[esi views ttl="1"]
شعر وأدب

عن المقالح

أفرح دائماً عندما أقرأ أي شيء جديد لعبد العزيز المقالح الذي أعتبره قيمة إنسانية وإبداعية كبيرة. لقد عرفته في أعقاب هزيمة 1967. وكان أول ما قرأت له قصيدة بعنوان “رسالة إلى سيف بن ذي يمن”، وعقبت على القصيدة في مجلة “الآداب” البيروتية، وكانت لا تزال في ذروة ازدهارها القومي، ومرت أشهر على نشر القصيدة ونقدها، إلى أن ذهبت ذات مساء إلى مقر الجمعية الأدبية المصرية، وهناك قال لي صلاح عبد الصبور بعد أن ردّ تحيتي بأفضل منها؛ هناك شاعر من اليمن عزيز على قلبي أريدك أن تتعرف إليه. وقادني إلى حيث يقف شاب نحيف الجسم أشار إليه وقدمه لي قائلا: هذا عبد العزيز المقالح، وهو أشعر شعراء اليمن الشباب. تبادلنا التحية بحرارة، وبدا كل منا مرتاحا إلى الآخر، واستغرقنا في الحديث عن شعر اليمن المعاصر، ونسينا صلاح عبد الصبور الذي تركنا وانشغل بغيرنا من الأصدقاء. ولم نترك أمسية الجمعية المصرية إلا ونحن صديقين.

وعرفت في طريق العودة أن عبد العزيز يقطن قريبا من منزلي في منطقة الدقي، وبدأت علاقة صداقة وأخوة نادرة، لم تنقطع إلى اليوم، حتى بعد أن حصل عبد العزيز على درجة الدكتوراه، وظل مقيما في القاهرة إلى أن وجد نفسه يوما مجبرا على الرحيل عنها بفضل زبانية السادات. وكان لهذا الحدث الجريمة وقع المأساة على نفوس أصدقاء عبد العزيز في القاهرة، وأنا على رأسهم، خصوصا لأننا كنا نعرف موقف عبد العزيز من الحكم العسكري في بلده. ولكن ما كان بيدنا شيء سوى الدعاء لعبد العزيز وزيادة كرهنا للزمن الساداتي البغيض. وحمدنا الله بعدما وصلت أخبار مطمئنة عن عبد العزيز الذي أصبح أستاذا في جامعة صنعاء، في كلية الآداب التي كان عميدها في ذلك الوقت صديقنا مصطفى مندور، شقيق المرحوم محمد مندور عليهما معا رحمة الله.

وبدأت مكانة عبد العزيز تترسخ في بلده، وتتسع الاستجابة لشعره لتشمل الأمة العربية كلها. وما كان أسعدني عندما عرفت أن عبد العزيز يقوم بدور في اليمن يوازي دور طه حسين. ولم أتوقف عن قراءة كل ديوان له بالحب الممزوج بالتقدير. وكنت ألاحظ أن شعره يزداد عمقا وثراء، في أبعاده الإنسانية كل مرة. ولذلك خصصت له مكانا عزيزا في قلبي وفي عقلي الناقد، وقد كتبت عنه القليل. ولا أزال أشعر بأن من واجبي أن أفيه حقه النقدي من كتابتي عن الشعر، فهو هرم يمني شامخ، يحتل مكانة سامقة بين جيل الستينيات الغاضب الذي لا يزال يثري حياتنا بالإبداع، ويعمر نفوس القراء بالمحبة، فضلاً عن الوفاء الذي هو أبرز صفات عبد العزيز المقالح الذي يتزايد تقديري له مع كل جديد أقرأه من إبداعه الجميل الهادئ حتى لو كتب بسيف الثائر الغاضب.

زر الذهاب إلى الأعلى