[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

تعز الشيعية

تلقيت اتصالا هاتفيا من من أحد أبناء تعز المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية يتحدث بنبرات عصبية واضحة قائلا: إنني اسأت لمحافظة تعز بسبب وصفي لمسيرة الحياة إلى صنعاء بأنها كانت استعراضية ولم تحقق هدفا محددا سوى تحريك المياه الراكدة. وحذرني المتصل بأن "حساسيتي العنصرية ضد تعز وأبناء تعز" حسب وصفه سوف تجعلني أخسر رصيدي مع شباب الثورة لأن آرائي الجديدة صادمة لهم.

أجبت المتصل مبتسماً بأن الانطباع السائد الذي يتردد عني هو أني عنصري ضد أبناء الجنوب العربي، ولكني لم أسمع من قبل أن عنصريتي قد امتدت كذلك إلى محافظة تعز. واستمررت في التمادي مع المتصل المتشنج بالقول: إنني افخر بعنصريتي ضد أي مشروع أناني صغير سواء كان هذا المشروع في تعز أو في صعدة أو في الضالع أو حتى في مدينة البيضاء عاصمة المحافظة التي أنتمي إليها ولم تطأها قدماي أبدا منذ ولادتي. ولكني للأمانة لم أجد في تعز حتى الآن سوى مشروع بناء اليمن الكبير، ولهذا تدفع هذه المحافظة ثمنا باهظا من دماء أبنائها بسبب تبنيهم لهذا المشروع الكبير ومقتهم للمشاريع السياسية الصغيرة. أما عن رأيي في مسيرة الحياة، فالمسيرة ليست الثورة والثورة ليست المسيرة.

فأنا أرى أن الثورة تهدف لتغيير النظام في حين أن المسيرة تهدف لتغيير المنصة أو تغيير اللجنة التنظيمية في صنعاء وفي أحسن الأحوال تهدف لتغيير السفير الأميركي أو إسقاط المبادرة الخليجية وليس إسقاط النظام المتسلط. المسيرة لا تمثل تعز حتى وإن انطلقت من تعز للتمويه، وإنما تمثل الحركة الحوثية في صعدة على ما يبدو، لأن شعارات ومطالب المسيرة لا تختلف كثيرا عن شعارات ومطالب الحوثيين. وبغض النظر عن الهدف من المسيرة أو من يقف وراءها فإن الأهم من ذلك أن الهدف السامي للثورة الشبابية هو فتح الباب لأي يمني أن يعبر عن رأيه بدون وجل، مهما كان هذا الرأي صادماً، حتى لو كان ضد الثورة والثوار، فلا مجال لمحاكم التفتيش. وفي هذا الخصوص أعدت تذكير المتصل بأن رأيي في الرئيس علي عبدالله صالح كان أكثر من صادم في سالف الأيام لدرجة أن المهاجرين اليمنيين كانوا يبتعدون عني أينما رأوني، كأني مصاب بالجرب لأني أتجرأ على انتقاد سياسات الرئيس، أما الآن فإنهم يستقبلونني أينما ذهبت مرحبين بي كأنني العقل المدبر الذي يقف وراء الثورة الشبابية اليمنية.
من مسؤوليات الصحفي الوطنية أن يحذر من المخاطر قبل وقوعها، وهذا ما أحاول أن أفعله، ولهذا لن أتردد في انتقاد أي ممارسات ثورية خاطئة، أو استنزاف لطاقات الشباب فيما لا يفيد معتمدا على رصيدي السابق، وثقتهم بإخلاصي للثورة.

ولن أجاري عواطف الثوار بإسماعهم المديح الذي يسمعونه كثيرا من غيري، فأنا لا أبحث عن شعبية و لن أرشح نفسي في أي انتخابات قادمة، ولا يهمني أن يغضب مني هذا الثائر أو ذاك في هذه المحافظة أو تلك. لقد كان أكثر الغاضبين مني طوال السنوات الماضية هم أبناء قريتي في مديرية رداع التي يغلب عليها تأييد الطغاة بالمقارنة مع مديريات محافظة تعز أو صعدة أو عدن أو الجوف أو مأرب. ولكن لو قررت ترشيح نفسي للانتخابات في أي مرحلة قادمة لبحثت عن موطئ لي في تعز لأن ما يربطني بأبناء تعز أقوى وأسمى مما يربطني مع دائرة ميلادي أو محل اقامتي..

محافظة تعز بالذات هي أملنا في انجاح تجربة الدولة المدنية والتعددية السياسية عند إقامة أي نظام فدرالي قادم. ومحافظة تعز هي ثروة اليمن الحقيقية. وما أغبى تلك النخب التي تتسابق على ثروة حضرموت ومأرب والجوف، فملايين البشر في محافظة تعز هم الأقدر على تزويد الخزينة العامة بالدخل القومي الحقيقي عند تأسيس نظام ضرائبي متكامل خال من الفساد. ومحافظة تعز هي التي تزود اليمن بالعقول المبدعة وتحصد الجوائز في الصحافة والفن والعلوم من كل حدب وصوب. وهي المحافظة التي منحت اليمن لأول مرة في التاريخ جائزة نوبل للسلام. وهناك عبارة قالها ابن سنحان وابن اليمن البار عضو المجلس الوطني جمال المترب مفادها أن أهم الاسماء التي ارتبطت بثورات الربيع العربي بقوة هي سيدي بو زيد في تونس وبنغازي في ليبيا وتعز في اليمن.

ولهذا يخطئ الحوثيون إذا ظنوا أن بإمكانهم أن يقيموا "دماج" شيعية في تعز الثورة. ولا أرغب حاليا أن أصدم البعض بمعلومات وتفاصيل في هذا السياق، ولكني سأكتفي بالتحذير من أن المحاولات الرامية لإقامة جيب شيعي في تعز لا تقل خطورة عن النتائج الماثلة للعيان اليوم الناجمة عن إقامة جيب سلفي في معقل الزيدية بمحافظة صعدة قبل ثلاثين عاما. وإذا كان أبناء صعدة يعانون اليوم من نتائج ما يسمونه بالتمدد الوهابي أو الغزو الثقافي الخارجي لمحافظتهم فإن عليهم الامتناع عن التمدد بغزو ثقافي شيعي نحو المحافظات التي لا تتماثل معهم في تقافتهم وشعائرهم. وعلى الجميع أن يدرك أن مدينة تعز بالذات لديها حساسية مفرطة ضد الثقافات الطاردة ولكنها تحتضن كل قيم المدنية والحداثة، ولن تكون في أي يوم من الأيام لا شيعية ولا سلفية.

زر الذهاب إلى الأعلى