[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

اليمن.. أزمة قيادة

إن المتتبع للشأن اليمني في خضم التحولات التأريخية المعاصرة، خاصة مع اندلاع الثورة الشبابية التغييرية السلمية , وما صاحبها من سلسلة من العمليات النوعيه والتغييرات الجذريه في المكون الاجتماعي والعنصر البشري المتلازمه مع التحولات السياسيه بمراحلها المتعدده مرورا بالمبادره وما شابها وخالطها من شد وجذب بين اطراف القرار السياسي , وما لازمها من مخاض عسير للثوره على مدار عام كامل نتج عنها تخبطات فكريه وتضارب مصالح ورؤى مختلفه , يوقن المرء ان مرحلة اللاتوازن واللا استقرار المزمن على مستواها السياسي والثوري والشعبي والشبابي اصبحت عاجزه كليا عن إدارة المرحله الحاليه بكل تناقضاتها وتوجهاتها والوصول بها إلى بر الامان.

وهذا ما يضعنا مجبرين امام تساؤل ملُح يجول بالاذهان , وتسرده التحليلات والمفالات والصحف , ويدور في فلكه الساسه والكتاب والمثقفون , ويشرحه لسان حال الواقع المرير بضراوة , عن أزمه قياديه مستفحله وعصية على المستوى اليمني ابتدآءا من الهرم الانشائي وانتهاء بالقاعده التنظيمية لمختلف التوجهات والتنظيمات الشبابيه والسياسيه والشعبيه العامه؟ لماذا هناك أزمه في القيادة؟ وإدارة محور اليمن بكل تكتلاته ومكوناته المختلفه؟ .. هناك ازمة قياده شامله وعامه في كل مرافق الحياه اليوميه والحكوميه الخاصه منها والعامه, في النظام والحكومه وعلى مستوى قطاعاته وهياكله الوزاريه والإداريه , وهناك ازمة قيادة في الثورة الشبابيه والساحات والتحكم بمسيرة الشباب وتحركاتها على المستوى التصعيدي اوالثوري السلمي.

وازمات القياده المتشعبه في مراكز القياده التنظيميه والحركيه لمختلف التجمعات الشبابيه والاداريه ’’ بما يترتب عليه سؤ ادارة البلاد وسؤ تقييم الاوضاع ودراستها , واصدار قرارات جريئه بشأنها , وما التخبط الحاصل الان في مسيرة اليمن بشكل عام , وعدم توازنها باختلاف الرؤى الا نتيجه حتميه حاصله لافتقار القيادة الحكيمه والمحنكه المجربه التي تجيد فن التعامل مع الازمات و تجيد فن العلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإتخاذ القرار ,, نائية بنفسها عن المصالح الشخصيه الفرديه واضعة في الاعتبار المصلحه العامه للمكون الرئيسي لنظام المجموعه سواء كانت كبيره منها ام صغيره في الدرجه الاولى والاساسيه .

طالما عرفنا ان هناك ازمة قياده ,, فلابد لنا من وقفه جادة وصادقه مع مسبباتها ودواعيها مرورا بأثارها السلبيه على صحة المجتمع السوي وسلامته , وانتهاءا بايجاد الحلول الناجعه لها قوية التأثير وبعيدة المدى , في ظل حكم 33 سنه لنظام اسري قبلي مستبد , هل اختفت القيادة واصبحت اليمن غير ولاده بشبابها إبان جيل الثوره الأم 26 سبتمبر و 14 اكتوبر و بعدهما ؟ , خلال تلك الفتره الزمنيه أتى جيل الثوره ليصنع الغد , ولكنه ارتطم بالقيادات القبليه والمشائخيه والحكم الاسري المقيت , وسادت ثقافة الاسره الحاكمه وشبكات محسوبياتها , وهي من تنتج القيادات الوليده بما يناسب هواها , متناسية ان هناك شعب يولد , وجيل يبعث للحياه من جديد , متطلعا لحياه خاليه من الرتب والحكم العسكري والاسري , بعيدة كل البعد عن النفوذ المالي , وكانت في مجملها شروط حتميه وضرورية لتفريخ قيادات وزعامات المستقبل الذي نحياه اليوم في ظل ثوره علميه ونهضه حضاريه مدنيه .

