[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الحصانة مقابل المبادلة: يا لها من مقايضة!

عملت حكومة الوفاق الوطني جاهدة على منح رأس النظام ومن عمل معه على مدى فترة حكمه حصانة بقانون غير قابل للنقض أو الرفض، وأُعطِيَت الكثير من المبررات لتسويق مثل هذه الحصانة التي، ربما، لم يسبقنا إليها أحد في التأريخ الحديث. فقد قامت الحكومة الموقرة بمنح صك غفران لفريق له أول وليس له آخر ممن سفكوا دماء المواطنين اليمنيين العزل بدم بارد وأعفتهم من المحاسبة والمساءلة القانونية والقضائية.

من ضمن هذه المبررات أن ما أسميه ب "المبادلة الخليجية" قد نصت على منح مثل هذه الحصانة ولا يمكن أن تنفذ "المبادلة" بانتقائية، بل يجب تنفيذ كل بنودها حرفياً. بالطبع، لا أحد يعرف على وجه التحديد على ماذا وقع المشترك وشركاؤه والمؤتمر وحلفاؤه، وربما هناك فخ و شروط خفية في "المبادلة" لا يعلمها إلا الله و"الراسخون" في طبخ "المبادلات".

من المبررات التي سيقت أيضاً أن من ستمنح لهم الحصانة لن يحق لهم ممارسة العمل السياسي بعد ذلك وأنهم سوف يبتعدوا عن اليمن لإفساح المجال لأبناء اليمن لبدء مرحلة جديدة لبناء اليمن الجديد بدون منغصات من قبل من هدم النسيج الاجتماعي وفرق اليمنيين وضرب بعضهم ببعض وجعلهم شعوباً وقبائل لا يتعارفوا ولا يتآلفوا.

و من الأوهام التي سيقت أيضاً ما يسمى بالعدالة الانتقالية التي تسوَّق على أنها ستعوض ما لحق باليمنيين من آذى خلال أكثر من سنة من المعاناة والشقاء والرعب والخوف والتعذيب والسجن والمضايقات والعقاب الجماعي والقتل والأشياء الأخرى التي يعرفها الجميع ولا يتسع المقام لذكرها.

وتحضرني بعض الأسئلة البريئة جداً في هذا السياق وهي بالتأكيد غيض من فيض! كيف سيُعوض الأطفال الذين أصابهم الهلع والخوف من أزيز البنادق ودوي الصواريخ، وكيف سيتم قياس وتقييم حجم الدمار الذي أصابهم والاضطرابات النفسية التي قد تصاحبهم مدى العمر؟ كيف سيعوض الجرحى عما لحق بهم من أذى جسدي ونفسي لا يمكن أن تعوضه كنوز الدنيا؟ كيف سيعوض أهالي الضحايا الذين فقدوا أبناءهم وأرباب أسرهم وإخوانهم وأخواتهم وأقاربهم؟ هل يوجد في الدنيا أي استخفاف بالمواطن في بلدنا هذا أكثر من أن يمنح الجاني حصانة لا تقبل الصد و لا الرد ويكرم على الملأ على أنه صانع السلام ويبقى يسرح ويمرح أمام أعين أهالي الضحايا دون خجل أو وجل؟ هل يوجد في الدنيا نفاق وكذب ودجل أكثر من هذا؟ عن أي عدالة انتقالية يتحدث هؤلاء؟

كل مسبق ذكره وغيره من المبررات الواهية والساذجة لاستغفال الشعب اليمني وتمرير منح الحصانة لعصابة القتلة والفاسدين والمجرمين لم يجني منه الشعب اليمني إلا بقاء رأس النظام يمارس نشاطه السياسي وبقاء أبنائه وإخوته وأبناء إخوته وجميع أفراد عصابته في البلد يتشدقون بأنهم سيعملون على بناء اليمن الجديد و دولة النظام والقانون خلال العامين القادمين وهو ما لم يستطيعوا القيام به على مدى 34 عاماً.

هل سيصحو الشعب اليمني على فاجعة مدوية وخيبة أمل كبيرة لم تكن في الحسبان بسبب هذه "المبادلة" بدءاً من مسرحية استلام وتسليم السلطة، وهل سيقيض الله لهذه الأمة رجال يعرفوا كيف ينتزعوا حقوقه من مغتصبيها في الداخل والخارج ويدافعوا عن سيادة هذا البلد بشجاعة وببسالة دون هوادة أو تهاون أو تخاذل أو تآمر؟ هذا ما سوف نعرفه في الأيام القليلة القادمة .

زر الذهاب إلى الأعلى