[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الوزير الذي لا يكوي ملابسه

ارتدوا أفضل ما عندهم, ولم ينتصف النهار إلا وكانوا على مقربة من ميدان السبعين للمشاركة في تمثيلية "إثناء صالح عن قراره عدم الترشح لدورة انتخابية جديدة", وحين اقتربوا من عيون القصر رأوا رجلاً مكتمل البنيان يرتدي بزة أنيقة وربطة عنق شقراء, تعلوه ابتسامة، يهرول نحو موكبهم، زادت المفاجأة حين اختار أقدم سيارة في الركب ليعلق بها.

إلى هذه اللحظة قليلون من عرفوا شخصية الرجل، لكن الجميع يجهلون سر هبوطه عليهم، التقط ضالته "الميكرفون" وأخذ ينادي مرحباً بأبناء ذمار في مدينتهم الثانية صنعاء وتدريجياً بدأ بالكشف عن هويته " أنا منكم وأنتم منى أنا حمود عباد وأنتم يا عصب راسي".

أعجب طيبتهم وسجيتهم فأجابوه مرحبين بانضمامه إليهم، فرحين بحفاظه على تقاليد صاحب البلاد الذي لم تطمس العاصمة روحه وجذوره، وجميل أن يكون بينهم شبيه بمن يرونهم على التلفاز، استحوذ الرجل على الكلمات ولم يستسلم للجلوس رغم إلحاحهم المستمر في اللحظة التي يعي أنها تاريخية بالنسبة إليه .

من حشدوا وطرحوا الجاه كانوا مغتاظين وهم يرقبون التحول في خطاب عباد من الترحيب بالقافلة إلى تمثيلها بين يدي صالح.

قبل فرز انتخابات 2006 كان عبد الجندي يوزع الأصوات حسب ما يراه، ومنح الفوز لصالح الذي بدأ يكافئ من ساقوا المؤيدين إلى السبعين بالمناصب الوزارية، ولأن حمود عباد كثف اهتماماته بالبدلات الشبابية، أوكلت إليه وزارة الشباب والرياضة التي عدلها أو دللها وقلب شينها ثاءً لتغدو وزارة الثياب والرياضة – ما أقدم عليه فيما بعد يؤكد هذا, فقد جعل صندوق رعاية النشء والشباب يشتري ثياباً بما يزيد عن ستة ملايين و210 ألف ريال في عام واحد للمرافقين له، رغم أن لا علاقة للصندوق بما يلبس مرافق الوزير، كما أن الكرة اليمنية لم تتحسن، وتطور أدائنا في الترحيب بالأهداف من مسافات بعيدة وكل يوم تزداد ملابس لاعبينا فقداناً لألوانها الأصلية، وبالكاد ترى رقم كل لاعب مغلوب على أمره يتقاضي "1250" ريال بدل سفر عند سفره للعب خارج المدينة التي يقيم فيها ويضطر لتغيير سكنه دورياً هرباً من ديون المغسلة.

أراد مجلس النواب التأكد من قيمة ملابس الوزير وأشياء أخرى فكلف لجنه الشباب والرياضة للنزول، وعادت بأرقام أشد قسوة علينا تدور حول الملابس، وهو بند غير مستقر حتى في ميزانية فضائية اليمن التي تقدم أحيانا "60" ألف للمذيع بدل مظهر، كي يرانا العالم ونحن نرتدي ما يناسب مقاساتنا، ومع ذلك يمكن رؤية مذيع يلبس بدلة كاملة دون حزام أو ربطة عنق تتناسق فقط مع مزهرية في الاستديو أو مع الكوت الذي يرتدي مذيع آخر .

ولدينا نموذج من مكان غير متوقع، حين تم تعيين الدكتور/ مصطفى بهران - وزيراً للكهرباء - ابتعد عن الطاقة النووية التي وعدنا بها وأصدر توجيهات بان يرتدي موظفو الكهرباء ومهندسوها ربطات عنق ولا يزاولوا عملهم دونها وإلى اليوم وهم غير قادرين على اكتشاف العلاقة بين التيار الكهربائي وربطة العنق.

في الضفة الأخرى من المعادلة لا يحبذ وزير الخارجية ارتداء ربطات العنق ولا يلزم موظفيه بما يمكن أن يصبح باباً واسعاً لمغالطة مكافحة الفساد في بند مناقصة توريد ربطات عنق وملحقاتها، الهدف منها تعزيز العلاقات الخارجية وتحسن صورة اليمني في الخارج مع التركيز على القاهرة وعمان وما حولها .

وبالعودة إلى اللجنة البرلمانية فقد تجاهلت الحديث عن ملابس الوزير الأشد وطأة على ميزانية بلد نامٍ يقترض كل شي " جسور, طرق، مدارس، طباشير وصولاً إلى كسوة مرافق وزير الشباب السابق وزير الأوقاف الحالي" وربما الوزراء الآخرون الذين تداركوا وغيروا التسمية حفاظاً على مشاعر شعب يضطر الكثير منهم إلى ارتداء ملابس ضيقة تتوسع مع الزمن وأخرى واسعة تضيق مع الدهر عندما يلف حولها عقوده وإمكانياته لا تتيح خيارات عديدة فيخلق مهنة لا أساس لها " تعديل الملابس بأنواعها " ويبعث أخرى انقرضت " صباغة ثياب".

لم يستوعب أعضاء البرلمان أن يرتدى مرافق وزير في العام ما تساوى قيمته رواتبهم لعام أيضا فقرروا إعادة التقرير إلى اللجنة لمزيد من الدراسة والفحص للأرقام ومعرفة مصير الملابس القديمة للمرافق كما علق أحد النواب في حديث ودي مبتسماً" نشتي نشتريها منه " نائب آخر ذهب إلى الوزير نفسه " أنا ما بشتري إلا من الوزير أكيد أنها جديدة لم تعرف مغسلة أو كاوية" شيء من الطرافة المرة يحضرنا الآن .

في التقرير الذي كشف عنه مؤخراً هناك مئات الملايين تجاوزت ما هو معتمد تحت مسميات مألوفة فقدت صداها لدينا كضيافة ومكافئات وبدلات وغيرها لن تتوقف مادام أن كثيراً من الوجوه التي شرعتها لا تزال تشارك في تحديد مصير البلاد وستجرف معها المتفاعلين مع قصة الخليفة الذي ينتظر ثوبه حتى يجف، وهي الحالة التي يفترض بوزير الأوقاف محاكاتها على الأقل في أوضاعنا الحالية وسنحاول إقناع النواب أن يكفوا تفتيش الملابس وأن يغضوا الطرف عن العزائم واعتبارها دليل إثبات صلة قرابتنا بحاتم الطائي، وأن يدرجوا كل هذا ضمن أنشطة سياسية تجبها المبادرة الخليجية.

زر الذهاب إلى الأعلى