[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الحزمي لم يخطئ .. والضمانات شر لابد منه!

أثارت تصريحات النائب / محمد الحزمي حول منح الضمانات لصالح ردود أفعال كثيرة ، كما أثارت استنكاراً واسعاً في أوساط القوى الثورية داخل الساحات وخارجها ، وتلك الردود الغاضبة ربما كانت طبيعية في سياقها العام ، إذا أنه لا يمكن لعاقل بحال أن يقول بمنح الحصانة والضمانة لقاتل ثبتت عليه تُهم القتل العمد للمتظاهرين السلميين الذين يتوجب على الدولة حمايتهم بحسب القوانين والأعراف الدولية ، لكن تلك الردود لم تخلُ – بتقديري - من الانفعال العاطفي والاندفاع الثوري ، الذي لا يتلاقى وخطاب العقل ، الملازم للفعل السياسي بشكل دائم كما هو معلوم للجميع في لعبة السياسة ، والذي يستوجب منا التعامل معه بقدر كبير من البرجماتية والموضوعية .

إن تلك الردود المنفعلة ستبدو - وفقاً لهذا السياق – وكأن أطرافها لم تسمع بالمبادرة الخليجية في اليمن من قبل ، ولم تقرأ فحوى مضامينها أو بنودها ، تلك البنود التي نعلم جميعنا أن واحداً منها كان يقضي بمنح الحصانة لصالح من أي ملاحقة قانونية ، وأن ما حدث في الأيام الماضية لم يعدو عن كونه مجرد آلية تنفيذية لذاك البند وفقاً لنصوص ومضامين المبادرة ، التي وافقت عليها - في حينها - كل أطياف المعارضة اليمنية تقريباً وبمقدمتها أحزاب اللقاء المشترك ، والتي تم التوقيع عليها – كما نعلم جميعاً - في حفل تاريخي ، برعاية إقليمية وعربية ودولية وتحت مظلة الأمم المتحدة ، لتصبح بعد ذلك التوقيع وثيقة دولية هامة ، ملزمة لكلا الأطراف الموقعة عليها ، وأي طرف سيحاول إعاقتها أو الالتفاف عليها سيخسر الدعم الإقليمي والدولي الراعي لتلك الوثيقة.

ووفقاً لما سبق فإن حكومة باسندوة لم تأت بشيء جديد بتقديري ، حين صوتت لصالح مشروع قانون الحصانة للرئيس صالح ، وإنما قامت بتنفيذ التزام سياسي وأخلاقي قطعته على نفسها أمام المجتمع الدولي ، وكان يتحتم عليها الوفاء به من منطلق قيمي وأخلاقي قائم على مبدأ "الوفاء بالعهود" ، قال تع إلى : (وَأوفُوا بِالعَهْد إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولا) وقال أيضاً (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ، فهي لربما رأت - من الناحية السياسية - أنها بذلك تفوِّت الفرصة على صالح ونظامه من أن يُدخلوا البلد في احتراب أهلي ، وهذا ما عناه الشيخ الحزمي تماماً وأساء فهمه الكثيرون حين قال بأن :" صالح مفسدة كبرى لليمن ومنحه الضمانات مفسدة صغرى ، وأن دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى هو واجب" ، وهو برأيي لم يخطئ بقوله ذاك ، بل على العكس من ذلك هو أعطاه تأصيلاً فقهياً يزيد من صوابه ، ثم من الناحية الأخلاقية فإنها تكون قد عززت تلك الصورة الحضارية والأخلاقية للإنسان العربي المسلم ، التي يجب أن يتمتع بها في التزاماته تجاه الآخر.

لستُ هنا بالطبع محامياً عن الشيخ / محمد الحزمي ، ولا مدافعاً عن حكومة الوفاق أو أحزاب اللقاء المشترك ، أو حتى المعارضة برمتها ، فمن يتابع كتاباتي بشكل دائم يعلم أنني كنت ولا أزال من أشد المعارضين للمبادرة الخليجية جملة وتفصيلاً ، ولكنني أقول بأنه يتوجب علينا - كنشطاء في الثورة وكحريصين على نجاحها وعلى مستقبل اليمن من خلالها - أن نفرق بين عاطفة الفعل الثوري وبين عقلانية الفعل السياسي ، وبرأيي فكلا الأمرين لا غنى للثورة عنهما في واقع الحال ، إذ أن كلاهما يكمل الآخر ، فالفعل الثوري الغاضب والمنفعل ، الذي يفرض واقعاً معيناً على الأرض هو القوة التي يتزود بها السياسي ، لفرض أقوى الشروط الممكنة عند الجلوس على طاولة الحوار، كما أن الفعل السياسي المتأني والمتعقل يحدث توازناً هاماً من شأنه تحقيق أكثر الأهداف الممكنة بأقل الخسائر الممكنة أيضاً.

ثم أرجوا أن تتخيلوا معي – ولكن بشكل هادئ وموضوعي وبعيد عن الانفعال الثوري - لو أن طريقة اللهجة وكذا المواقف التي كانت تتحدث بها قيادات المعارضة السياسية من تصريحات وردود أفعال وما شابه منذ أن بدأت الثورة قبل قرابة العام وحتى اليوم ، هي نفس طريقة اللهجة والمواقف التي تتحدث بها القيادات الثورية في الساحات وتترجمها عملياً بالتصعيد الثوري على واقع الأرض ، كيف تتوقعون كانت ستكون النتائج والسيناريوهات المحتملة ، بل ولربما الأكيدة في ظل المعطيات الواقعية التي عشناها ورأيناها ، أنا أتوقع أن أقل سيناريوا كان سيحدث هو الدخول في مواجهة مسلحة بين كلا الأطراف من بعد جمعة الكرامة على أقل تقدير، والدخول في مواجهة مسلحة يعني خروج الثورة عن سلميتها ، وخروج الثورة عن سلميتها يعني انتهاء الدعم والتعاطف الإقليمي والدولي لها ، وانتهاء الدعم والتعاطف الإقليمي والدولي لها يعني الدخول في احتراب أهلي ، والاحتراب الأهلي يعني الأفغنة والصوملة لليمن الجديد .. يمن ما بعد الثورة .. فهل هذا هو ما كنا نريده؟!

بالمحصلة .. أرى أنه لا يمكن للثورة – أي ثورة – أن تقوم لها قائمة وتحقق النجاح المطلوب وكذا الأهداف المنشودة التي قامت لأجلها بدون أطراف سياسية تديرها ، أو "تخطفها" من الشباب أو "تسرقها" من الساحات أو "تستولي عليها" أو "تقطف ثمارها" ، أو قل ما شئت من المسميات التي تحلو لك ، والتي نسمعها تتردد كل يوم ، لكنها في نهاية الأمر تبقى هي الحقيقة التي يجب أن نقتنع أو نُقنع أنفسنا بها سواءً أعجبتنا أم لم تعجبنا ، لأنها أمر واقع .. وكذلك تعاطى السياسيون ومنهم "الحزمي" مع المبادرة باعتبارها امرٌ واقع .. وبالتالي فمنح الضمانات لصالح وفقاً لتلك المبدرة هو شرٌ في أساسه .. لكنه شرٌ كان لابد منه .

زر الذهاب إلى الأعلى