[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

موزع بلاد بانتظار نبي..!

هنا يعظ الفقر بنواجذه على القلوب والبطون، هنا يحضر الجوع وتغيب الدولة وتنتهي حدود الوطن، هنا كل العيون شاخصة وكل الأيادي ممدودة وكل الأفئدة مكسورة.

هنا لا قيمة للأحزاب ولا فائدة ترتجى من عناوين الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة. هنا كان يجب أن تقوم الثورة وتشتعل الأرض، حيث لا قيمة تستطيع دفعها أفواه جائعة وبطون خاوية وأجساد استوطنها المرض وسكنها الانكسار.

هنا كسرة الخبز وشربة الماء هي الحكومة والكوخ المتهالك هو الوطن.
انتظر الناس هنا وصول الثورة العالقة في دهاليز الساسة وشاشات التلفاز، سمعوا أن هناك ثورة لكنهم لم يدركوا معناها؛ فالثورة ليست كلمة موجودة في قاموسهم المليء بكلمات كالملاريا وحمى الضنك وسوء التغذية وفقر الدم.

هنا حيث لا قيمة للإنسان ولا فائدة ترجى من الانتماء لفكرة الوطن الذي لا يطعمنا ولا يستحق أن نعيش فيه.. هنا غياب للضمير الجمعي للأمة وحضور طاغٍ للفقر الذي لم يكن رجلاً لنقتله.

هنا بإمكانك البكاء فقط لتنسى كم هو مؤلم أن تكون هذه البقعة من الأرض هي موطنك، وأن تشعر بالأسى لكونك تعيش في هامش الهامش، لست أكثر من رقم تورده المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية للحصول على معونات ومساعدات لا تصل إليك.

وهنا مازال الأطفال يموتون عند الفجر، وتذبل الأمهات قبل أوانهن، هنا عشرات الآلاف لديهم طبيب واحد، والكهرباء لم تعانق خطوط نقلها منذ شهور مضت، وشربة الماء الباردة هي بمثابة نزول ليلة القدر.

الجميع هنا ينظر للغرباء باعتبارهم حاملي خلاص، ويكون طلبهم الأول سجلوا أسماءنا في كشوفات المساعدات.

ليست مديرية موزع الواقعة في أقاصي محافظة تعز هي وحدها التي تنطبق عليها الصور أعلاه، فالفقر هو الحاكم الفعلي لليمن، وينوبه الفساد وليس له من نواب أو حكومة تهتم بمسح المعاناة من جبين ملايين المطحونين والمسكونين بالجوع وتفترسهم الأمراض والأوبئة.

نصف أفواه اليمنيين هي أفواه جائعة، وليس في ذلك مبالغة أو افتراء، لم تكن اليمن موطناً للمجاعة إلا حين يتحول حكامها إلى جلادين، وحين تتقاتل نخبها، وتستقوي بالخارج ضد الداخل.

زر الذهاب إلى الأعلى