أربعة أشهر -تقريبا- على صدور قرار تشكيل "لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار" والنتيجة هي ذاتها، إنها لتذكرني بذلك الرجل الذي توفي أبوه فذهب ليجلب كفنا له، فعاد في اليوم الحادي عاشر، ولما صار إلى جوار داره تعثر بحجر فسقط أرضا، ثم نهض فقال: قبح الله العجلة.. إنها من الشيطان!!
سيكون مخطئ من يظن أن إيراد مثل هذه الأقصوصة يقصد به التندر والازدراء، لكنه سيكون من الصواب -أيضا- لو أخذنا منها العبرة، إذ أن الرجل على إخفاقه في العودة في الوقت المحدد إلا أنه عاد وهو يحمل الكفن الذي خرج لجلبه.. وهنا، أتمنى أن تعود هذه اللجنة من مهمتها -ولو تأخرت عن موعدها- وقد حققت ما أنيط بها من مهام على نحو ما تضمنه البندان: السادس عشر، والسابع عشر من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.
ولمزيد من الفائدة، فقد آثرت أن أورد تلك المهام ليقف القارئ عليها، وله أن يقارن بين ما كان قبل الرابع من ديسمبر 2011م- وهو يوم صدور قرار تشكيل اللجنة- وبين الواقع الذي نعيشه، في ضوء مهام اللجنة المتمثلة فيما يلي:
1. إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه.
2. إنهاء جميع النزاعات المسلحة.
3. عودة القوات المسلحة وغيرها من التشكيلات العسكرية إلى معسكراتها، وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن، وإخلاء العاصمة وباقي المدن من المليشيات والمجموعات المسلحة وغير النظامية.
4. إزالة حواجز الطرق ونقاط التفتيش والتحصينات المستحدثة في كافة المحافظات.
5. إعادة تأهيل من لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
6. أية إجراءات أخرى من شأنها أن تمنع حدوث مواجهة مسلحة في اليمن.
7. تهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة، في إطار سيادة القانون.(هذه الفقرة هي نص البند السابع عشر من الآلية التنفيذية).
إن كل سؤال سيطرحه أي منا حول ما حققته هذه اللجنة لن يجد إجابة مقنعة، وقد حاولت البحث عن إنجاز حقيقي لها، لا تشوبه شائبة، فلم أفلح!! ومهما تكن المبررات التي تساق من قبل هذه اللجنة فإن الواقع لا يقبل بأي عذر أو حجة، فهل علينا أن ننتظر حتى نجد أنفسا على آخر عتبة من أبواب هذا الدهليز المسمى "فترة انتقالية" ونخرج بمحصلة صفرية تقول: تمام يا فندم.. كل شيء على ما كان؟!!
إن أبرز ما يمكن أن يُرصد فيما سمي أعمالا منجزة لهذه اللجنة؛ كرفع بعض نقاط التفتيش والمتارس والحواجز من الشوارع الرئيسية إلى الشوارع الخلفية، وإجراء بعض الزيارات الميدانية لمناطق المواجهات المسلحة وخروجها بحال أعقد مما كان، ونشر مجاميع من ضباط وأفراد قوات حفظ السلام اليمنية في بعض مناطق النزاعات المسلحة، كل ذلك لم يسفر عن شيء إيجابي بالقدر الذي جلب مزيدا من الأعباء المادية على الخزية المالية المنهكة، بل، لقد بدا كل ذلك كما لو أنه خداع بصري.
ومع التنادي بأولويات التنفيذ في البنود الخاصة بمهام اللجنة، أيها يكون أولاً: دمج الجيش أم هيكلته؟ فحتماً، لن يرى النور أي بند من بنود تلك المهام ونحن على هذه الجدلية، لأنه سيكون الأمر التالي لدمج الجيش إنهاء جميع النزاعات المسلحة، كما في الفقرة الثانية من البند السادس عشر من الآلية، وهو أمر دونه خرط القتاد!!
هل نستطيع الاستيقان أنه بمقدور هذه اللجنة، أن تفصل في كل النزاعات المسلحة الدائرة في كل من: صعدة، وحجة، وأبين، وتعز، والبيضاء، أو تلك التي تجري في بعض مناطق صنعاء؟!! إن هذا الأمر الذي عجزت عن إنجازه إمكانات دولة لا يمكن بأية حال أن يأتي به بضع نفر-على تشتت آرائهم في أغلب المواقف- ولو كان معهم جن النبي سليمان عليه السلام، إلا إذا استخدم رئيسها الفعلي –رئيس الجمهورية- حقه الدستوري في سبيل تذليل كل عقبة توهن من نشاط هذه اللجنة، وبذلك، فإن قدرا كبيرا من تلك المهام ربما تجد طريقها إلى التحقق.
