[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

تعز ومسيرة الوَحدة الوطنية

سيقال الكثير عن أهداف ودوافع المسيرة الوطنية التي قام بها شباب وشابات من محافظة تعز الأبية، إلا أنّ أهمّ ما سوف يحتفظ به التاريخ في أنصع صفحاته، عن هذه المسيرة أنّها كانت تأكيدًا وتعميقًا للوحدة الوطنية في وقت تحاول فيه رياح كثيرة من الداخل والخارج زعزعة هذه الوَحدة التي ترسخت عبر الأزمان. وفي المسيرة أيضًا أكثر من رد واضح وصريح على المحرضين الذين حاولوا ويحاولون استنفار النعرات المناطقية لمصالح شخصية ويتناسون حقيقة أننا أبناء بلد واحد وكلنا عرب ومسلمون وتربط بيننا جميعًا وشائج الأخوة والقربى والتجانس، وهو ما لا يتوافر لأي قطر عربي آخر.

وإذا كان اليمنيون قد عانوا من القهر والاستبداد السياسي فإن تلك المعاناة المشتركة قد ساعدت على توحدهم ومقاومتهم للطغاة، وعندما احتلت القوات الأجنبية جنوب البلاد كان اليمنيون يدًا واحدة في العمل على طرد الاحتلال بالقوة، وكانت تعز المدينة والناس هي مركز التجمع والإمداد والدعم لقوى حرب التحرير الوطنية ضد الاستعمار في جنوب الوطن.

وباعتراف جميع أبناء اليمن شمالاً وجنوبًا فقد تصدرت الطلائع من أبناء هذه المحافظة منذ منتصف الثلاثينيات وحتى مطالع الستينيات الدعوة إلى الثورة والتغيير ومقاومة الحكم الملكي الإمامي في الشمال، ومنذ منتصف الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات كان أبناء هذه المحافظة في طليعة القوى المقاومة للاحتلال الأجنبي، ولم ينظروا في يوم من الأيام إلى أن المحافظات الجنوبية تختلف عن بقية المحافظات الشمالية، وأنّ مشاركتهم في الحياة العامة والحياة السياسية والاقتصادية شأن وطني خالص يتطابق مع هُويتهم الوطنية ونزعتهم الوحدوية التي يشاركهم فيها أشقاؤهم في جنوب البلاد، وكان واضحًا عبر مسيرة العمل الوطني أنهم لم يتوحدوا في المغانم وإنما في المغارم أيضًا، وكانت دماؤهم تمتزج في ميادين الفداء والدفاع عن الحرية والاستقلال كما امتزجت في البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

وكم أسعدني وأثلج صدور كل اليمنيين الاستقبال والحفاوة التي قوبلت بها المسيرة منذ خروجها من العاصمة الثقافية تعز حتى وصولها إلى صنعاء، وكيف أثبتت المدن والقرى التي مروا بها، والمناطق التي اجتازوها، أن الإنسان اليمني الأصيل برغم كل ما تعرض له من بطش ومن ضربات موجهة في مستوى معيشته مايزال على درجة عالية من التماسك الأخلاقي والقيمي والوطني، وأنه سواء أكان المواطن اليمني يسكن المدينة أم يقطن في الريف مايزال شديد الإيمان بوحدة وطنه، سعيدًا بالجيل الجديد من أبناء هذا الوطن وكأنهم جميعًا أبناؤه يقابل بفرح غامر كل ما يحققونه من انتصارات علمية وثقافية وسياسية، ويرى فيهم أنقى صورة للمستقبل الذي عجز هو عن تحقيقه، ويلاحظ أن هذا المواطن اليمني الأصيلي قد بدا في حفاوته بشباب المسيرة أكثر تفاؤلاً وشعورًا بأهمية التغيير والخروج من دوائر الصراع المزمن على السلطة، وما ترتب على ذلك الصراع من خسائر في الأرواح والطاقات وفي إهدار الزمن.

إن مسيرة تضم عشرت الآلاف تقطع المسافة الطويلة ما بين تعز وصنعاء على الأقدام، وفي هذه الفترة القاسية من الشتاء القارس، هي واحدة من معجزات هذا الجيل الذي يتحدى الصعوبات ويواجه المشكلات بوعي وبإحساس عميق بالمسؤولية، ولم أستغرب ذلك الانهيار الذي ارتسم في وجوه كثيرين من أبناء جيلي وهم يتابعون أنباء المسيرة الراجلة ويبدون كثيرًا من الإشفاق على الفتيات اللاتي قطعن كل هذه المسافة الطويلة سيرًا على الأقدام لكي يؤكدن حقيقة المساواة والاقتدار على تحمل الصعاب ولكي يثبتن للآباء اليمنيين ولغيرهم في الوطن العربي والعالم أن المرأة في اليمن شقيقة الرجل ورفيقته في تحمل أعباء الحياة وفي مواجهة الشدائد أيًا كان حجمها أو مستوى الضغوط الناتجة عنها، وإن مسيرة الحياة هي إعلان عن بداية استرداد المجتمع لدوره، ولقوته الكامنة، ولحرية إرادته في التغيير.

تأملات شعرية:
هذا زمن الشعب القائد
زمن الجمهور
عاش قرونًا يشتاق إلى هذي اللحظة
يبحث عنها في الأوراق المكتوبة
واللا مكتوبة
حتى اكتملت أبعادًا ومسارًا
يا شعب الوحدة والثورة
مبروك عليك
فقد صار بنوك شمالاً وجنوبًا
أحرارًا.

كاتب وشاعر يمني

زر الذهاب إلى الأعلى