[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

عناد الحضرمي وزمن هادي

في مقال الأمس تحدثت عن المثلث الجنوبي الذي كان خاضعاً لسلطة الإمام يحيى، وأن القادمين من هذا المثلث هم أكثر ناشطي الحراك عدداً وحماساً لفك الارتباط، ورفض العهد الجديد؛ لأن نقل السلطة إلى أبناء أبين يجعل بعض أبناء المحافظات الجنوبية الآخرين يحنون عاطفياً لعودة علي صالح، رافضين مجدداً التصالح والتسامح.

فما أقسى الحراكي على الحراكي! وما أرق عواطفهم تجاه غيرهم!، أما أبناء المنطقة الوسطى في أبين وحلفاؤهم في شبوة، فمهما كان عدد الحراكيين بينهم إلا أنهم ليسوا سذجاً كي يتخلوا عن حكم اليمن - كل اليمن - مقابل شراكة غير مضمونة في حكم جزء من اليمن، أو مغامرة غير محسوبة مع قادة الإقصاء والاستعلاء والتهميش والفشل.
ولهذا فإن المبادرة التي أوردنا البارحة أهم بنودها، وهو الاعتراف بحق العودة للماضي وفك الارتباط بين المحافظة الثانية والثالثة اللتين غالباً ما تصطفان في جبهتين متعارضتين منذ الاستقلال حتى اليوم، وكانت هاتان المحافظتان الجنوبيتان ضمن فريقين متحاربين ليس عام 1986 فحسب ولكن أيضاً عام 1994.
ورغم حالة الإنكار والعناد السائدة فإن أي سياسي محايد يبحث عن تشخيص القضية الجنوبية تشخيصاً حقيقياً لابد أن يعرج على هذا العداء المناطقي الذي نحاول إنكاره ونهرب من المصارحة حوله، ففي رأيي أنه لا يمكن حل القضية الجنوبية دون الوصول إلى جذورها؛ لأنها في الأساس قضية بين أهل الجنوب أنفسهم، قبل أن تكون شطرية مع الشمال.
ومبادرة فك الارتباط التي طرحتها للنقاش سوف تحقق أهدافاً ومطالب مختلفة، لا يمكن الجمع بينها إلا عبر هذه المبادرة، فهي اتفاق عادل يعيد الفرع الجنوبي (سلطنة البيضاء) للأصل الجنوبي والفرع الشمالي (إمارة الضالع وملحقاتها) للأصل الشمالي.
كما تلبي المبادرة مطلب فك الارتباط بمستوياته المختلفة، وفي ذات الوقت تلبي مطلب المزايدين باسم الوحدة ببقاء الوحدة، وفوق هذا وذاك فإنها لن تطبق، وبالتالي ستحقق مطلباً مهماً من مطالب مراكز القوى القبلية والعسكرية في شمال الوطن التي تعشق اتفاقات من هذا القبيل تحقق أهدافها دون أن يتم تطبيقها.
ولكن هذه المبادرة، رغم ما يمكن أن تنجزه لنا، فإنها لا تخلو من عيوب، فرغم أنها ترتكز على مبدأ حق العودة للماضي الذي يكاد يجمع عليه السياسيون الحراكيون بمختلف توجهاتهم، إلا أن المبادرة لا تضمن إقناع بريطانيا بالعودة لاستعمار ما كان يسمى الجنوب اليمني، وتصحيح مسار التحرير الخاطىء، ولكن في ظل حق العودة فإن هذا الأمر يمثل مشكلة جنوبية داخلية لا يحق لنا التدخل فيها.
أما العيب الأكثر خطورة في المبادرة فهو إهمال وجهة نظر أبناء حضرموت، فحضرموت لم تفوّض نجليها البيض والعطاس بتمثيلها في المحافل الإقليمية والدولية بل إنها تعتبرهما ممثلين شرعيين للضالع وردفان وليس المكلا وسيئون.
ونظراً للأهمية القصوى لرأي حضرموت فلا يمكن أن أتجاوزه هنا، وقد نشرت في صفحتي على (الفيس بوك) نموذجين اثنين للرأي الحضرمي أحدهما كتبه لجريدة المكلا اليوم الإلكترونية الأستاذ عبدالله بن آل عبدالله، تحت عنوان: “إلى ماوري.. وراء البحار.. سخاؤكم فتات”، وطرح فيه الكاتب حقائق تاريخية موجعة لي، ترفضها عاطفتي وتنكرها أنانيتي وتتعارض تلك الحقائق التاريخية مع رغبتي الجامحة في ممارسة هواية الفيد، وغريزتي الوحشية الساعية لانتزاع خيرات حضرموت من أفواه فقراء إمارة الضالع، ومشردي مشيخة الشعيب الذين تربطهم بي أواصر وغرائز واحدة؛ كوننا ننتمي لأصل إمامي واحد حسب ما سبق توضيحه.
