[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

افتتاحية الخليج: كلمة متأخرة سنة

لم يكن الرئيس علي عبدالله صالح يحتاج إلى كل هذا الوقت وكل هذه الدماء التي سالت في شوارع ومدن اليمن كافة، لو أنه استمع إلى صوت العقل وفعل ما قاله، أمس، في خطاب وداعي مؤثر، ألقاه أمام قيادات حزبه بمن فيهم نائبه عبدربه منصور هادي، عندما طلب من الشعب الصفح عمّا ارتكبه من أخطاء خلال فترة حكمه الممتدة 33 سنة .

قال صالح في الخطاب الذي ألقاه، أمس، قبل مغادرته العاصمة صنعاء للعلاج في الخارج، وبعد يوم من منحه قانون الحصانة القضائية: “أطلب العفو من كل أبناء وطني رجالاً ونساء عن أي تقصير حدث أثناء فترة ولايتي الـ33 السنة، أطلب المسامحة وأقدم الاعتذار لكل المواطنين اليمنيين واليمنيات، وعلينا الآن أن نهتم بشهدائنا وجرحانا” .

كان بإمكان صالح، وهو شخص لا ينقصه الذكاء، أن يقول ما قاله، أمس، منذ زمن، ويحصّن شعبه من الدمار الذي لحق به، عوضاً عن البحث عن قانون يمنحه الحصانة القضائية، وكان بإمكانه أن يعمل على مصالحة اليمنيين كافة بعد أن شعر بأن رياح التغيير قد هبّت، وأن يجنّب البلاد الكوارث والويلات .

كان صالح يريد أن يتجنّب موقف الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عندما استشعر أن الأرض تتحرك تحت قدميه، وقال كلمته الشهيرة “فهمتكم” . استكثر صالح على شعبه أن يقول لهم بعد 33 سنة من الحكم “لقد فهمتكم، وحان الوقت لأعتذر عن كل الأخطاء التي ارتكبت في عهدي وهي ليست قليلة”، ولو قاله لكان ذلك سبباً في تقوية الجبهة الداخلية وتماسك اليمنيين الذين قسمتهم التجاذبات السياسية، لا سيّما بعد “اللاءات” الكثيرة لصالح، وإصراره على مواجهة “التحدي بالتحدي”، والتي كانت بمنزلة تزكية للعنف والقتل .

لم يكن من العيب أن يقول رئيس لشعبه إن زمنه قد انتهى، على العكس من ذلك كانت هذه الخطوة سترفع أسهمه كثيراً في قلوب أبناء شعبه، وسيسجل له التاريخ بأحرف من ذهب أنه حقن دماء شبابه في الساحات التي خرجوا إليها طلباً للتغيير، وهو نفسه كان يقر به، لكن سنةً من المماحكات كانت كفيلة بإنهاك الدولة وشعبها .

طالب صالح في خطابه، أمس، جميع الأطراف السياسية ب “الالتفاف حول بعضهم بعضاً، والمصالحة والمصارحة، وترميم وإصلاح ما دمر خلال الأشهر الأحد عشر من العام الماضي”، إنها جملة كافية لمعرفة إلى أين قاد صالح شعبه خلال السنة المنصرمة، وهي تركة ثقيلة دفعت برئيس الوزراء محمد سالم باسندوة يوم أمس الأول، إلى البكاء وهو يطالب نواب البرلمان بإقرار قانون الحصانة لصالح حتى يجنب البلد مخاطر التمزّق والشتات” .

صحيح حصّن القانون صالح من الملاحقة القضائية، لكن الأمل أن يكون حصّن شعباً بأكمله من مخاطر الذهاب إلى الفوضى والدمار والحرب الأهلية، وعندما تجري المقارنة بين “الشخص” و”الشعب”، فإن مصلحة الشعب أقوى وأهم، مع التقدير للضحايا الذين سقطوا خلال سنة من العنف والتدمير .

الأهم أن يطبق صالح مضمون كلمته، وأن يتحوّل إلى عامل استقرار لليمن، فالبلد أحوج ما يكون إلى الاستقرار لإعادة بناء ما تم تدميره خلال السنة الماضية، وعلى الحكومة أن تبدأ من الآن بتحقيق مصالحة شاملة لا تستثني أحداً .

زر الذهاب إلى الأعلى