأنه مستمر في حكم البلاد ومواصلة المسيرة!.. وأنا شخصياً لا أعرف ما المسيرة التى أراد أن يواصلها؟!.. إلا إذا كان يقصد مواصلة قتل الثوار وتخريب ما تبقى من اليمن الذى كان سعيداً في يومٍ من الأيام، الآن وبعد أن وقع على عبد الله صالح على المبادرة الخليجية والتى رفض التوقيع عليها من قبل.. يبدو أن هناك ما يبشر بأن الأزمة في طريقها إلى الحل، لكن للأسف فإن المبادرة التى من المفترض أن تحمل بين طياتها الحل فإنها تحمل في ذات الوقت المعوقات التى ستمنع هذا الحل، فبغض النظر عن كونها تحمل خروجاً مشرفاً لطاغية أذل شعبه وأفقره، فإنها تتضمن حصانة من الملاحقة القضائية له ولأسرته، وهو ما قد يعنى بشكل أو بآخر أن دماء الشهداء في الساحات قد تذهب هباءً، هذا بخلاف احتمالية تعثر تطبيق تلك المبادرة، خصوصا وأن على عبد الله صالح قد سبق وأبدى الكثير من المماطلة قبل التوقيع، فما المانع من أن يبدى مماطلة في التنفيذ؟!

فى رأيى فإن التوقيع هو مجرد خطوة للأمام، هى فقط حجر تم إلقاؤه في المياه الراكدة لعله يحركها، لكن بالتأكيد لا يعد هذا انتصاراً للثورة، خصوصا وأن بقاء على عبد الله صالح لمدة تسعين يوماً كرئيس شرفى ينبأ باحتمالية سرقة الثورة من الشباب على أيدى رجال صالح وأعوانه، بل وبالتأكيد أقاربه الذين ينتشرون في المناصب القيادية للدولة وخاصة العسكرية والأمنية وكأن جمهورية اليمن قد باتت المملكة اليمينة في عهد ملكاه على صالح!

إذ يتولى أسرة الملك معظم المناصب الرفيعة والحساسة، لكن حتى وإن رحل صالح، فإن بقاء حزبه ورموز نظامه يمارسون الحياة السياسية، وهو بمثابة الإبقاء على الشوكة في قدم اليمن دون إخراجها، وتضميد الجرح، وهو ما يعنى ضياع هدف آخر من أهداف الثورة التى يطمح الشعب من ورائها في تطهير الحياة السياسية في اليمن، لخلق حياة سياسية قائمة على الديموقراطية والعدالة، تخلق خصومة مع الماضى بكل أشكاله.

باختصار.. لا أعتقد أن التوقيع على المبادرة قد لبى ما يطمح إليه الشباب في الشوارع والساحات اليمينة، خصوصاً وأن المبادرة قد باتت كارتا محروقاً لحل الأزمة، وأن بعض القوى قد رفضتها مراراً حتى قبل أن يرفضها صالح نفسها مسبقاً، وإن كان صالح قد غير موقفه منها مؤخراً، فإن هذا لا يعنى بالضرورة تغيير تلك القوى أو الشباب لموقفهم من المبادرة بدورهم، كما أن نماذج الثورات العربية في الجوار لم تحلها مبادرات خليجية تضمن للطغاة خروجاً مشرفاً وحصانة من الملاحقة ولولا الملامة لضمنت لهم تكريماً!.. دعونا ننتظر لعل في قادم الأيام ما يَسُرنا!

زر الذهاب إلى الأعلى