في ظل هذه الفجوه التأريخيه والهوه الزمنيه السحيقه من الحكم الاسري ,.وما نتج عنها من اقصاء وحرمان وفتك للجيل الناشئ الوليد , وقتل روح القياده فيه والثقه اللازمه لصنع مستقبل الغد , وقفت اليمن عاجزه اليوم في حاضرها ومصيرها , متخبطه في مسيرتها بدون قبطان ماهر وقياده حكيمه وطنيه خالصه تقود عجلتها المتعثره , إن سياسة الاقصاء والتهجير بمفهومها السياسي قبل الاجتماعي وبمفهومها الانساني والحضاري , افقدت المواطن اليمني على مدى ثلاثة عقود اغلى ما يملك وهو حرية الرأي واتخاذ القرار والتأهيل القيادي النوعي والحتمي , فصار في مفهوم التأريخ والانتاج البشري الفعال عنصرا فاقدا للشئ فكيف يعطيه ؟؟ وكيف يورثه لأجيال قادمه عانت من الاستبداد المجتمعي والديكتاتوريه السياسيه , واصبحت اليوم عاجزه فعلا عن تقديم شيئا جميلا للوطن متمثلا في قيادات شابه تخرج الوطن من محنته وازماته المتعدده الكارثية.

هذه الازمه القيادية المتفاقمه صارت ظاهره وبائية مجتمعيه خطيره امتدت في ربوع اليمن , ولم تسلم منها حتى الثورة الشبابيه بمختلف توجهاتها ومعتقداتها واهدافها , فصار الاختلاف - لا التوافق- هو المفهوم السائد والطاغي على مسيرتها الثائره , ما نتج عنه لزاما التخبط الحاصل والترنح في مسيرة الوطن تباعا , والوقوف متعثرا على بوابة التاريخ عاجزا على أخذ زمام المبادره وانقاذ الوطن بهمه عاليه تضاهي تضحيات أبنآءه وأهدافهم الساميه النبيله , وغير قادرا على الرجوع للخلف لما قبل الثوره الشبابية.

إن المتأمل للشأن اليمني يكاد يجزم يقينا ان هناك ازمة قياديه عويصه , أودت باليمن إلى ماهي عليه الان من ركود وشلل تام في مختلف الجوانب الحياتيه والاقتصاديه والمعيشيه والسياسيه , والكل ينتظر ذلك المنقذ الذي لم يولد بعد ؟؟ أو الذي قد ولد فعلا ولكن المجتمع ومنظومته الديكتاتوريه متمثله بالنظام المستبد ككل أصابته في مقتل ؟؟ وللخروج من هذه الازمه العصيه هي العوده إلى جذور المشكله الاسياسيه , ومراجعة التأريخ اليمني المعاصربمختلف مراحله , والاستفاده من تجاربه , واعادة صياغته وهيكلة مستقبله , وتلافي اخطاءه ودعم العنصر الشاب وبشده , والاهتمام بجيل الشباب , وتوفير جميع المؤهلات والامكانيات في يد ابنآء اليوم -عماد المستقبل- , وغرس الثقه وقيم الولاء الوطنيه فيهم , بعيدا عن الحزبيه والمذهبيه والطائفيه والمناطقية , ومنحهم الوطن الذي يحلمون به , حتى ياتي الغد ليمنحوا الوطن ما يستحقه من التقدم والرقي والازدهار والنهوض به , ويهبوه القياده الوطنية المؤهله للخروج به من جميع الأزمات ومعالجة اوضاعه.

إن سنوات الاقصاء والتهميش المريره وقفت اليوم فعلا عاجزه عن ايجاد العنصر القيادي المؤهل لاخراج اليمن من ازماته , وان مراحل تهجير الكوادر العلميه الشابه إبان حكم النظام البائد افقدت البلد مواكبتها ركب التطور والتقدم , واللحاق بالامم في جميع شتى مجالات النهضه العلميه والصناعيه والاقتصاديه , ويدفع الوطن ثمنه اليوم مذيلا في آخر الدول تقدما وتطورا , وفي اولها عوزا وفقرا وهشاشة اقتصاد وجهلا وتخلفا وفسادا ماليا وإداريا , حسب جميع الدراسات العصريه والاحصائيات الاستراتيجيه , التي صار اليمن اسما قرينا لكل ماهو سلبي وسيئ , فاذا اصبحنا عاجزين فعلا عن إيجاد القيادة الحكيمه , فلسنا مؤهلين لاخراج اليمن من أزماته الا بالتوحد تحت رايه وطنيه واحدة والاستفاده من تجارب الامس وشحذ الهمم لمواجهة الغد باقتدار ومسؤولية وجدارة , واللحاق بركب المدنية المعاصره , الذي لن تنتظر كثيرا!!

- المانيا -Kiel

زر الذهاب إلى الأعلى