[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الخطاب السياسي بين التماثل والتفاضل

تشهد الساحة السياسية اليوم ، وفي ظل المتغيرات الراهنة ، ميلاد العديد من المكونات والأحزاب التي تبحث لها عن مكان على خارطة العمل السياسي المستقبلي ، ومن المسلم به أن كلاً منها يحاول تقديم نفسه بوصفه كياناً مغايراً للقوى التقليدية ، من خلال تبني شعارات وبرامج مختلفة. ولكن هل تستفيد تلك المكونات من تجارب ودروس الماضي ؟ ، وهل تدرك فعلاً أنه إذا وقع التماثل سقط التفاضل..؟

فمن المعروف أن السياسة هي فن التعامل مع الممكن ، وهذا الفن لايخضع غالباً لقيم ومبادئ اخلاقية ثابتة وإنما لمنطلقات براغماتية بحتة ، وهذا ما قد يجعل من المنطقي ومن المقبول ، أن يطل علينا رجل السياسة ليقول أن قانون الحصانة هو أمر إيجابي ، بل وضرورة وطنية ، حتى وإن خالف ذلك قناعاتنا ومنطلقاتنا الفكرية ، ولكن الأمر يختلف تماماً عندما يتم قراءة الدين، وتلاوة المثل العليا ، وفقاً لرؤية نفعية مسبقة ، فعندها تصبح السياسة وبلا شك فناً لخداع الشعوب.
والشعوب قطعاً لا ترحب بمن استحسن خداعها مذهبا ، وبات من الواضح اليوم أن جميع اليمنيين وبكافة شرائحهم - بعد أن خاضوا معتركاً حقيقياً من تناقض الاطروحات وصراع الرؤى والفتاوى - يدركون أن حقيقة الدين ليست هي ذاتها خطاب رجل الدين ، وأن ذلك الخطاب لا يتعدى كونه فهماً نسبياً لتلك الحقيقة ليس إلا ، وهذا ما يقرأ بوضوح في الإستنكار الواسع والسخط المجتمعي الإستثنائي تجاه ذلك التناول (الدينسياسي) لقانون الحصانة ، ومحاولة تبريره وتمريره بوصفه ضرورة شرعية...!! ، فقد تجاوزت آثار ذلك الطرح الحدث المتغير (السياسة) إلى القيم الثابتة (الدين) ، ولامست قدسية المبادئ والمثل العليا التي تصوغ الوعي والوجدان العام ، فالعدالة والإنتصار للحق مسلمات لايمكن للدين بأي حال من الأحوال التخلي عنها وطرحها جانباً ، ومحاولات تبرير نقائضها دينياً– تحت أي ذريعة- يمثل انتقاصاً من عدالة الدين وقداسته...
كما أن إرتداء بعض المثقفين والكتاب جلابيب الوعاظ وامتهانهم قرائة الفنجان ، لتمرير قناعاتهم وأجنداتهم السياسية ، لا يخدم تلك الأهداف بحال ، فعندما يصف احدهم إقرار البرلمان لقانون الحصانة باليوم التأريخي في حياة الشعب اليمني، نجد أن ذلك الوصف يستقبل بالإستهجان والرفض ، لما يمثله من استخفاف بالرأي والشعور العام ، فتلك قراءة ميكافيلية واضحة لنصف المشهد فقط ، فهكذا وصف قد ينطبق على حدث وتحول وطني توافرت فيه اشتراطات المصلحة والعدالة والقبول العام ، وهذا مالا ينطبق قطعاً على حدث تتبناه قوى لا تتجاوز كونها ركاماً سياسياً طالما كان ولا يزال معزولاً عن إرادة وخيارات الشارع..!!
ومن هنا يتضح أن على جميع المكونات السياسية – وفي مقدمتها حديثة النشأة - إدراك التحول الجوهري في الواقع الثقافي المجتمعي ، وما تمخض عنه من إعادة تقييم للرؤى والقناعات ، وتبني خطاباً موضوعياً يتسم بالمصداقية والشفافية ، ويقوم على احترام عقل الشعب ووعيه، فقد يقبل بمنطق السياسة المجرد مالا يقبله بمنطق هجين يعتمد الزيف وتجميل الوجه السياسي – القبيح احياناً - ، فقد ولت تلك المرحلة التي اعتمدت خلط الأوراق والمفاهيم وسيلة لتمرير السياسات، فالشعب اليوم وبدون شك اكثر وعياً وقدرة على التمييز بين الخطاب ومنطلقاته ومقاصده ، وبات أكثر قدرة على القراءة بين السطور..!!

زر الذهاب إلى الأعلى