[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

بين تفاؤل مضى وتفاؤل قادم!

عجيب أن ترى البعض ممن لهم باع في الثقافة والأدب، والتمكن من نظم الكلمات، والتفوق في مدارك الكلام.. شعرا ونثرا.. ورواية وقصة... بل ولديه من التجارب والمراس في الإدارة والأداء الرسمي... لكنه لا يستطيع ويعجز تماما في استخلاص النتائج الحقيقية على ارض الواقع نجاحا أو فشلا لأنه حين يرى نفسه دائما - وهو " ظان " بها أنها محصنة من الفشل..

ثم لا يستطيع معها أن يتحمل نقد الذات أو نقد الآخرين.. لأنه تعود إقناع نفسه بأنه على الدوام في الموقع الصح فكرا وسلوكا وأداء، بل يشعر انه لن تلحقه أي نقيصة أو شائبة.. ولأنه يرى أيضا أن الآخرين من حوله ليسوا في الموقع الذي يؤهلهم لتقديم النقد أو الإشارة إلى تصحيح المسار، وخصوصا حين يتعلق الموضوع في الأمر العام والقضايا العامة.
وقل لمن يدعي في العلم معرفة *** حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

وينسى المثقف المغرور- أيا كان - انه بتبؤه لمركز اتخاذ القرار الرسمي وإدارة المصلحة العامة، وتحمل مسئولية مهمة وصعبة بل وخطيرة.. تتعلق ببناء الإنسان وتكوين الشخصية التي تنتمي لهذا الوطن ولهذا الشعب فقط.. عليه أن يخلع بزة الهواية أو الحرفة الشخصية ليتمكن من رؤية الأشياء على حقيقتها بدون رتوش يضفيها لأنه مقتنع بأنه يستطيع اختزال الأمر في قصيدة أو أقصوصة أو حكاية أو مقالة، وأحيانا لدرجة الغرور وهذا ما جاء بالفشل كنتيجة حتمية.. لان كل ما كان يجري وعن قصد وعجز.. تختصره عبارة (كنا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا..). كما يقال... أيها الفطاحل العظام.. أو كما قال أستاذنا وشاعرنا المرحوم علي بن علي صبرة، وهو يعلق ذات مرة على الأداء الإعلامي والثقافي، وكان حينها نائبا لوزير الإعلام والثقافة "جعدلة براميل".

وحين تقرأ لأحد هؤلاء الجدد القدامى مقالا يحدد طريق الثورة على النفس في إشارة إلى الواقع الجديد ويدعو للتفاؤل والأمل، وهو الذي كان يدعو له من قديم ولم يفلح في التأثير على واقع الناس تجد أنها نفس اللغة ونفس الأداء.. ونفس الأسلوب في التناول ولن نقول نفس الكذبة، والمثير أنها بحماس بالغ... متناسيا أن التكرار الممل لا يخلق في النفس أملا، ولا يزحزحها عن واقعها المرير... فضلا أن يمنحها الفرصة لترسم أي خطوة... في طريق الثورة على النفس.. ومن فترة لاحظت نفس الأسلوب ونفس اللغة لدى كثيرين فمن ثورة على النفس إلى ثورة في الأخلاق إلى ثورة.. إلى ثورة.. وأصبحت كلمة " ثورة " كلمة تلوكها الألسنة في كل اتجاه، حتى خاب أوارها بالكثرة المملة ولا أقول السخيفة أو الاستخفاف بعقول الآخرين.

و مع احترامنا وتقديرنا لكل شجاع وحر في قول الحق والانحياز للحقيقة – إلا انك تجد احد الذين تسيدوا لعقود من الزمن على مؤسسات الإعلام، والمؤسسات التعليمية والثقافية وفي وقت يمكن تسميته عهد تأسيس وانطلاق الفكر اليمني الجديد المسنود بالقيم والثقافة الوطنية، بمعنى انه وجد مجالا أرحب للانطلاق والإبداع وأداء الدور المؤثر في الجماهير، وحتى كان المبدعون اليمانيون الأكثر حضورا وتأثيرا سمة من سمات هذا الوقت في مختلف ميادين الثقافة والأدب والفن وكان ما يزال حاضرا بيننا عمالقة الفن والأدب اليمني في أزهى عهوده، والذي كان له صدى وتأثيرا لدى جماهير الشعب التواقة لاستيعاب كل نتاج أدبي وفني وثقافي فيما لو أحسن استغلاله.. وكان هدف تكوين الشخصية الوطنية المطلوبة.. أكثر موافقة.. منذ بداية الثمانينيات وفي متناول اليد، وكانت الظروف مهيأة تماما لثورة على النفس فعلا..

وفي كل اتجاه فيما لو أريد لها، وكانت ثقافة الجيل وفكر المجتمع اليمني وتقبله للرسالة الإعلامية والثقافية حينها متناسقة لدى المرسل ولدى المتلقي لكن الانحراف بالرسالة وتلوثها بترهات التخبط الإعلامي الهلامي والأداء الباهت العاجز للمؤسسات التعليمية والثقافية وانعدام الرؤية باتجاه المستقبل آنذاك، و لا نجاوز الحقيقة بالقول إن هذه المؤسسات الإعلامية والثقافية فشلت في أداء دورها.. وليس ذلك فحسب بل شاركت بصورة أو بأخرى في تعريض الذوق العام للمسخ والتخريب أحيانا.. وللإفساد والإهمال كثيرا... وظهر فشلها الذريع في تكوين الرأي العام الوطني أو التأثير فيه وانعكس ذلك الفشل في تشويه القيم والمثل الوطنية وقيم الانتماء للوطن اليمني قلنا بل أثرت عليه سلبا..