ولقد قرأت ما طرحه الأستاذ عبدالله فارتفع ضغطي وتصاعد تشنجي، الأمر الذي اضطرني لوضع المقال جانباً ووضع عواطفي في الجانب الثاني، وأعدت القراءة لاحقاً بعقلي فقط بعد إزالة كل البرامج المحشوة فيه، فوجدت أن الرجل لم يتلفظ بكلمة نابية واحدة، وسرد رأيه بكل سلاسة، وعجزت عن الرد عليه؛ لأن الرد يحتاج إلى قراءة أبحاث ومجلدات وقضاء أوقات طويلة في مكتبة الكونغرس الأميركي، التي لا يوجد في غيرها كتب عن حضرموت، ولهذا آثرت السلامة، وقررت أن أحتفظ بالمقال المشار إليه كمرجع شخصي مبسط عن تاريخ حضرموت، إلى أن يحين الوقت لتعلم المزيد.
أما النموذج الثاني للرأي الحضرمي فقد وصلني إلى صفحتي في (الفيس بوك) من الناشطة “ الفيس يوتيوبية” عناد الفقيه تحت عنوان”أيها المفاوض الشمالي المغرور.. قف مكانك كفى مراوغة واحتيالاً”. استفزني العنوان في البداية، ولكن هذا ما يجب أن تكون عليه العناوين، وعندما قرأت الموضوع وجدت فيه طرحاً منطقياً مختصراً، لا يمكن أن يختلف عليه اثنان، بل يمكن تحويل مضمون هذا الرأي إلى خطة عمل سريعة توضع أمام الرئيس الهادئ في أول عهده الساخن، حيث إن الكاتبة تقدم وصفة معقولة للحفاظ على الوحدة اليمنية قائلة للمواطن أو المسؤول الوحدوي أو أي ثرثار مزايد باسم الوحدة: “ابدأ بالعمل.. ردّ مظالم الجنوب وأراضيه ومزارعه وبيوته التي نهبت وسلبت سواء ما كانت وقفاً للدولة أو للمواطنين..عالج قضايا العسكر الجنوبيين وردهم إلى مناصبهم ووظائفهم..استبدل رؤساء المحاكم والنيابات والأمن والشرطة والمرور والموانئ والمطارات وخفر السواحل والمستشفيات والجامعات ومكاتب التربية والتعليم وكل المؤسسات الحكومية بأفضل وأنزه ما لديك.. أنزِل مائة ألف وظيفة على الأقل لأهل الجنوب فقط.. افتح جمعيات خيرية اجتماعية وحقوقية حقيقية داعمها الرئيسي ثروتهم النفطية لتبحث عن المعونات للعاطلين وذوي الاحتياجات الخاصة.. اعتذر للشعب الجنوبي عما حصل له، فكلّ الشمال - دون استثناء - كان سبباً فيما لحق بهم من ظلمٍ وجورٍ، حتى وإن كان من بينهم الأسوأ معيشةً من الجنوبيين والأكثر ظلماً وامتهاناً.
بعدها يمكنك الشروع بفنون الفلسفة وناقش وفاوض واقنع غيرك بضرورة الوحدة وأهميتها..أما الآن فلا كلام، فقط عمل، والعمل فقط.الحالة إسعافية.. باشِر بتشخيصها فوراً..عالجها سريعاً..استرسل بإرشاداتك وتعليماتك ونصائحك لاحقاً.
أمّا بالنسبة للشمال فكل ما ذكرته..لهم الحق بمثله وأكثر.. لكن بعد أهل الجنوب حتى وإن طال الوقت والانتظار.. فلابد من التضحيات الشمالية - فقط - لأجل سواد عيون الوحدة.. وليربط جائعوهم على بطونهم وليملأوا قلوبهم صبراً وعقولهم حكمةً.. إرضاءً للجنوب ولمعالجة ما عندهم أولاً ثم نلتفت إلى الشمال وشمال الشمال حالما نطمئن على جنوبنا الحبيب”.. إلى هنا انتهى الرأي الحضرمي الذي يختلف كثيراً عن آراء أصحاب الثقافة والحضارة الحراكية “الإمامية”.
ويمكن القول: إن هذه المطالب مطالب حق يراد بها حق، ومهما كان سقفها عالياً فهدفها غالٍ، ويجب علينا أن نقف جميعاً مع الرئيس الهادئ الذي نثق تماماً بأنه قادر على تنفيذها بكل هدوء، ولكن علينا أن نتذكر أن الرجل لم يمنح الفرصة بعد، ولم يتسلم مهام منصبه بصورة رسمية، وعلينا انتظار أن يحل علينا يوم الحادي والعشرين من فبراير بسلام، ليبدأ تنفس الصعداء، وبعد ذلك، إن لم نبدأ التغيير فسأكون أول المنادين بالتشطير.

زر الذهاب إلى الأعلى