ومع قناعتي الشخصية بقدرات غالبية أعضاء هذه اللجنة، وما يتمتعون به من خبرة ونفوذ وحس عسكري وأمني، إلا أنني أشعر بحالة القنوط والإحباط والإخفاق الاستثنائي التي يحيط بهم، وهم يرون رؤيا العين، كيف يجري الاجتزاء والانتقاء والمراوغة والمقايضة واصطناع العقبات في مسار أداء لجنتهم، بفعل الإملاءات التي يتلقاها البعض، وسيزداد الأمر سوءا مع ازدياد الانقسامات في صفوف القوات المسلحة والأمن، في كل طرف، وبروز نزاعات جديدة وإخفاقات عسكرية وأمنية لبعض وحدات الجيش في مواجهة الإرهاب وصانعي الأزمات.
لقد بدت اللجنة العسكرية وكأنها حُمِّلت أكثر من طاقتها، بل إن أهم بند من مهامها-هو هيكلة الجيش والأمن- يكاد يخرج من أيديها، مع تواتر أنباء مفادها: أن ملف هيكلة الجيش والأمن سيكون أمريكيا بامتياز، الأمر الذي يعني أن هذه اللجنة- بأجهزتها العسكرية التي يقوم عليها أعضاؤها- لن تكون سوى أداة تنفيذية لكل ما تتلقاه في هذا الجانب الخطير من الآمر الأمريكي، وهو ما كان يجب أن تضطلع به هي شخصيا، دون أن يتدخل في ذلك أحد، وفق رؤية وطنية مدروسة وبقدرات وكفاءات يمنية صرفة.
إن قضية هيكلة الجيش والأمن التي كثر اللغط حولها؛ لو افترضنا -جدلا- وقوع أجندتها في اليد الأمريكية، ماذا بعد ذلك؟!! لا شك إن مهاما أخرى من المهام المناطة باللجنة وأجهزتها العسكرية المتعددة الوظائف ستؤول تلقائيا إلى تلك اليد؛ في جوانب التسليح، والتدريب، والاستراتيجية، وهو أمر مفزع بكل ما في الكلمة من معنى!! لأنه قد يجرّ اليمن كاملة -على حسن نية وضرورة ظرف- إلى قبضة الأمريكان، وذلك على شاكلة ما جرى في العراق وبعض دويلات الخليج، بما لهذا الأمر من تبعات مستقبلية كارثية كبيرة، تغتال السيادة والوحدة الوطنية، وتسيطر على الاقتصاد والقرار السياسي.
وعلى جانب ليس ببعيد عن الهيكلة، تأتي مسألة إعادة تأهيل الأفراد المنخرطين في صفوف الجيش المؤيد للثورة أو في صفوف القوات العسكرية والأمنية التي لزمت البقاء مع الرئيس السابق، حيث تضمنت بنود الآلية التنفيذية المعنية بمعالجة هذه القضية، مسألة إلحاقهم -رسميا- بالسلك العسكري، بتطبيق شروط الخدمة، وإعادة التأهيل، وهو مدخل وعر، سيكون مرتعا للفساد المالي والإداري والصراع السياسي والفكري، إذا لم يجرِ التعامل معه بالحكمة والنزاهة والجدية، لا سيما مع ما اكتسبه أولئك -في كلا الطرفين- من أفكار عدائية متبادلة، خلال فترة السجال السياسي البالغ نحو عام، إذ يحسب كل فريق أنه دون غيره على الحق، فتعاد الكرَّة مرة أخرى على غرار ما جرى في هذا الجانب بعد أحداث عام 1994م.
إزاء كل ما سبق، أتصور أن اللجنة العسكرية لن تستطيع أن تفي بكل ما أوكل إليها خلال المدة المتبقية، على نحو قابل للتنفيذ ومُرضٍ لجميع الفرقاء، خاصة في جانب النزاعات المسلحة، ودمج الجيش والأمن وهيكلتهما، شأنها في ذلك شأن الحكومة الحالية والمهام العامة المطلوب إنجازها منها في الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية، وكذا الارتباط الوثيق بين العملية السياسية التي تجري على بطء وبشرط توافق كل الفرقاء مع ماهو مطلوب من هذه اللجنة.. فهل نحن بحاجة إلى فترة انتقالية أخرى؟
أعتقد أنه إذا استمرت العملية السياسية على رتابتها الملموسة، وفي حال أنها لم تأتِ بما ينسجم مع المبادرة وآليتها في وقتها المحدد، ودون وجود تصعيد عسكري مربك لها، فإن فترة انتقالية توافقية إضافية أخرى ستكون محل نظر وتحقق، أقول ذلك، استقراء لواقع ما يجري بتعقيداته وتشعباته ومستجداته الكثيرة، واسترشادا بحالة بعض الدول العربية الأخرى التي لم تتعافَ بعد من حالة المخاض الثوري الذي مرت به، وأبرز مثال على ذلك: مصر، إذ لم تخرج بعد من النفق السياسي الذي يغتلي فيها، رغم ما تتمتع به من تماسك شديد في بنية قواتها المسلحة والأمن، وفي بنيتها الاجتماعية، وما قطعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع القوى الثورية والسياسية من مراحل في إعادة البناء السياسي، كالانتخابات البرلمانية، والتقدم الملحوظ في طريق الانتخابات الرئاسية، ومحاكمة رموز النظام السابق.
*باحث في شئون النزاعات المسلحة