والواقع يفضح ذلك ويفصح عنه.. حتى لا يقال بالتجني، وتستطيع مراكز البحث العلمي ومراكز الدراسات أن تدرس تجربة هذه المؤسسات وستصل حتما لهذه النتيجة المروعة.. لقد كانت مختلف التظاهرات الوطنية بما يصاحبها من زخم إعلامي وإبداع ثقافي تقتصر على المواسم بمعنى أن النتاج الإعلامي والثقافي كان هلاميا وموسميا تنتهي آثاره بانتهاء المناسبة وموسمها... رغم ما يمتلكه من قوة التأثير في الواقع.. قبل ظهور وتمدد ثورة الاتصالات والفضائيات وحين كان المناخ الداخلي أكثر تهيؤا واكبر قابلية للتأثير الايجابي الذي لم يحدث.

ولسنا نقول ذلك اليوم.. اذكر أن كتابات عديدة ظلت تشير دائما إلى مواطن الخلل، ومواقع الأخطاء في المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية منذ سنوات، ومن العجيب كما أتذكر أن مسئولين في مراكز اتخاذ القرار كانوا أيضا ممن يشير إلى هذه الأخطاء والسلبيات في أداء هذه المؤسسات لرسالتها وواجباتها تجاه الوطن وأجياله وشبابه - وكأنما كان ذرا للرماد على العيون - فكان الضرر بالغا في أداء وسائل وسلوكيات القائمين على هذه المؤسسات المعنية بتكوين الرأي العام، ودراسة اتجاهاته، وبصياغة الشخصية الوطنية وتوعيتها حتى كان بالإمكان إحداث التغيير حتى على مستوى الذات.. وفي وقت مبكر، وعلى الأقل التوعية بمضامينه، وانعكاساته الايجابية على الفرد والمجتمع في آن.. إلا أن ذلك لم يحدث!.

وعليه نقول هل ما جرى ويجري يتيح مجالا لأي تفاؤل وأمل انتم شاركتم في اجتثاثه من وقت طويل طويل واليوم انتم من يريد صنع هذا التفاؤل وقد كان في متناول قراراتكم!!

ومعقول ومقبول أن تصدر هكذا دعوات ممن كانوا خارج مواقع المسئولية الوطنية الوظيفية والشخصية العامة!! لكن من غير المقبول حين تصدر ممن كانوا في مواقع القرار والمسئولية فما ذلك إلا الضحك من جديد على عقول السذج، والادعاء الكاذب بعينه، وفي ذات الوقت من حيث لا يشعرون هو اعتراف واضح بالفشل الذي ظهر جليا في تشخيص الواقع المزري الذي هو نتاج واضح لأخطاء الماضي ظل الإعلام والثقافة والتعليم احد اكبر عناوينه.. ومن يتابع ما يكتب سيكتشف أننا فعلا لم نتغير بعد.. وأننا بالفعل أولى وأكثر احتياجا لما نريده من الآخرين، ولي أن أقول من باب الطرافة قول قديم اقرب إلى المثل " الخطبة الخطبة والجمعة الجمعة.. وعاق والديه عاق والديه " ذاك الذي نقرأه اليوم هو ما سيكتب في الغد ولم نعد نؤمن بما سطر بالأمس. القريب والبعيد. فأين طريق التغيير الذي سلكته في طريق الثورة على النفس كل تلك القيادات ؟..

نعلم ويعلم الجميع على سبيل المثال كيف هو الإعلام وكيف كان التعامل مع كثير من المبدعين الذين فقد بعضهم عقله، واخذ بالهذيان مع نفسه بمعنى فشلت المؤسسات التي كانت تدار من هؤلاء الفاشلين والفاسدين في صياغة روح المبدع وتعريفه بمعنى الثورة على النفس ومتى تكون ؟ وكيف تكون ؟ وفي أي اتجاه لاستقبال ما يراد إقناع الجماهير به اليوم " متأخرا و متكررا " فيما أسمي عبثا طريق الثورة على النفس!!! هذه الجماهير التي يراد لها من جديد التعلق بالأمل والتفاؤل إلى الأبد... ظلت لسنين عديدة تعيش هذا التفاؤل وهذا الأمل من خلال وعود ووعود كانت لا تراها ولا تحسها إلا في إعلام هلامي بائس وعاجز، وأداء لثقافي ومعرفي وتعليمي باهت ومريض.

أقول مختتما: لسنا ضد الأمل والتفاؤل وسنظل نحيا به ما دام في عروقنا دماء تجري، وفي قلوبنا تعيش اليمن بأهلها وناسها الطيبين المتفائلين... لكن من غير المقبول الافتئات على هذه المعاني السامية من قبل اناس جربهم الشعب فكانوا وبالا عليه، والكلام الجميل جميل إلا أن يصدر من حناجر الطغاة والفاسدين فيتحول من جميل إلى مفترى عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى