[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

ليس دفاعاً عن فيصل القاسم

منذ انتهاء برنامج الاتجاه المعاكس الذي تبثه الجزيرة مساء كل ثلاثاء بين العاشرة والحادية عشرة مساءً ويقدمه الدكتور فيصل القاسم واليمنيون يعيشون في هرجٍ ومرج محموم وبوتيرة عالية بسبب ما طرحه الدكتور فيصل القاسم في نهاية البرنامج من تعليق مقتضب عن اليمنيين ومن حق اليمنيين أن يغضبوا إذا كان ما طرحه الرجل حقاً يدعو إلى الغضب.

لم أشاهد البرنامج مساء الثلاثاء وحين قرأت في المواقع الإخبارية اليمنية وما يدور من جدل في المواقع الاجتماعية لم أصدق ما حدث وندمت لأنني لم أشاهد البرنامج لأعرف حقيقة ما دار وقررت أن أنتظر حتى يعاد البرنامج يوم الأربعاء عند الثانية ظهراً، ولكني توقعت قبل أن أشاهد البرنامج إن ما قاله قد يكون شيئاً عابراً وقد يكون عن القات وقد تلقف الأمر البعض وحرف الكلم عن مواضعه وشغل الناس في شيء تافه لا يشبع جائعاً ولا يكسي عارياً ولا يخفف من آلام مريضٍ. وهذا بالفعل ما اكتشفته حين اضطررت لمشاهدة البرنامج والانتظار حتى نهايته على الرغم من أنني لا أشاهد هذه البرنامج إلا نادراً ولا أتذكر متى شاهدته آخر مرة. وقد اكتشفت مدى السخف الذي وصل إليه البعض منا والأدهى من ذلك أنهم لا يحتفظوا بسخفهم لأنفسهم بل يعملون جاهدين بكل ما أوتوا من قوة بصبغ أكبر عدد من الناس بذلك السخف ويجعلوهم كالقطيع يسيرون خلفهم ويرددون سخافاتهم دون تفكير وتمحيص فيما يسوق لهم من بضاعة خاسرة وكاسدة.

لا أدافع عن الدكتور فيصل القاسم وسأتركه يتدبر أمره لأنه ليس عاجزاً عن الدفاع عن نفسه ولا أدافع عن الجزيرة فهي ليست بحاجة إلى دفاعي عنها ولست معنياً بذلك، ولكني أريد أن يعرف إخواني اليمنيون بكافة شرائحهم وبخاصة الإعلاميين وأصحاب الكلمة منهم أن يتحروا الصدق والدقة فيما ينشروه من أخبار وألا يروجوا للشائعات وقلب الحقائق ولأقاويل في كل زمان ومكان وبالذات في هذا الوقت لأننا في غنى عن كل ذلك ولدينا من الهموم والمشاكل الجسام ما يجعل الولدان شيبا وما يحتم علينا أن ننأى بأنفسنا عن مثل هذه التفاهات وضحالة التفكير.

الرجل، الدكتور فيصل القاسم، قال بما معناه أنتم سكارى برُبْطَة القات أربع وعشرين ساعة فكيف ستقومون بثورة. وبلهجة أهل الشام على حد علمي ومعرفتي بتلك اللهجة فإن كلمة "سكران" في سياق الحديث الذي دار في البرنامج تعني أن المرء "مخدر" ومسطول وغير مدرك لما يدور حوله وهو بالضبط ما يحدث لمن يتعاطى القات ولن ندخل في تفاصيل ذلك لأن من يتعاطون القات يعرفون تماماً ما يحدث لهم أثناء "الساعة السليمانية" وما بعدها. إذاً لماذا كل هذه الزوبعة والتغطية الإعلامية والمقالات الصحفية التي أخذت الموضوع بعيداً عن سياقه وأعطت الموضوع أهمية أكبر من حجمه بالرغم من أنه لا يستحق حتى مجرد الذكر.

بعض الكتاب - لا داعي لذكر أسماء هنا لأنه يبدوا أن بعض الناس يقتاتون من هذه الأمور ويقول المثل اليمني قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق- أخذ الموضوع بعيداً عن سياقه وهناك من الكتاب من سرد لنا ألف حديث وحديث وصور الأمر على أن الدكتور فيصل القاسم قد كفر وعليه أن يرجع عن كفره وإلا وجب إقامة الحد عليه! ربما تعمد أخينا هذا الكاتب - الله يهديه - عدم ذكر ماذا قال القاسم في البرنامج وظل يلف ويدور لأنه يعرف تماماً أن الكثير من الناس لن يكلفوا خاطرهم بالتأكد مما قيل وسيأخذون ما أورده من أحاديث نبوية شريفة على أنها أدلة ومسلمات أن الرجل قد كفر ويبدءوا حرباً شعواء ضد الرجل والوسيلة الإعلامية التي ينتمي إليها وتتحقق الغاية من كتابة مقاله وهذا هو المطلوب.

ماذا عسى هؤلاء أن يقولوا فيما قاله الكاتب فيصل علي في مقالة له بعنوان: يمن التخلف والقات التي نشرت اليوم - ربما مصادفة - في موقع مأرب برس وهي حول نفس الموضوع الذي لامسه مجرد اللمس وبحنية الدكتور فيصل القاسم؟ لن أستغرب ولن أستبعد أن يطالبون بشنقه جنباً إلى جنب مع فيصل القاسم في ميدان عام على الملأ جراء الإهانات التي وجهوها إلى تقليد وعرف مقدس لدينا نحن اليمنيين ألا وهو شجرة القات المقدسة مع أن كل واحد فينا سيقول لك أن هذه الشجرة اللعينة هي وراء كل المصائب ولأمراض الاجتماعية ولاقتصادية ولإدارية والصحية والنفسية والأخلاقية إلى آخر القائمة التي تنخر في مجتمعنا على مر السنين وبدلاً من محاربتها وإقامة ثورها ضدها للتخلص منها نقيم ثورات على من يتعرض لقداستها حتى بمجرد التلميح!

وخلاصة القول، يبدو أن البعض – للأسف الشديد- يفهم إن الكتابة والصحافة والإعلام تندرج ضمن وسائل فن التضليل والفبركة وقلب الحقائق والتزوير وليس التنوير والتبصير، وهذه كارثة ما بعدها كارثة. يا إخواني يجب أن نتوخى الحذر فيما نقول وبخاصة أولئك الذين يمتهنون الكتابة والصحافة والإعلام بصفة عامة لأن كلمة بسيطة في غير محلها قد تؤدي إلى كوارث ومصائب لا حصر لها ولا عد إن لم يحكم المرء ضميره وأمانته ومصداقيته ومهنيته في كل ما يقول. حمى الله اليمن وأهله من كل مكروه ومن كل أولئك الذين لا يقتاتون إلا من الاصطياد في الماء العكر والسقوط في الوحل ولا يدركون حجم الدمار والخراب المنظور وغير المنظور الذي تخلفه أفعالهم غير المسئولة على المجتمع اليمني وسمعته في الداخل والخارج أكثر من فيصل القاسم وغيره.

زر الذهاب إلى الأعلى