[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

هل رأى الناس سكارى مثلنا..!

بغض النظر عن خطأ أو صواب الدكتور فيصل القاسم الإعلامي الشجاع- الذي كان ولا يزال برنامجه الشهير- الإتجاه المعاكس- يثير جدلاً بين مشاهديه ومتابعيه والذي يعتبر نقطة تحول في وقت كان الإعلام العربي فيه لا يعترف سوى باتجاه واحد - فالحقيقة المؤلمة هي أننا الشعب الوحيد تحت الشمس -باستثناء بعض سكان القارة السمراء-الذين نسكر بالخمر (الحلال)..

القات ليس مخدرا والدليل أن العامل الذي يصعد أعلى منارة في صنعاء لا يسقط منها .. وعالم الدين الفلاني يرى أنه -أي القات- لا يسكرُولا يفتر مما يعني أنه سقط من قائمة المحرمات وآخر يرى أن القات ليس خبيثا فرائحته ليست نتنة كالخمر ولا يضر كالدخان والبعض الآخر يرى أن القات قوت الصالحين ..وهكذا عشنا مع هذه المصيبة في ظل هذا الخطاب الديني المؤسف الذي لا يرى مصائب الأمة إلا من منظور قال الإمام فلان ومن خلال قواعد فقهية عتيقة ليست مبنية على دراسات واقعية يُفهم من خلاله الواقع الزمني والمكاني ومن خلاله يُستعان بأصحاب التخصصات المختلفة لإمكانية فهم الحلال والحرام حيث يجب أن تبنى الفتوى على دراسة واقعية يتم الإستعانة فيها بالخبراء الإجتماعيين والإقتصاديين وخبراء الزراعة والطب وعلماء النفس وغيرهم لا أن نكتفي بالدليل أو الإقتباس أو تقليد فلان وعلان ..

ويأتي خطاب المثقفين بمختلف طبقاتهم ومشاربهم .. الصحفيون والكتاب والأدباء والمفكرون والفنانون التشكيليون حيث يقتصر بعض هؤلاء على ما يدور في الساحة السياسية وأخبار الحوادث والأخبار المثيرة أو الإهتمام بالكثير من الأشياء عدا هذا القلق المسمى بالقات ...
ربما لأن البعض لا يستطيع الكتابة وليس في فمه _حافز_ .. والآخر لا يفتأ يتلو عليك مبرراته الواحدة تلو الأخرى وكأنه مهتم فقط بالمبررات والأسباب دون الإهتمام بمعالجة هذه الأسباب أصلا ..

مالذي يجعلنا نضحي بأموالنا وأوقاتنا من أجل هذه الشجرة الملعونة ..!إن لم يكن القات مخدرا ..
المهمة الأساسية التي صنعت من أجلها الخمور والمخدرات هي التلاعب بالعقل وبعث النشوة الوهمية والشعور بالراحة والتخلص من الكثير من المشاكل وهذه صفة تشترك مع القات حيث يجعلك تلقي بواقعك جانبا وتتسلى بالقليل من الأفكار الصادرة من هذا المخدر القانوني الحلال .. فالناس يتعاطونه بالمساجد والمكاتب ويتعاطاه المتدينون وغيرهم الصغار والكبار والأطفال والنساء ..

لكنك لو طرحت سؤالاً واحدا على الجميع .. هل ضرر القات أكبر من نفعه ..!!
سيجيبك الجميع بلا استثناء نعم .!
وهو مستعد لأن يعترف لك بأنه سبب التقوقع الثقافي والإجتماعي وانعدام البنية الأساسية للتنمية البشرية والإجتماعية والتي تعتبر أساس التنمية الشاملة وسبب الكثير من الأمراض خصوصا مع انتشار السموم والمبيدات الحشرية والتي لا تستعملها الدول المصدر لها سوى في الغابات البعيدة والتي يأمنون فيها من عدم وصول الحيوانات حتى لا تتضرر منه..

لكن الجميع أيضا غير مستعد لأن يكف عن تعاطيه ..
غير مستعد لأن يشتري لنفسه كتابا أو يخرج مع أهله في نزهة أو يقتني بعض المواد الغذائية التي تخلو منها سفرته طوال أيام السنة لكن مشاويره إلى المقوات تبتدئ كل يوم ولا تنتهي إلا في حالة خلو جيبه من النقود ويأسه من الدين ..أو في حالة مرض يعجزه عن تناوله..

-لماذا تتعاطى القات ؟!
- القات ليس حراما .!
المشكلة أن الكثير منا لا يهتم لأمر الحلال والحرام فالواجبات والأركان المجمع عليها لا نهتم بها وليس أكبر دليل على ذلك خلودنا للسياحة في أكوان الله المختلفة فوق المدكى في أوقات الصلاة .:). ماذا لو أنه حرام؟!!

ماذا لو أن القات يسبب الكثير من الأمراض سيما مرض السرطان المنتشر بسبب المبيدات الحشرية والسموم القاتلة!

ماذا لو أن القات يستنزف عقولنا ..يركننا في زاوية خارج نطاق التاريخ ويركلنا خلف ستائر النسيان..!

ماذا لو أن القات يجعلك متوترا في وقت عملك الذي أصبح شيئا ثانويا وأصبحت جلسة القات هي الشيئ الأساسي الذي لا يمكن أن نشعر من خلاله بالقلق أو الإستعجال ولا مساومة عليه أبدا!

ماذا لو أنه يجعلك غائبا تماما ليس عن الوعي فقط بل عن حاضرك ومستقبلك ..والمسألة ليست شخصية بقدر ما هو حاضر ومستقبل وطن لعبت هذه النبتة الخبيثة قدرا كبيرا في إهماله وتجاوزه إلى أوطان أخرى وحضارات لا تملك شيئا مما نملكه نحن من إرث حضاري وثقافي..

إلى هذا الشعب الأصيل شعب الحكمة والإيمان والحضارة والوعي:
لستم سكارى فأنتم أصحاب حكمة مهما قست عليكم ظروف الحياة ولعبت فيكم قوى السياسة وتلاعبت بحقكم مراكز القوى المختلفة والمتخلفة ..

أنتم بنيتم خارج أوطانكم امبراطوريات اقتصادية وصلت للعالمية واستحقت إشادة العالم بها .. لكم ولغيركم
أنتم صنعتم هوياتٍ لشعوب لم يكن يسمع بها أحد .. وتملكون وطنا ارتوى من فم التاريخ العبقرية والإبداع ..وطن ولد وفي فمه ملعقة من حضارة .. تشيد به الشمس في إشراقها فهي تعلم جيدا ما معنى أن تكون يمنيا .. فلقد أشرقت على آبائكم وأجدادكم وهم أساتذة الدنيا وعمالقة التاريخ .. فأنتم الأصل وأنتم الفصل بكم أشرقت شموس التاريخ وبسواعدكم بنيت الحضارات وبقلوبكم نطق الحب وبألوانكم رسمت السماء وصفت زرقة البحر..

فلم نقزم أنفسنا ونرضى على أنفسنا شماتة الناس وتخلف الواقع ومرارة العيش تحت تأثير الوهم .. هل يمكن أن نصف القات الذي يستميت البعض في الدفاع عنه بغير الوهم..!

رحم الله أحمد جابر عفيف وغيره ممن حاولوا توعية الناس بخطر الشجرة التعيسة .. وأتمنى من كل قلبي أن يقوم الجميع بدوره أنا وأنت وهذا وذاك وعلى الحكومة أن تضع دراسات تحد من زراعته وتوعية الناس بأضراره وتخصيص أوقات معينة في قنوات الإعلام المختلفة.

مذهل ومخيف أن ترى الحكومة وهي المعني الأول بما ينفع الناس ويضرهم تهمل الجانب الإعلامي التوعوي ..على وزارة الإعلام أن تقوم بواجباتها فالوطن يحتاج إلى الصحة فلا رقي ولا تقدم في مجتمع مريض .. والوطن يحتاج إلى العقل فلا والوطن بأبناءه ولا تقدم ولا رقي ولا نهضة ولا حضارة بعقول تغيب معظم الوقت في التحليق بأجنحة الوهم بعيدا عن الواقع الذي يحتاج إلى وعي ويقظة..

الوطن يحتاج إلى الماء للزراعة ,,يحتاج إلى الوقت للإهتمام ويحتاج إلى جيل متيقظ فالزمن زمن وعي لا ركون ولا تساهل نحن الآن نعيش زمن السباق والتنافس في الإنتاج والتعليم عصر السرعة والصناعة لا يمكننا اللحاق به ونحن مخدرون بالوهم ننفق أموالنا وأوقاتنا فيه.

المصيبة كبيرة وآن الآوان أن نعترف بمصيبتنا حتى نكون قادرين على الوصول إلى الحلول الملائمة لها ..صحيح أن حل مثل هذه المشكلة المتجذرة في وعي الناس وحاضرهم لكن المشكلة الكبرى أنقف عاجزين كالمعوقين عن وضع تصور يصل بنا إلى العلاج فليس من المعقول أن العقل البشري عجز عن حل مشكلة القات.

العلاج ينبغي أن يكون تثقيفيا توعويا بالدرجة الأولى فمن الصعب أن تقنع شخصا بالإمتناع عن تناول القات وهو لا يعرف حجم المصيبة التي يتعاطاها ..أم أن الموضوع (يحتاج تخزينة ؟!!).

ساعة:
وطن يتناثر في الأفواه ..
يتبعثر في وجه الريح
يتمضمض في كلِّ شفاه..
وطن يتمزق (بالمدكى) وعلى قارعة النسيان
وطن يتناثر في منفى (الزاوية والأركان)
عفوا بلقيس ..
لسليمان الريحُ ولنا عودٌ من قات
لسليمان الجن ولنا زعقات الجانّ

زر الذهاب إلى الأعلى